طلال سلمان

على الطريق قضية طرابلس .. والعمل الوطني في لبنان

أخطر ما تطرحه الأحداث الجارية في طرابلس، قضية العمل الوطني في لبنان من زاوية بعده القومي، وبالتحديد من زاوية علاقاته مع الطرفين العربيين الأساسيين المتواجدين بين ظهرانينا: السوري والفلسطيني.
ونعترف بداية بأن هذه العلاقات هي بطبيعتها شديدة التعقيد كأي علاقة بين حلفاء وأشقاء غير متكافئين في ظروفهم، سواء منها السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية، نتيجة لاختلاف نوعي في الأوضاع التي فرض عليهم أن يعيشوا في ظلها، أو يناضلوا ضدها في الحقبة الأخيرة من تاريخهم الحديث.
ولكن التعقيد الطبيعي في هذه العلاقات يجب ألا يسقط أو يغيب جملة من الحقائق أبرزها واهمها إن الوطني في لبنان هو الأبأس بين سائر العرب، وهو المتفرد بأعلى نسبة من الظلم يمكن أن يلقاه إنسان،
ذلك إن الوطني في لبنان الذي كان على الدوام حامل راية القضية القومية والمبشر بها وداعيتها والمقاتل بالسلاح من أجلها، هو الوحيد بين أخوته العرب المنكورة عليه قضيته،
إنهم يعاملونه، في الغالب الأعم، وكأنه “رجل خدمات” ، أو “أداة” وفي النادر من الحالات يعطونه مهمة “الرديف” و”المضيف” و”حارس الطريق لأخوته الكبار”.
يناضل معهم من أجل الوحدة، فإذا جاء أوانها طلبت إليه قياداتهم أو أنظمتهم – باسم المصلحة القومية – أن يظل خارج دولة الوحدة، ثم بعد ذلك يصنفون أنفسهم وحدويين ويتباهون عليه بهذا التصنيف السصامي الذي لا يحق له حتى أن يحلم بنيله،
يقاتل معهم من أجل التحرير، فإذا تم لهم تحرير أقطارهم عابت عليه أنظمتهم وقياداتهم الشابة إنه ما زال يخضع للزعامات التقليدية وللمفاهيم التقليدية ولا يعتمد سياسة حرب التحرير الشعبية ضد خصومه من أهل اليمين أو أهل اليسار أو أهل الوسط.
وهذا بعد بسيط ومحتمل إذا ما قيس بدور بعض هؤلاء العرب في معركة لبنان الوطنية الداخلية،
هو يفترض إنهم معه، بطبيعة الحال، فهو القائل قولهم، المعلي شعاراتهم المتمثل بهم، وهكذا يندفع معتمداً على صحة قضيته أولاً وعلى تأييدهم الحتمي – بافتراضه – ثانياً، وعلى منطق ميزان القوى بينه وبين خصومه المحليين ثالثاً وأخيراً.
ومع الأسف فإن النتائج كانت على الدوام هي هي: في اللحظة الأخيرة يفاجأ بأخوانه وقد تخلوا عنه، بل وبدأوا يمارسون الضغوط من أجل مصالحة الخصوم والتسليم بشروطهم، هذا إذا لم يعقدوا صفقة مباشرة مع أولئك الخصوم،
والحجة دائماً هي ذاتها: أنتم الوطنيون في لبنان أصحاب القضية والحلفاء الاستراتيجيون ولا خوف منكم، فلن تنحرفوا ولن تفرطوا بالقضية أو بعروبتكم، أما هم “فمرتبطون بالغرب ولا بد من استمالتهم ورشوتهم إذا لزم الأمر حتى يتركوا الغرب ملتحقين بأمتهم، فدعونا نعمل بهدوء إلا إذا كنتم – لا قدر الله – لا تثقون بنا”.
وإذا كان هذا هو الدرس المتكرر بحرفيته في تاريخ العمل الوطني في لبنان، فإن أحداث طرابلس تدفع به إلى ذروة المأساة.
ذلك إن المسلك الخاطئ في طرابلس لا يسقط أعلام العمل الوطني في لبنان فحسب، بل هو يؤدي في ختام المطاف إلى ارتفاع علم الصلح مع العدو الإسرائيلي في لبنان والمنطقه كلها.
فهزيمة العمل الوطني في لبنان، لا يمكن أن تكون لخير سوريا، ولا يمكن أن تخدم نضال الشعب الفلسطيني، ولا يمكن أن تحمل الخير لأي عربي.
ومثل هذه الهزيمة أخطر بكثير من أن يستطيع شخص كبشير الجميل أن يحلم بتحقيقها، وإن كان سيستفيد بالقطع من نتائجها باعتباره صديق العدو الواحد لنا جميعاً،
لهذا فمن واجب الوطنيين في لبنان أن يناضلوا بكل ما ملكت إيمانهم لمنع وقوع هذه الهزيمة الكارثة،
ويجب أن يناضلوا حتى ضد المسلك الخاطئ لبعض قياداتهم وبعض أشقائهم وحلفائهم الاستراتيجيين.
يجب أن ينصروا أخاهم الظالم وذلك برده عن ظلمه كما يقول الحديث الشريف، وبذلك يكمل الوطنيون في لبنان أداء دورهم القومي المجيد ويوفرون المناخ المطلوب لعلاقة صحية بينهم وبين أشقائهم العرب، بل بين الأشقاء ذاتهم،
ولعل الوطنيين اللبنانيين مطالبون الآن وأكثر من أي يوم مضى بالإصرار على تولي قضيتهم بأيديهم، لأن ذلك شرط انتصارهم على بشير الجميل ومشروعه وعلى المؤامرة الهادفة إلى تمرير الصلح مع إسرائيل،
ولا بأس أن يعتب علينا بعض الأشقاء لبعض الوقت، وذلك خير من أن نتحمل – بسبب التهاون، والمجاملة، وتحاشي الاغضاب – مسؤولية الجريمة التاريخية التي سندفع ثمنها مجتمعين لبنانيين وسوريين وفلسطينيين،
مع التنبيثه إلى أن الضحية الأولى المرشحة للسقوط في طرابلس، وبعدها هي القضية ذاتها، ولا يزال أمام الذين يتصدرون الصفوف لقيادة النضال من أجل القضية فرصة للإنقاذ، قد تكون الأخيرة ولكنها ما تزال قائمة.
فلنبادر إذا قصروا،
ولنتول عنهم ولو مرة ، شرف القيادة باسمهم ومن أجلهم وإلى حين، ثمخ نعود راضين إلى موقع الرديف، والمؤيد والنصير، والمبشر بالأبطال الآتين باسم الوحدة والتحرير والتقدم من أربع رياح الأرض العربية،
ذلك أشرف لنا ولهم من أن نصير كتائب أو إسرائيليين.
ولن نصير كتائب ولا إسرائيليين.
أما خلافنا مع أخوتنا فمسيره إلى انتهاء…

Exit mobile version