طلال سلمان

على الطريق “قمة زايد” ومهامها الإضافية

نجح الشيخ زايد في تخطي الحواجز وتحاشي الألغام واصطناع المعجزة: عقد القمة الخليجية في موعدها الروتيني المقرر سابقاً والذي كان إلى ما قبل أيام يبدو متعذراً.
برافو الشيخ زايد!! فمن غيرك يستطيع الآن أن يجمع ستة من الحكام العرب دفعة واحدة وفي مكان واحد وعلى موقف واحد (ولو شكلاً؟!)
والحمد لله أن رئيس مصر قد نجح، وبعد ثلاثة أيام مضنية، في فتح الباب لحل مسألة ترسيم الحدود بين قطر و”الشقيقة الكبرى” التي تبحث عن مزيد من الأرض لتلافي مشكلة الكثافة السكانية في الربع الخالي.
المهم أن “الغمة” قد زالت فانعقدت “القمة” وفي توقيت بالغ الدقة، لتواجه مجموعة من المسائل خارج جدول أعمالها أهم وأخطر بكثير مما يتضمنه أصلاً.
ويمكن التذكير بأبرز تلك المسائل على الوجه الآتي:
1 – مسألة العراق، خارج دائرة الأحقاد والثارات وروح الانتقام من صدام حسين، بينما الضحية بلاد الرافدين بأرضها وشعبها العظيم ومستقبلها ودورها العربي الذي لا يعوض.
وإذا كان الشيخ زايد قد بادر فأعلن أنه لا بد من التنبه إلى مخاطر ترك العراق يتفتت ويضيع، بذريعة معاقبة صدام حسين، فالأمل أن تتحول النوايا الطيبة لزايد العربي إلى قرار سياسي من القمة إلى منهج في العمل يحيي الأمل في توحيد الجهد العربي لحصر آثار الكارثة القومية التي تسبب بها ذلك الحاكم العراقي المهووس بالسلطة والمسكون بالمغامرة إلى حد الجنون الدموي.
إن الخليج بلا عراق كإنسان أضاع مركز التوازن فيه، ففقد السيطرة على نفسه ولم يعد يستطيع التحكم بحركته. ولقد آن الأوان لكي يكتشف أهل الجزيرة والخليج إن بقاء العراق عربياً موحداً ومتماسكاً ضرورة لأمنهم ولمستقبلهم ولانتظام علاقتهم بثرواتهم الطبيعية، ثم بالعالم الخارجي.
2 – مسالة المبعدين الفلسطينيين إلى لبنان وموقعها على خارطة المفاوضات العربية – الإسرائيلية، وتأثيرها على مستقبل العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، ومن ثم على مستقبل العلاقات الأميركية – العربية.
فما تكسبه إسرائيل في الأرض المحتلة أو في لبنان ستوظفه في واشنطن وضد العرب وضد العلاقة الطبيعية المتفرضة بينهم وبين الرئيس الأميركي الجديد.
ويخطئ حكام الجزيرة والخليج إذا هم افترضوا أنهم لن يتأثروا بنتائج محاصرة النفوذ الصهيوني للرئيس الأميركي بيل كلينتون، خصوصاً وإن إسرائيل تحاول أن تفرض عليه أمراً واقعاً لا يستطيع – من دونهم – تخطيه إلى “صداقتهم”.
3 – إن حكام الجزيرة والخليج قد استوعبوا دروس المحنة القاسية التي عاشوها والأمة معهم قبل عامين أو هذا ما يفترض… ويمكنهم الآن أن يباشروا العودة إلى المسرح العربي، وإلى دورهم العربي (الي لا حماية لهم خارجه) من باب القضية – الأم، ونقطة التقاطع الأساسية في المصالح العربية الأميركية: مفاوضات التسوية.
إنهم يملكون سلاحاً فعالاً هو دورهم في المفاوضات متعددة الأطراف، وهو دور قد وظفته الولايات المتحدة كرشوة لإسرائيل، فأخذ الإسرائيليون الرشوة (السخية!!) ثم لم يعطوا بالمقابل شيئاً.
مرة أخرى ينعقد الأمل على الشيخ زايد في أن يبادر فيساعد أخوانه المجتمعين في ضيافته على تخطي مراراتهم وأحقادهم ومآخذهم على القيادة الفلسطينية، والالتفات إلى الموضوع الأصلي: تعاظم الأخر الإسرائيلي ليس على فلسطين فحسب بل على العرب جميعاً بين محيطهم والخليج.
فالإبعاد أخطر من أن ينظر إليه من زاوية الوضع الإنساني لأربعمائة وسبعة عشر مجاهداً من أبناء غزة ورفح وخان يونس وسائر فلسطين.
إنها مقدمة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، ورميهم كمشكلات ناسفة للأوضاع القائمة في الأقطار المجاورة لفلسطين بدءاً بلبنان، والتي ستنعكس – ولا بد – على الوضع العربي برمته.
إنها حرب إسرائيلية جديدة ضد العرب جميعاً بدءاً بالفلسطيني واللبناني واستطراداً السوري والأردني، وصولاً إلى أبعد نقطة في الأرض العربية، ولاسيما إلى حيث الكنز النفطي المرصود.
وتحرك عربي رافض للأمر الواقع الإسرائيلي الجديد لن يستفز الأميركيين، بل لعلهم بحاجة إليه، خصوصاً وإن إسحق رابين قد لوى ذراع كلينتون وأحرج الغرب عموماً، ولا يجوز أن يكون الموقف الغربي أقوى من الموقف العربي (الخليجي) خصوصاً وإن قرار مجلس الأمن – على هشاشته – يحدد الضحية والجانب ويوصف الجريمة وإن لم يحدد العقوبة.
إن الصحف الغربية كانت أعنف من العربية، والمسؤولين الغربيين كانوا أكثر إنصافاً للفلسطينيين من العديد من المسؤولين العرب… وهذه عينات أولية مما قاله الآخرون، أصدقاء رابين وإسرائيل:
*”ستدفع الحكومة الإسرائيلية ثمناً باهظاً لهذا الإجراء البدائي الهمجي” – جريدة “الغارديان” البريطانية.
*”عملية الطرد الجماعي وضعت رابين في متاهة القانون الدولي” – “التايمز” البريطانية.
*”الطرد الوحشي دفع بمحادثات السلام نحو شفا الانهيار” – “الفايننشال تايمز”.
أما الصحف الإسرائيلية فقد ذهبت، بلسان بعضها، ابعد من ذلك:
*”كيف يمكن أن ترتكب حكومة محبة للسلام إلى هذا الحد (؟!) هذا الكم من الأخطاء في مثل هذه الفترة القصيرة ؟!” – “هآرتس”.
*”شيء ما فقد في حكومة رابين. وما حدث تشويه خطير لصورة إسرائيل” – “يديعوت أحرونوت”.
أما المواضيع “الثانوية” كإعادة إعمار لبنان، أو مساعدة مصر لضرب مشروع الحرب الأهلية فيها، أو تعزيز قدرات الانتفاضة داخل فلسطين، وما شابه، فيمكنها أن تنتظر خصوصاً وإن قيادة “الشقيقة الكبرى” على وشك الدخول في حرب مع ذلك النمط من “الأصوليين” الذي صدّرَته إلى الآخرين فارتد عليها.
ولنأمل أن تكون “قمة زايد” الخليجية خطوة في طريق العودة إلى “العرب” الذين لا يمكن لهؤلاء المجتمعين في أبو ظبي، تحديداً، أن يتخذوا لأنفسهم انتماء أو دوراً خارجهم.
… وأن تعود متأخراً خير من ألا تجيء أبداً. وباب الهداية مفتوح دائماً لمن أراد.

Exit mobile version