طلال سلمان

على الطريق كتابة على آخر حجر!

وداعاً أيها الحجر. وداعاً أيتها الأحلام. وداعاً ايها العرب.
مع قرار وقف العمليات العسكرية داخل الأرض المحتلة، تكون منظمة التحرير الفلسطينية قد أنجزت مهمتها التاريخية، فأخلت الطريق أمام الحركة الصهيونية لكي تباشر المرحلة الجديدة من مشروعها الإمبراطوري فوق الأرض العربية.
كان الحجر آخر كلمة “لا”، والمدخل المبتكر للجيل الثالث أو الرابع أو الخامس من الثوار على أرض فلسطين.
لم تأت الثورة، أو هي لم تصل لأنها أضاعت الطريق إلى الداخل، فأعلى من في الداخل صوته بالحجر.إذا لم يتوفر السلاح فالأرض ولادة وهي السلاح الذي لا يغل.
… وها قد أخرجت الأرض من الصراع.
بماذا إذاً، ومن أجل ماذا إذاً يقاتل المقاتلون؟!
كان الحجر آخر سد، آخر عقبة، آخر حد مع الصهيونية.
ها هي الحدود تسقط، فإذا فلسطين “في” إسرائيل، وإذا إسرائيل “في” فلسطين، وإذا الفلسطيني في الخندق الآخر، بينما بقية باقية من العرب ما تزال تقول “لا”، أو تتشبث بالأرض مؤكدة ما هو حقيقي كالدم المراق: إن فلسطين غير إسرائيل، وإن إسرائيل هي نقيض فلسطين، وهي اللاغية لفلسطين، وإن العروبة غير الصهيونية وأنهما ضدان لا يلتقيان، وإن إحداهما تنفي الأخرى ولا تعيش إلا إذا أسقطتها.
ها هي الحدود تسقط، ومعها الحجارة والانتفاضة وأيدي الفتيان السمر والفتيات النجلاوات والعيون، ومعها أيضاً الأحلام والرايات وقصائد الشعراء المندرجة كلها تحت عنوان “سجل أنا عربي”…
في وجه العرب لم يُسقط “الفلسطيني” حدوده، بل هو أكدها كل يوم، كل ساعة، كل دقيقة، وكان يرى في توكيدها إعلاناً عن وجوده،
أما مع الإسرائيلي فقد أسقط الفلسطيني “حدوده” معتبراً أن اعتراف “عدوه” به يغنيه عن أخيه، إذ أنه يؤكد وجوده المنشود، ولو ضمنه.
ومع العربي يعلن “الزعيم الفلسطيني” سلسلة من الحروب بدعوى التوكيد على القرار الوطني المستقل، حتى إذا ما صافح رابين أسقط دعواه وتخلى عن ذلك القرار الذي تتكشف الآن أغراضه واستهدافاته: لقد كان يؤكد الانفصال عن العرب لكي يتيسر من ثم الاتصال مع العدو.
القرار الوطني المستقل من أجل الصلح المنفرد،
القرار الوطني المستقل يغدو مدخلاً شرعياً إلى التحالف مع الإسرائيلي بشروط الإسرائيلي وبالقرار الوطني المستقل للإسرائيلي، وعلى حساب العرب جميعاً واستقلالاتهم وأرضهم وفي مقدمهم الفلسطيني.
الالتباس قاتل.
ففلسطين هي الثورة وهي العروبة والعرب، والمنظمة آخر نظام عربي، لكنها تفيد كثيراً في استثمار الالتباس واللعب عليه.
والمنظمة – النظام تنفع ذريعة، وتنفع عذراً وتنفع مخرجاً للتملص من الالتزام القومي بمواجهة إسرائيل والمشروع الصهيوني.
تحاصر بأخطائها، وتدفع دفعاً إلى السقوط، فإذا ما صالحت صفق لها الجمع وأعادوا الاعتراف بها مؤكدين على شرف قرارها الوطني المستقل.
بعد ذلك يصبح ممكناً الالتحاق بها، ولا لوم عليهم ولا تثريب: “-لا يمكن أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطيني.. لقد صالح، وهو المغتصبة أرضه والمسلوبة حقوقه. لقد ارتضى. فلماذا المكابرة، وبأي حق ندعي إننا أكثر حرصاً منه على قضيته”!؟
وداعاً أيها الانتفاضة.. يا آخر الثورات العربية في هذا القرن! يا آخر ثورات الكون في هذا القرن. لقد اغتيلت البشارة بالغد الأفضل، ورفعت على أجداث الشهداء رايات النظام العالمي الجديد، الشديدة الشبه بالأعلام الزرقاء ذات المثلثين المتقاطعين!
لقد بخل العرب على الانتفاضة بقروشهم.. ولكنهم سيدفعون غداً صاغرين لمن يريد تحويل أرض الانتفاضة إلى ماخور وسوق حرة وعلبة ليل.
وهم لا يدفعون الآن لفلسطين، إنهم يدفعون لإسرائيل.
ولقد أعفاهم عرفات من الحرج. أقفل باب فلسطين، وفتح أمامهم الباب الإسرائيلي المرصود فاندفعوا إليه متزاحمين.
و”الفلسطيني” الذي باع الانتفاضة هو الآن مجرد سمسار لدى الإسرائيلي وجاب!
الكل متعجل الوصول إلى النعيم الإسرائيلي،
من أمير المؤمنين، إلى ملك السيفين المتقاطعين على نخلة بلا جذور،
.. وصاحب تونس يستعجل إنهاء المقاطعة مع أنه غير متضرر منها.. بل هو كان أحد أكبر المستفيدين من “الثورة الفلسطينية” التي وصلته “ثروة” ودخلاً سياحياً فخماً ورصيداً تاريخياً أفخم!
ورابين يستعجل الوصول إلى الأردن، فيقترح نقل المفاوضات مع الفلسطيني إلى عمان توفيراً للنفقات!. لعله يأمل أن تصبح ثلاثية.
بل لعله يأمل في أن يعيد بناء الطوق، بحيث يغدو طوقاً على سوريا ومعها لبنان.. خصوصاً وإن التطويق بدأ انطلاقاًس من مصر، ثم جذب دول المغرب العربي أو إنها انجذبت إليه!
وداعاً أيها السلاح!
وداعاً أيتها الحجارة التي باتت مقدسة كما أطفالها،
وداعاً أيها الأحلام العربية.
ولنستعد لليل الإسرائيلي القادم باسم السلام الأميركي وعلى أجنحة الطائرات الحربية الحديثة التي وصلت قبل السلام إلى يد العدو… سابقاً ولاحقاً وغلى دهر الداهرين، آمين!!

Exit mobile version