طلال سلمان

على الطريق كريستوفر والكارثة الجديدة؟!

كلما هلّ على الدنيا العربية وزير أميركي في زيارة رسمية “لدفع مفاوضات السلام” مع العدو الإسرائيلي نشبت حرب أهلية جديدة في قطر عربي آخر، أو تجددت وعنفت حرب أهلية “قديمة” كانت نائمة فوجدت في الزيارة ما يجعلها تهجر الوم إلى يقظة دموية لا تبقي ولا تذر.
الآن، دوراليمن، في ما يبدو…
وهكذا أضيفت جبهة دموية جديدة إلى الجبهات القديمة كالجزائر ومصر والسودان والعراق المنسي،
وفي حين اتخذ النظام المصري موقعه “كوسيط نزيه” في الصلح المنفرد الجديد بين الفلسطيني وبين “عدوه” الإسرائيلي. وأدى دوره بكفاءة عالية، فإن هذا النظام نفسه قد عجز عن القيام بالمهمة ذاتها بين “الأخوة الأعداء” في اليمن الذي كان يمنين فتوحد والمرشح الآن لكي يصير “جامعة دول يمنية”!
فالقبائل الماركسية – اللينينية (سابقاً) والتي كانت متطرفة في “أصوليتها” الشيوعية تقاتل الآن بأموال سعودية “نظيفة” ضد القبائل “الرجعية” التي اختارت “دكتاتورية وطنية” تدور في فلك النفوذ الأميركي الذي احتضنها لأنها تجلس فوق خزان نفطي يكاد يكون سعودياً في اتساعه وغزارة إنتاجه.
ولعل “نصائح” كريستوفر لوزراء مجلس التعاون الخليجي كانت هي ذاتها التي كررها في القاهرة: اتركوا اليمن لليمنيين وهيا فقوموا بواجبكم في إنجاح العملية السلمية في الشرق الأوسط!
ولقد لبوا النداء فتركوا اليمن للحرب الأهلية، وتركوا فلسطين لإسرائيل، وتركوا النفط للسيد الأميركي، ثم انعطفوا على سوريا ولبنان والأردن يضغطون عليها حتى ترفع المقاطعة وتتنازل عن الأرض وتسقط آخر أشكال المقاومة لكي يجيء “السلام” طاهراً، صافياً وخالصاً لوجه الله، لا يطلبون مقابله جزاء ولا شكور!!
كلهم للصلح الآن، وللصلح فوراً، وبلا قيد أو شرط، لكأن التاريخ كذبة، ودم الشهداء المجاهدين شيوخاً وأطفالاً ونساء مجرد نهر من الأكاذيب، والتراب وهم، وحق الإنسان في أرضه خرافة، بل لكأن الإنسان العربي لم يوجد قط، وما كان من أمره في العقود الماضية مجرد دعايات أو ادعاءات مضللة!
من العرب؟!
إنهم أقوام، مجرد أقوام، مختصمة، متنابذة، مقتتلة، لا قيادة لهم ولا قائد، لا مرجعية لهم، ولا حتى من هو أهل للقيام بدور الوسيط،
فها هي أرضهم تشتعل بالدم المراق، فلا يجد المقتتلون من يفصل بينهم أو من يدعوهم إلى كلمة سواء فيلبون نداءه.
لقد احتربوا على الحرب،
وها هم يحتربون على الصلح،
واحتربوا على الانفصال،
وها هم يحتربون على الوحدة،
واحتربوا على الاشتراكية،
وها هم يحتربون على اقتصاديات السوق،
وأين لبنان، الذي كان رئة ومتنفساً ومنتدى لاصطراع الآراء والتيارات والاجتهادات منعاً للفتنمة الداخلية، وإحدى منارات الهداية إلى العدو الأصلي؟!
إنه شلو مرمي في خرابة، وقد تولاه مرأب يبيع الأرض والشمس والهواء، ويبيع أيضاً المواقف و”الملفات” والجرائم السياسية، معطلاً دوره التاريخي في الإعلان عن الطموح العربي إلى الديموقراطية والتحرر والعدل الاجتماعي.
ولأن كريستوفر آت، ولسوف يخصه بزيارة، فمن الصعب الاستطراد في الكلام وطرح الأسئلة “البريئة” كمثل: لماذا يحارب الحكم دولته بكل هذه الشراسة؟!
لعل شرط حضور الحكم أن تغيب الدولة، بمؤسساتها وشعبها، أما الأرض فبعضها الأسير يرهنها جميعاً لإرادة “العملية السلمية”.
لقد جاء كريستوفر،
فلنستعد لكارثة قومية جديدة،
ولسوف يكون لنا، وليس لغيرنا، شرف اصطناعها،
والحمد لله من قبل ومن بعد، وإنا لله وإليه لراجعون!

Exit mobile version