طلال سلمان

على الطريق كثير من الإسلاميين، قليل من الإسلام!

بينما تغطي دماء المسلمين وجه الأرض، داخل بلادهم وخارجها، يتعاظم قرع طبول الحملة المنظمة دولياً لإرهاب العالم، غرباً وشرقاً، وتخويفه لاستفزازه بشبح الإسلام… المتوحش!
فجأة صار “الإسلام” العدو الأوحد المتبقي للغرب الرأسمالي والشرق الذي كان شيوعياً فاهتدى، ولإسرائيل وحركتها الصهيونية التي كانت الرائدة وحائزة شرف السباق في التصدي لهذا الخطر الساحق الماحق الذي يتهدد الحضارة وأسباب التقدم الإنساني!
تقاطعت على “الإسلام” سيوف الجميع: أهل ا لحكم وأهل المعارضة، أهل الفكر وأهل السياسة، معاهد الأبحاث والدراسات ومراكز التجسس والمخابرات.
وتحوّلت جميع النكبات التي تعصف بالمسلمين في أفغانستان إلى البوسنة والهرسك، مروراً باليمن والعراق والسودان ومصر والجزائر، إلى مكامن لـ “الإرهاب الأخضر” المنذر باجتياح الكرة الأرضية كما الوباء الخبيث!
اختفت كلمات مثل “الثورة”، “الشيوعية”، “الاشتراكية”، “الأفكار الهدامة”، وحتى “القومية العربية” و”التعصب القومي” أو “الشوفينية” و”الأنظمة الدكتاتورية”، وحصر كل ما يرمز إلى العسف والقمع والإرهاب الفكري أو الجسدي في الإسلام كدين وفي أتباعه المسلمين!
صارت “حماس” أخطر من إسرائيل و”الجهاد الإسلامي” أخطر من الحركة الصهيونية و”جبهة الإنقاذ الإسلامية” أخطر من الولايات المتحدة الأميركية وغزواتها المتواصلة من “عاصفة الصحراء” ضد العراق ومجموع العرب إلى “عاصفة الكاريبي” ضد هايتي ومجموع العالم الثالث.
الطريف أن الكثير من المسلمين باتوا الآن يخافون الوحش المصنع في العرب تحت اسم الإسلام!
والأطرف أن الذين اخترعوا الوحش وعملوا على تضخيمه لتخويف الآخرين به يتصرفون وكأنهم قد صدقوا كذبتهم ويظهرون “ذعراً” من “الإسلام” وإرهابه الدولي!
كان الوحش معداً في الأصل لتطويع المسلمين، ومن هنا وجد الرعاية والتغذية والحماية والدعاية ثم أطلق على العرب وسائر المسلمين ينهش من سمعتهم وقيمهم وحقهم في تحرير أرضهم وجدراتهم بدور في عالمهم المتغيّر!
وكانت مهمة “الوحش” أن يعارض الأنظمة قليلاً، بحيث يدفعها خانعة ومستسلمة إلى بيت الطاعة الأميركي، بغير نقاش، وإلى اتفاقات الإذعان لشروط السلام الإسرائيلي بغير أن يقرأوها!
كذلك كانت بين مهماته قطع الطريق على معارضة شعبية أصيلة، تعبّر عن وجدان شعبها وعن مطالبه الحياتية ومطامحه المستقبلية… فالوحش قد لا يحب الأنظمة كثيراً ولكنه يكره المعارضين الآخرين، الجديين وحملة البرامج التغييرية، أكثرث بكثير!
وهكذا كانت بعض الحركات الإسلامية تعيد عبر ممارساتها الشنيعة شيئاً من الاعتبار إلى الأنظمة التي تجهر بمعارضتها، في حين تؤذي الإسلام أخطر الإيذاء وتلغي فرصة المعارضة الأصيلة في طرح برنامجها، لأن جو الإرهاب لا يسمح بذلك إطلاقاً.
للعبة دورة واضحة:
بدأت إسرائيل باختراع العدو العالمي المخيف الجديد عشية انهيار الشيوعية ومعسكرها الاشتراكي بقيادة “الاتحاد السوفياتي العظيم”.
وهي قد اخترعته أصلاً لتجدد دورها في حماية “الغرب” وحضارته، ولكي تستعديه ضد “أعدائها” العرب المحتمل أن تتعزز جبهتهم بتضامن سائر المسلمين معهم،
بعد إسرائيل، وبتوجيه منها، انتبه الأميركيون إلى أنهم هم أيضاً يستطيعون توظيف بعض “الإسلاميين” لضرب الإسلام والمسلمين: وهكذا استضافوا الشيخ عمر عبد الرحمن (المصري) واستقبلوا الدكتور حسن الترابي (السوداني) ورحبوا ببعض المعارضات الإسلامية العراقية في البيت الأبيض، ثم فتحوا الباب لإسلاميي الجزائر الهاربين من القتل إلى القتل،
ثم سرعان ما وسع الأميركيون إطار حركتهم، فوظفوا علاقتهم بإسلاميي الجزائر ضد فرنسا، في حين ركضت فرنسا إلى إسلاميي السودان لتوظفهم كجسر إلى إسلاميي الجزائر الذين أحرجوا فأخرجوا وذبحوا فذحبوا حتى فصل بحر من الدماء بينهم وبين النظام العسكري الذي كان – هو الآخر – قد بدأ يبتعد عن باريس مقترباً من واشنطن ومن… الإسلاميين المحميين منها!
وكان يجب أن يكون للعبة دورة داخلية، لكي تتسع دائرة حركة الوحش،
وهكذا قسمت الحركة الواحدة إلى جبهات عدة، والحزب الواحد إلى منظمات متصارعة، ودخلت المخابرات الخارجية وأجهزة النظام على الخط، فإذا الإسلاميون أصناف وطوائف وشيع تقتتل في ما بينها، بعضها لحساب النظام وبعضها لحساب الخارج، دون أن يعني هذا أنها بمجموعها قطعت صلاتها مع شعبها.
صار الإسلاميون إسلامات،
صار منهم إسلاميو أميركا وإسلاميو فرنسا وإسلاميو إسرائيل، إضافة طبعاً إلى إسلاميي الإسلام،
وكان طبيعياً أن يصل الشقاق إلى إسلاميي أميركا وإسلاميي فرنسا وإسلاميي إسرائيل، وأن ينفجر الصراع دموياً وسياسياً إلى حد التشهير القاتل، في ما بينهم،
ولعل ما يحصل في أفغانستان وباكستان والعراق والسعودية واليمن وعُمان ومصر إضافة إلى الجزائر، يؤكد هذا الاستنتاج المنطقي.
كثيير من الإسلاميين وقليل من الإسلام،
كثير من الحركات والجبهات وقليل جداً من النتائج المقبولة،
أما الضرر على الإسلام والمسلمين فعظيم،
أبسط الضرر أن مراجع الإسلاميين قد تعدّدت وليس بينها مرجع “مسلم” واحد،
فمرجع الإسلامي في مصر هو الأميركي البروتستانتي،
ومرجع الإسلامي في السودان هو الفرنسي الكاثوليكي،
ومرجع الإسلامي في الجزائر مؤسسة مختلطة من الكاثيوليكي الفرنسي والبروتستانتي الأميركي، في حين يبقى اليهودي الإسرائيلي في موقع الشريك المضارب.
أي أن المرجع هو مُصنّع “البعبع”،
فالبعبع الإسلامي هو صنيعة هؤلاء مجتمعين، وإن كانت الفائدة تذهب بمعظمها – وكالعادة – إلى الإسرائيلي،
حمى الله الإسلام من إسلاميي الخارج والداخل!

Exit mobile version