طلال سلمان

على الطريق قمة الأخوة الخائفين فرادى…

برغم التحفظات الجدية والشكوك العميقة ومرارة الاحساس بأن ثمة فرصة طيبة لحد أدنى من التضامن العربي قد أجهضت، فإن المواطن العربي ما يزال يأمل بأن تستطيع قمة بغداد إنجاز شيء ما ينفعه في حاضره وفي غده، ولو اتخذ شكل تحديد الخسارة… وهي في تقديره مؤكدة.
وبرغم النقص الفادح، في الثقة بالحكام العرب، إجمالاً، فإن المواطن العربي ما يزال يأمل أن يفعل هؤلاء شيئاً لإنقاذ أنظمتهم هم، طالما هم عاجزون عن استعادة المحتل من الأرض وتحرير المرتهن من إراداتهم.
ولقد حاول المواطن العربي، يوم أمس، أن يتخلص من عبء مواقفه المسبقة ومن أثقال خيبة أمله الدائمة، وأن يصدق ما يسمع من خطب الملوك والرؤساء المتداعين إلى التلاقي تحت ضغط الشعور بالخطر الداهم على… الأمن القومي.
استمع إلى الرئيس العراقي صدام حسين، وأنعشه أن يستذكر معه لغة قديمة لم تعد مألوفة ولم تعد مفهومة، وأكثر: صارت تعتبر من تراث الماضي المهزوم، ولا تأتلف مع روح العصر، وقد سحبت من الأسواق لأن “مدتها انتهت”…
ولقد ضاع صدى الكلمات القوية وأثرها حين دارت الكاميرا على وجوه المؤتمرين فإذا الغربة مطلقة بينها وبين ما يرمزون إليه وما ينوونه وما يفعلونه كل يوم، والأخطر: بينها وبين ما يريدونه من قمة بغداد ذاتها.
مع ذلك قال هذا المواطن: لعل وعسى… والتصق بالمذياع ليسمع الخطب الأخرى، فلما أعلن رفع الجلسة الأولى للراحة وسمع النقاش الملكي حول موعد استئناف العمل، ألحت عليه مجموعة من الملاحظات المحبطة للآمال، هذه أبرزها:
1 – الكل خائف، ولا أحد يملك ما يطمئن به الباقين.
نبرة الخوف هي السيدة. لككن هاجس كل منهم مختلف عن هواجس الآخرين.
الهاجس قطري تماماً، فردي تماماً، وهو نتيجة وليس سبباً… حتى ليكاد مصدر خوف كل منهم ما سبق له أن أتاه أو ارتكبه في ماضيه الطويل.
2 – ومع التسليم بمشروعية الخوف وخطورة التهديد الموجه للأمن القومي، فقد افتقد هذا المواطن “القومية” في القمة التي يحتشد فيها الخائفون العرب.
إنهم مجموعة من العرب. ليسوا “العرب”… والرابطة القومية ضعيفة، والبعض يضعفها أكثر خوفاً من محاسبته على انتمائه القومي.
وهم مجموعة من العرب الخائفين، لكن كلا منهم خائف لوحده، ولقد جاء إلى الجماعة لعلها تكون مصدر اطمئنان. لكن الجماعة، وحتى إشعار آخر، مجموعة أحاد خائفين، لم توحدهم الأماني والطموحات ولا وحدتهم المخاوف، برغم إن مصادرها واحدة.
ولأن خوفهم طاغ إلى هذا الحد فهم لا يملكون ما يهددون به أو يمنعون به الأذى… ولعل هذا يفاقم شعورهم من الخوف،
فكيف تراهم سيخيفون بوش وغورباتشوف وهدف قمتهم أن يتوجهوا إليهما عبرها بأن يلبيا طلبهم، وإلا فالويل والثبور وعظائم الأمور؟!
وليس تفصيلاً إن الأخوة الخائفين لا يتفقون على توصيف موحد أو مشترك لحالتهم، وليس لعدوهم (المشترك!!) اسم واحد!
3 – بغير أن يقصد الملك حسين فهو قد طرح مسألة الكيانات المصطنعة والتي لا تملك من أسباب الحياة إلا الإرادة الأجنبية.
أتراها جاءت لحظة الحقيقة؟!
لكن الكيان المصطنع يطلب نجدة الكيانات المصطنعة الأخرى “الأقوى” منه – فقط – بسبب دخل النفط الذي يزيد، مبدئياً، من تأثير الإرادة الأجنبية.
… أو لعل هذا الكيان يمهد لخطوة خطيرة بذريعة إن أهله لم يغيثوه من ضيقه فله أن يفعل ما يشاء لضمان حياته، وليتحملوا هم المسؤولية عن تورطه في ما يؤذيهم… كجماعة!
4 – في ظل تضخم هواجس بعض الأقطار من ضربات إسرائيلية محتملة، فإن قادة إسرائيل باتوا يتصرفون برفع كلفة ووحدة حال مهينة.. وإذا كانوا قد طمأنوا النظام العراقي بواسطة النظام المصري، فإنهم توجهوا إلى النظام الأردني مباشرة ليطمئنوه وليؤكدوا له أنهم لا يريدون به – وبملكه تحديداً – أي شر!
5 – إن العرب الأغنياء هم أعظم العرب خوفاً،
إنهم خائفون من إسرائيل، وخائفون من “شعوبهم”، وخائفون من أخوانهم العرب الخائفين والمخيفين في آن!
وهؤلاء يتصرفون وكأنهم موضوع ابتزاز دائم، تارة باسم الأمن القومي وطوراً باسم الصمود القومي، يدفعون لأنهم لا يحاربون، ويدفعون للذين حاربوا، ويدفعون للذين لا يحاربون، وبحسبة بسيطة يجدون إنه من “الأوفر” أن يدفعوا للولايات المتحدة الأميركية فيشترون بذلك اطمئنانهم وقدرتهم على مواجهة الذين يأخذون فلوسهم جزية ولا يشبعون!
6 – عبر الخطب الافتتاحية تبدت مفارقة طريفة وموجعة في الوقت ذاته:
*فصدام حسين ذاهب إلى الحرب لتحرير فلسطين… عبر مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة والغرب كله، وإسرائيل بطبيعة الحال.
*وقائد ثورة فلسطين الذي صار رئيس دولة على الورق ذاهب إلى الصلح، لو إنه متاح، وبواسطة الولايات المتحدة والغرب والمعتدلين من قادة إسرائيل!
*وملك الأردن الذي أنشئت دولته، أصلاً، وطناً بديلاً عن فلسطين وعلى حسابها مباشرة، يطرح مسألة كيانه المهدد بالزوال (ولأسباب اقتصادية أولاً، ثم سياسية وعسكرية) كأمر له الأفضلية والأسبقية على فلسطين ذاتها، وسواء أكانوا سيحررونها بالقوة أم سيصالحون عدوها إذا ما وافق على منحهم بعض البعض من أرضها لبعض البعض من أهلها.
** كل ذلك يجري في غياب سوريا التي لا يمكن إنجاز أمر خطير كالحرب، وأمر أخطر كالسلح، من دونها،
**… وفي غياب لبنان كتخم عربي آخر يكاد ينهار نهائياً أمام التوسع الإسرائيلي.
مع هذا كله، وبرغم هذا كله، فإن المواطن العربي يتمنى أن تنجح قمة بغداد في إنجاز شيء، أي شيء، وعلى أي صعيد.
وإذا كان النظام العراقي يحس بالرضا عن النفس لأن مجرد انعقاد القمة في بغداد أعطاه الكثير مما يطلب، عبر تظاهرة التضامن العربية، فإن فلسطين مرشحة لأن تكون الخاسر الأكبر من قمة اختار لها “النظام الفلسطيني” زمانها ومكانها وموضوعها وفرضها على الآخرين واستدعى المعارضين إليها وكأنها “بيت الطاعة”.
… وسيكون هذا المواطن العربي أسعد الناس لو أظهرته قمة بغداد مخطئاً، وشكلت منعطفاً في اتجاه تضامن جدي، من أجل أمن قومي جدي يحمي حاضر العرب ومستقبلهم… لكي يبقى في الدنيا عرب!

Exit mobile version