طلال سلمان

على الطريق قمة دمشق و”حرب الهدنة”!

هل قاربت “حرب الهدنة” على نهايتها المطلوبة والمرجوة والمشتهاة؟
وهل اقتربنا فعلاً من لحظة إسكات المدافع وإيقاف مجزرة القصف العشوائي التي تلتهم كل يوم المزيد من أبنائنا والمزيد من أعصابنا ومن قدرتنا على التفكير والتدبير وإيلاء المستقبل ما يستحقه من الاهتمام؟!
هل ستكون قمة دمشق بداية النهاية، حقاً، لما نحن فيه، وبداية البداية لما ننشده ونتمناه، كبديل عن الاقتتال، أي للحوار السياسي كأسلوب حضاري وكأداة تواصل وتفاعل وتكامل بين مواطنين في وطن واحد من حقهم، بل ومن واجبهم، أن يعطوا أفضل ما عندهم، عقلاً وخبرة وتجربة ومعرفة بالدنيا وبأحوالها وبالسياسات وتقلباتها، من أجل الوصول معاً إلى الغد الأفضل لهم جميعاً كما لوطنهم ولأمتهم المجيدة؟!
هل جاء أوان الحل السحري وباتت معضلتنا المزمنة قابلة للعلاج وبالتالي للحسم، أو حتى للتجميد والحفاظ على “الستاتيكو” الراهن ولو على شفا الجرف؟!
كل هذه ومثلها كثير ، تساؤلات مشروعة تبررها وتفرضها الآمال العراض المعقودة، أو التي يراد لها أن تعقدن أو التي يرغب الناس في عقدها على لقاء الرئيس أمين الجميل والرئيس حافظ الأسد في العاصمة السورية غداً.
وبين المبررات، أيضاًن إن هذا اللقاء قد تاه موعده وتذبذب مصيره، بين عرض ورد وعرض مضاد وحل وسط حتى كاد يصبح غاية في ذاته، لارتباطه في أذهان الناس عامة بالهدنة التي طال شوقهم إليها،
فبين يوم الثلاثاء ، 21 آذار الماضي، أي ختام مؤتمر لوزان، ويوم غد الخميس في 19 نيسان 1984 موعد القمة (ما لم يطرأ عليه تعديل جديد)، دفع اللبنانيون من أرواحهم ودمائهم وممتلكاتهم ثمناً للابتزاز السياسي المدوية قذائف مدافعه حتى هذه اللحظة في معركة تحسين المواقع أو “حرب الهدنة” التي بدأت عملياً مع بداية أعمال دور الانعقاد الثاني لمؤتمر الحوار الوطني في تلك المدينة السويسرية الهادئة على ضفة بحيرة ليمان.
وبمعنى ما فإن قمة الغد تبدو عبر أجهزة الأعلام الكتائبية وعبر تصريحات قياديي “الجبهة اللبنانية” و”القوات” وكأنها نتيجة لفشل مؤتمر لوزان، ونجاح لسياسة الابتزاز في تحسين المواقع بحيث يمكن بالتالي بدء الحديث عن إيقاف “حرب الهدنة” وقد توفر الاطمئنان إلى سلامة الامتيازات والنظام الطائفي بكل رموزه.
فمنذ الاجتياح الإسرائيلي وحتى اليوم، لم تتوقف مدافع “القوات” و”الجبهة” ومن ثم الحكم عن قصف إرادة التغيير، ولو بحدها الأدنى وكأنما كان الاحتلال، بالنسبة إليهم، فرصة تاريخية من أجل تكريس النظام الطائفي وتثبيته بالهيمنة المطلقة على البلاد وأهلها، وهكذا سارعوا إلى سد كل المنافذ التي تتسرب منها نسمات الهواء وأشعة الشمس وعطر الورود المنتعشة بعبق الربيع، وأعلنوها مرة أخرى بأعلى صوت: النظام أهم من الوطن. الطائفة أهم من الحرية والتحرر والسيادة والاستقلال، الدستور أهم من الإنسان. ولون السلطة أهم من حق الحياة، أهم من الشوق، من الرغبة، من الحب، من تفتح كم، من سريان النسغ، في ساق الزهرة وأهم من حق الطفل بحلم سني… فالورقة أهم من الغصن، والغصن أهم من الشجرة، والشجرة أهم من الأرض، ولا يهم من يأخذ الأرض المهم أن تبقى لهم بعض ثمار الشجرة الصائرة إلى يباس!
إن الأعلام الكتائبي وتصريحات وتصرفات قياديي “الجبهة اللبنانية” و”القوات” توحي مجتمعة وكان قمة دمشق إنما تتم بشروطهم هم ، ولتلبية ما تعذر في السابق تلبيته من مطالبهم.
فالقمة تتم والحكم مبرأ وليست إدانته أو محاسبته موضع نقاشن برغم إن مدفعيته ما تزال تواصل دكها للضاحية ولمنطقة رأس النبع التي صارت بدورها ضاحية – ضحية، إضافة إلى ما تلحقه من خسائر ببقية أنحاء بيروت وبعض مناطق الجبل،
والقمة تتم و”حلفاء دمشق” هم المحرجون، لأنهم يدركون إن طريق أمين الجميل إليها ستكون معبدة بتلك المطالب التغييرية التي رفعوا رايتها في مؤتمر لوزان، دون أن يتمكنوا من انتزاع إقرار المؤتمرين بمشروعيتها ومن ثم بدفعها إلى حيز التنفيذ،
فوفقاً للمنطق الكتائبي فإن دمشق هي المسؤولة عن الحرب تجاه “الشرقية” وعليها أن تكون المسؤولة عن السلم الناقص، أو عن التسليم بقبول “الأمن” بديلاً عن الطموح وروح التغيير في “الغربية”
أما السلطة فليست، بهذا المنطق مسؤولة لا عن الحرب ولا عن السلم، مرة تقرر لها إسرائيل فتخضع ومرة تقرر لها دمشق فتصدعن وهي براء من دم هذا الصديق الذي اسمه شعب لبنان (حتى وهي تحمله ثمن القذائف التي تقتل أبناءه، وهو ثمن يدفع نقداً وبالعملة الصعبة)
وطالما إن دمشق تريد السلم وإقفال الملف اللبناني فلتدفع هي ومن معها الثمن: ليقروا أولاً، مرة وإلى الأبد، بشرعية أمين الجميل رئيساً للجمهورية، وبحقه في ممارسة صلاحياته المنصوص عليها في الدستور كاملة، وليدعموا لذلك وليؤكدوه بدخولهم في حكومته، وليتجهوا من ثم إلى هذه الحكومة العتيدة بالمحاسبة والمساءلة فالرئيس غير مسؤول وهو في عين نفسه في منزلة المعصومين!
وطالما إن دمشق تريد السلم، فلتوقف “حرب التغيير” ولتقنع حلفاءها بأن يمتنعوا عن تحميلها عبء تغيير النظام في لبنان، وإلا فلسوف يكونون هم المسؤولين عن تخريب دورها وإفشال “الخيار السوري” وبالتالي “الخيار العربي” باعتبار إن سوريا اليوم هي العرب جميعاً بالنسبة إلى لبنان والحكم فيه تحديداً.
لتقل دمشق لحلفائها إن النظام الطائفي هو الخير والبركة، وإن سياسة الهيمنة واحتكار السلطة تنفع البلاد ولا تضرها، وإن نحر الدولة إنما تم من أجل تحقيق الخير للشعب، وإن تدمير الضاحية كان عملاً جمالياً اقتضته ضرورة إنقاذ بيروت وتحريرها من حزام البؤس ومخالفات البناء وأكواخ مخالفي القانون والذوق وشروط حماية البيئة.
برغم ذلك كله فإن اللبنانيين جميعاً يتمنون لقمة دمشق أن تنجح، ولذلك أسباب موضوعية تتعدى رأيهم في شخص رئيس الجمهورية وسياسته أو في ما يصدر عن “الجبهة” و”القوات” وصولاً إلى الكتائب وتوجيهات الشيخ بيار الجميل.
بين هذه الأسباب إن ليس أمام اللبنانيين خيارات كثيرة بل ليس لديهم إلا الخيار العربي، وعبر الدور السوري وأي انتكاس لهذا الدور، وبالتالي لهذا الخيار كارثة جديدة.
وبينها إن الخيار الإسرائيلي (وهو أبرز الأسلحة في يد ممارسي سياسة الابتزاز السياسي) تحول ويتحول تدريجياً إلى أمر واقع يثقل بوطأته على لبنان وقراره السياسي، عبر ما تم ويتم في الجنوب، بمشاركة “الجبهة” و”القوات” وبعلم الحكم وصمته وامتناعه عن أي تحرك لوقف “لحد” ناهيك بإدانته وإعلان النية مجرد النية، لمحاسبته وفقاً للقوانين المرعية الاجراء بعد.
وبينها إن الهدنة، مجرد الهدنة، صارت في مستوى الحلم والأمنية، فالقائلون بالتغيير لا يريدون الحرب ولا يعتمدونها أسلوباً لهم، بل يتمنون لو أتيحت لهم فرصة ممارسة الصراع السياسي المشروع والمحكوم بأصول اللعبة الديمقراطية، أما حلفاء الأمس (وإسرائيل) فهم المحاربون والقاصفون عشوائياً ومدمرو المدن والقرى والضواحي لعلهم يصيبون روح التغيير فيقتلونها ويتنفسون بعد ذلك الصعداء ويحكمون سعيدا.
ومن هنا فإن الهدنة مطلب للقائلين بالتغيير، وللمؤمنين بقدرة الشعب وسلامة توجهاته ديمقراطياً ووطنياً وقومياً.
أما الذين شنوا “حرب الهدنة” لاستحضار إسرائيل وإشراكها في أي حل وفرضها طرفاً رئيسياً في أية تسوية حول مستقبل لبنان، فلا أحد يدري ما إذا كانوا قد اكتفوا بما لحق مواقعهم من تحسين، أم إنهم ما زالوا يطمعون في أن يحكموا لبنان من موقع متميز يستقر على نقطة توازن وهمية بين علاقتهم المستجدة بسوريا وبين علاقتهم القديمة والمستمرة بالعدو الإسرائيلي.
والمهم أن تعلن الهدنة، وأن تتوفر لها ضمانات الامتداد لفترة كافية لعودة الصراع السياسي إلى سياقه الديمقراطي،
وهذا أبرز وأهم ما يمكن أن تعطيه القمة،
أما الحكومة العتيدة فمجرد تفصيل يأخذ أهميته من توفيره للاطمئنان إلى قيام الهدنة وثباتها ولو إلى حين

Exit mobile version