طلال سلمان

على الطريق قمة الوجع!

ستخرّب قمة عمان ما تبقى من بيوتنا، في حين إنها تعقد تحت شعار إنها ستبني للعرب جميعاً قصوراً أجمل من أحلامهم!
فثمة في البلد “حروب” استولدت على عجل من أجل قمة عمان، بحيث لا يغيب “أبطالها” عن أذهان أصحاب الجلالة والسيادة والعزة والسمو المتوافدين غداً إلى عاصمة الحسين للبحث في شؤون المصير وشجونه!
كلهم يضربون، الآن، فينا!! وهم يضربون فوق الحزام، وعلى الحزام، وتحت الحزام، وحيث تطال أيدي المكلفين بالضرب!
يضربوننا بالرغيف، ويضربوننا باقساط المدارس وبأبواب المدارس المقفلة في وجوه أبنائنا المضروبين، مثلنا،
يضربوننا برصاص البنادق والمسدسات المزودة بكوتم صوت أو المشرعة للقتل البارد، قتلنا وقتل المتواجدين على أرضنا بمن فيهم رعايا “الأم الحنون” فرنسا!
يضربوننا بصفيحة المازوت أو صفيحة البنزين، فإذا تلطفوا فبصفيحة زيت الزيتون أو زيت الذرة، أو حتى مياه الشرب والغسيل.
يضربوننا بالمراسيم الجوالة، وبرئيس الجمهورية الجوال، وبالصرافين الجوالين، وبالمصارف الجولة بين “المجاهر” الأوروبية.
المهم إنهم يضربون، وإننا نتلقى الضرب، وقد فقدنا القدرة على الإحساس بالألمن وقبله القدرة على الإحساس بالغضب، وقبلهما القدرة على الإحساس بالحب، فصرنا مثل “الكاوتشوك” نتلقى الضربة فنمتص تأثيرها وصداها، ثم نتجمع على أنفسنا في انتظار الضربة الأخيرة ولا حزن، ولا إعلان عن وجع ولا إظهار لدهشة أو استغراب أو مساءلة عن الأسباب!
إنه خريف الوجع،
ولكننا لشدة فزعنا لا نجرؤ على إطلاق صرخة ولو مكتومة ولا على إرسال أنين يشي بانسحاقنا تحت الوجع!
إننا “نتسلى” بمنظر الصرافين الجوالين في “وول ستريت” بيروت المستحدث، فنضحك من أشكالهم ومن حركاتهم ومن نداءاتهم أو “تدليلهم” على الليرة، وكذلك من “صناديقهم” و”سوق القطع” التي تطالعنا من خلال فتحات قمصانهم “الدولارية”.
و”نتسلى” بحكايات المراسيم الجوالة التي تلتهم ما تبقى من فتات المال العام في الخزينة الفارغة، ونتهامس بأسماء الذين قبضوا وكم قبضوا وكيف توزعت النسب بين المنتفعين وبين “وسطاء الخير” هنا وهناك.
و”نتسلى” بروايات عن جولات رئيسنا المفرد، كيف خدع حاكم الإمارات، وكيف باغت حاكم مصر بإعلان خبر الزيارة “السرية”، ولماذا عاد بهذه السرعة بينما كان في برنامجه أن يزور دولاً أخرى في ا لخليج ومن حوله.
ثم “نتسلى” بأخبار الإضراب العام العتيد وتظاهرات التظلم والتشكي البائسة التي كان أبرز شعار لها “لك يوم يا ظالم”!! والظالم شبح مستتر في ضمير كل من شارك في التظاهرة، ولكنه يتخذ اسماً آخر في ضمير من أعدوا لها، ويستحيل شخصاً آخر في ضمير من تفرج على التظاهرة التي “شارك” فيها بعض المتهمين وسيشارك البعض الآخر في التظاهرات المقبلة.
أما الأغزر علماً منا فيتسلون بحكايات بيع الرهائن وصفقات الإفراج عن المخطوفين، كيف دفعت الفدية عن الدبلوماسي الكوري الجنوبي بالفرنك السويسري، وتحديداً بأوراق من فئة الخمسمئة فرنك، وكيف احتفظ “الوسطاء” من “فاعلي الخير” بمبلغ مئة وخمسين ألف دولار لا أكثر مقابل مليون للجهة التي كانت تحتجز ممثل “سيول” الغنية!!
لا يهم أحد أن يعرف من ولماذا وكيف وأين، ومن عرف بالمصادفة أنكر، أو أكره نفسه على النسيان الفوري، فما علاقته هو بالكوري أو بسيمون البوري، أو ببدر الفاهوم، أو بالأرمنيين المخطوفين أو بالمخطوف الخامس “الجنوبي” الذي يقال إنه احتجز نكاية بأخيه أو بزوجة أبيه أو بزياد بن أبيه والله أعلم!!
حتى الحادث الخطير الذي أودى بحياة عسكريين فرنسيين، بل ثلاثة (باعتبار إن جراح الثالث خطيرة جداً، لأن مطلقي الرصاص وهم محترفون قطعاً قد هدفوا فأصابوا الرؤوس) مر مثله مثل أي “خناقة” أو “خلاف فردي”، بينما هو يعكس تطوراً نوعياً في مسار “الحروب” والاعتداءات وجرائم الاغتيال وتصيد الأجانب،
لا مجال للحزن، لا مجال للغضب، لا مجال للدهشة، لا مجال لاستغراب أن يقتل الفرنسي في الدورة، في حمى “الحكيم” الذي استقبل موفده إلى باريس بحفاوة قل نظيرها، أو في حمى “الرئيس” الذي ما زال طعم الأصناف التي تخصص بها مطعم “مكسيم” تحت أضراسه.
ولا مجال للأسئلة عن السر في اختيار نقطة “الحدود” بين منطقتي نفوذ “القوتين العظميين” في “الشرقية” مسرحاً للجريمة البشعة،
نحن نتبلغ فقط بما حدث،
التحقيق مثل الحقائق من حق غيرنا،
والعقاب مثل الجريمة في يد غيرنا.
والمحكمة، بالقاضي والنائب العام ومحامي الدفاع والشهود، مثلها مثل الشبكة القاتلة، لا تعترف بوجودنا ولا تعنى برأينا في أحكامها.
في المجهول نعيش،
بالمجهول، وللمجهول نموت،
أعداؤنا مجهولون، أو مجهلون، وكذلك الأصدقاء،
وحكامنا الفعليون مجهولون أو مجهلون، أما في مواجهتنا فلا أحد إلا الأقدار والقادرون وإلا الراغبون في أن يصلوا إلى قمة عمان ولا شك لدى أحد في اقتدارهم وقدرتهم القدرية!
نحن، مثل الليرة، تحت، والأحداث، جليلها وخطيرها أو البسيط منها، رسائل أو برقيات مشفرة تمرق من فوق رؤوسنا في اتجاه من “تعنيهم” فتصلهم ويردون عليها برسائل “ودية” مشابهة،
… ولا يبقى لنا سلاح غير الإضراب،
والأسئلة متعبة، لأن الأجوبة قد تكون قاتلة، وهكذا نندفع إليه والفزع يخرسنا،
إلى أين يمكن أن يوصلنا الإضراب الذي يبدأ، مصادفة، غداة قمة عمان؟!
لا أحد يملك جواباً، أو يطلب جواباً، أو يريد جواباً،
-سنعلنه ثم نرى؟!…
-ضد من؟!
-ضد الحكم، لا، ضد الحكومة، بل ضد الحكم، والحكومة، بل ضد الكل.
-ولكن الكل مشارك في الدعوة إليه، وسيشارك غداً في إعلانه أو في تبني المطالب غير المحددة، لأن تحديدها بدقة يتطلب تحديد الجهة المطالبة، وبين المطالبين من هم في موقع المطالبين، فما العمل؟!
-نحتل وزارة التربية مثلاً!!
-ثم بعد؟!
-نترك لكرة الثلج أن “تكرج” فتكبر حتى مداها الأقصى…
-ومن يمسك الكرة، في خاتمة المطاف؟!
-لنترك الأمر إلى ما بعد قمة عمان!! المهم القمة، المهم القمة وكل ما عداها، قبلها أو بعدها، تظاهرات جوالة ومظاهر جوالة ورئاسات جوالة في انتظار.. الجولة الفاصلة!
.. ويا قمة عمان، أعطينا الأمان!! فقد صار الأمان أقصى طموحات هذا الشعب الممزق، البائس، الذي كان “يعجق الكون” بطموحاته العظام!!

Exit mobile version