طلال سلمان

على الطريق قمة تعريب الضربة؟

لولا حرص اليائس والمفلس والعاجز على البقية الباقية من شكليات “التضامن” العربي لجاز لواحدنا أن يتساءل عن الفائدة المرجوة من مثل القمة “العربية” التي يفترض أن تنعقد في القاهرة اليوم.
*فالحاكم العراقي الذي قرر، لوحده وفي لحظة غضب لكبرياء عظمته الشخصية، اجتياح “قطر” مجاور، وبغض النظر عن مبرراته، قد اجتاح الكويت فعلاً بعسكره وشطب أسرتها الحاكمة ببعض عسكرها المستمال بوسيلة أو بأخرى، وحوّلها إلى “جمهورية” بقرار ثان منه وحده، وبواسطة “محلل” مؤتمن منها، ثم ألغى “الجمهورية” و”الثورة” و”الحكومة الحرة المؤقتة” و”المحلل” المؤتمن، بقرار ثالث منه وحده أعلن فيه الوحدة الاندماجية وعودة الفرع إلى الأصل والابن الضال إلى أهله النشامى!
* والحاكم السعودي “الجبار” قرر، وقد أخذ منه الرعب كل مأخذ، أن يستدعي العسكر الأميركي “الطاهر” لحماية الأرض الذهبية المقدسة والحرمين الشريفين فيها ومعهما بعض آبار النفط والأنابيب والأمراء والقصور والعلم الأخضر بالسيف المشرع فيه وشهادة إن “لا إله إلا الله، محمد رسول الله”…
ولقد لبى الرئيس الأميركي جورج بوش النداء وأغاث الملك الملهوف حتى من قبل أن يطلب، ودعا الشعب الأميركي إلى أن يصلي في الكنائس جميعاً من أجل انتصار جنده ونجاحه في حماية الدين الحنيف وخادمه المطيع!
*والحاكم في مصر قد خاف فأخاف، وخرج على الناس، يبشرهم بعذاب أليم وبدمار لم يشهدوا له مثيلاً، لأنهم أغضبوا “الرب” الأميركي الذي لا يغفر الشرك به أو التمرد عليه أو مخالفة أوامره بمنع الاقتراب من شجرة النفط المحرمة!.. ثم بعد ذلك وعبر العويل واللطم وارتعاد الفرائص دعا الرئيس مبارك إلى قمة فورية للخائفين لعلهم ينجحون في تهدئة غضب صاحب العزة الأميركية مالك الأرض والسماء وما بينهما وتحتهما وفوقهما إلى يوم الدين!!
لماذا القمة، إذن، بعدما قرر كل لوحده ما يناسبه، تاركاً الأمة جميعاً تتخبط في دياجير الخوف على المصير، في ظل العجز عن المواجهة واختلاف حكامها على السبل الفضلى لحماية المصالح الأميركية في الأرض العربية؟!
وطالما إنها لم تنعقد لمنع الخطأ أو للحد من الضرر، يوم كان ذلك مطلوباً وممكناً، فهل تنعقد اليوم لتبرير “الضربة الأميركية” أو “لتعريبها”، بحيث تظل اليد الأميركية نظيفة وينثر دم الضحايا من العرب على العرب فلا يتحمل الوزر غيرهم ويكون الغنم كله لغيرهم والغرم كله عليهم؟!
في أي حال فلسوف تكون هذه القمة، إذا ما انعقدت بكامل هيئتها وهذا صعب إلى حد الاستحالة، مناسبة جديدة لإظهار كرتونية الكيانات العربية وتهالكها في ظل أنظمتها “الحديدية” التي تتبارى في إثبات الولاء المطلق للسيد الأميركي.
لقد تعلم الجميع من درس الكويت أمثولة معكوسة : ليس الخطأ في وجود كيانات صناعية فبركت على عجل وفي غفلة من التاريخ، وإنما الخطأ في نقص أسباب الحماية الأميركية التي لا يمكن استكمالها إلا بطلب الاستعمار المباشر!
وهكذا تكون قد اكتملت دورة التاريخ، كرة أخرى، وها هي البوارج والمدمرات وحاملات الطائرات الأجنبية تشق قلب المياه العربية، مفضوضة البكارة، وتقترب من الشواطئ التي يرجها الذاعر، لتلقي عليها جند الأمان ورسل الحنان ومن يحصنها في وجه أطماع الأخوان ويحميها من عاديات الزمن الخوّان!
ها هو “الاستعمار” يعود بالطلب الملكي، بل بالرجاء الذي بلغ حد الاستعطاف والتوسل (الذي لا يليق بالملوك)، مع التعهد بدفع كامل التكاليف والمصاريف والنفقات النثرية!
ها هي “الامبريالية” ذات النخوة والشهادة تهب لاغاثة الملهوف العربي وحمايته من “وحشية” أخيه العربي الذي يحاول بلا نجاح تقليد دور المستعمر القديم وإن بشعارات قومية!
أما الصهيونية ودولتها القوية إسرائيل فتنتظر استدعاءها عما قريب لتؤدب العاصي وتقتص من المعتدي وتعيد رسم الخريطة بما يعيد الحق الغربي إلى نصابه!
كل هذا والمواطن العربي مجرد شاهد زور، وثقيل الدم أيضاً.
لا في الحرب له دور، متى وقعت، ولا له رأي في شروط “السلام”، إذا ما حان القطاف!
لا موافقته مطلوبة على أي قرار، ولا معارضته الممنوعة بذات أثر إلا على حاضره الشخصي، ومستقبل أولاده وأهله الأقربين!َ
كل حاكم يقرر منفرداً كيف يحمي نظامه وكيف يقويه، لا يردعه رادع ولا يتردد لحظة ليتساءل عن موقف الشعب ورأيه… ولو كضحية!
النظام أهم من الدولة، الحاكم أهم من الحكم، الكيان أهم من الأمة، والنفط أهم من الجميع!
لكم هو أغلى منك، برميل النفط، ومن أحلامك ومشاعرك وتاريخك كله!
برميل واحد يكاد يفضل شعباً بكامله!
لقد توهمت ذات لحظة، ومن خلال شعار هدار مثل “نفط العرب للعرب”، إنه لك وفي خدمتك وأداتك للحاق بالعصر واصطناع غدك الأفضل، فإذا أنت مجرد خادم… بل أحقر، فحتى هذه الوظيفة عزت عليك، وخلعك منها السيد الأميركي بغير أن يعوضك عنها!
وبسبب البراميل الأغلى منك ها هي الحرب الأهلية تنفجر بين عرب الأميركان مدمرة لا تبقي ولا تذر، فيولول “الرؤساء” ويشق الملوك ثيابهم، ويهيل الشيوخ التراب على رؤوسهم مستغفرين عما تقدم من ذنوبهم وما تأخر!
تكاد تطحنك البراميل، وأنت الذريعة والمتراس والقتيل وإن صورت بصورة المقاتل والقاتل، لكي تموت كمجرم بعد أن عشت كنكرة وكشيء زائد عن اللزوم…
عرب الأنابيب يقتتلون، وأنت الضحية على الجبهتين، وأنت هدف الرصاصين معاً، يقتلك عدوك مرة ويقتلك حاكمك ألف مرة.
… مع هذا فلا يمكنك أن تبقى في موقف شاهد الزور وأنت ترى الاستعمار يجتاح أرضك وتاريخك ومستقبلك مرة أخرى،
ستضطر أن تستقيل من موقع الضحية، وأن تخرج من العدم، وأنت تثبت إنك موجود… ولو على طريقة أهل الانتفاضة: تموت لتثبت إنك حي أو إنك كنت حياً، في أقل تعديل.
كيف تنجح قمة تنعقد في ظل مدفع الأجنبي في حماية كرامة الأمة وأرضها وثرواتها؟!
كيف تنجح قمة بين خائفين من شعوبهم مطمئنين إلى الأجنبي يستدعونه فيسلمونه ما تبقى من أختامهم الملكية ومن كنوزهم لكي يلغي الأمة حماية لمصالحه الاستراتيجية وضمان استمرار تدفق النفط إليه؟!
وأية قمة هذه التي يحتشد فيها الملوك والرؤساء ليعلنوا إنهم أعجز من أن يحموا عروشهم، فكيف بالأوطان والمصائر؟!
في أي حال، لعلها تكون فرصة لمزيد من الوضوح وانكشاف المستور.
لعل شاهد الزور يتحرك بعد أن يرى بأم عينه القرار بإعدامه، من أجل حفنة من البراميل… السوداء!

Exit mobile version