طلال سلمان

على الطريق قروش للعرب والصندق لإسرائيل!

هل كانت مجزرة يوم “الجمعة الأسود” في غزة ضرورية لفتح البازار الدولي حول ثمن الولاء الفلسطيني لاتفاق أوسلو “الأبيض”؟!
في أي حال، فقد افتتح الرئيس الأميركي بيل كلينتون هذا البازار، أمس، بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين وبموافقته، وبناء على طلبه قطعاً، بتقديم مساعدة طارئة لياسر عرفات وسلطته قيمتها مائة وخمسة وعشرون مليون دولار.
وفي الحيثيات المبررة لهذه النخوة، كان كلينتون صريحاً ومحدداً تماماً، قال: “إن فقراء غزة هم هدف لأعداء السلام… وعلينا إيصال فوائد السلام لأولئك الذين يؤيدون السلام”.
في الوقت ذاته، كان عرفات يستنفر جماهير الرصيد التاريخي لحركة فتح في غزة، ويدفعها إلى الشارع ليحدد من هم مؤيدو السلام الذين يستحقون أن ينالوا فوائد السلام، وسط بحر المعادين لهذا السلام…
لكأنما جماهير “حماس” و”الجهاد الإسلامي” من الموسرين المنعمين، أو لكأنما هؤلاء يعارضون سلام عرفات لأنهم ضد الفقراء ليس إلا!
سياسة العصا والجزرة دائماً: فمع الإعلان عن الصدقة التي سيقدمها كلينتون لشرطة ياسر عرفات، باعتبار أنها تكاد تختزل مقوّمات سلطته، فهو قد وجه إنذاراً (جديداً) إلى “المتطرفين الإسلاميين” لأنهم يشكلون “خطراً على السلام”، مؤكداً “إننا سنفعل ما يجب للتصدي لهم”.
حفنة من الدولارات للسلطة – الشرطة وتجديد للحرب على الجمهور المحبط والمخذول والمتروك للريح والبؤس واليأس و”الاحتواء المزدوج”!
“اشتروا صمت الفقراء، ريثما يتم تدجينهم تماماً فيستسلمون وتنتفي المخاطر على اتفاق أوسلو والسلطة – الشرطة في غزة”.
أما الرضى الإسرائيلي فأغلى بكثير من أن يشتريه التعهد بضمان استمرار المساعدات العسكرية الهائلة لإسرائيل، وبعدم إنقاص دولار واحد مما تناله إسرائيل سنوياً كمساعدات مباشرة أو غير مباشرة (وهي بالمليارات)،
لقد سلمت واشنطن برنامج المساعدات الأميركية جميعاً لإسرائيل تقرر فيه بما يتناسب مع أغراضها وطموحاتها وضمانات تأمين سيطرتها على المنطقة.
وإسحق رابين يجهر بالقول بغير تحفظ أو مداراة ، وأمام بيل كلينتون بأن “برنامج المساعدات الأميركية أصبح وسيلة سياسية في يد إسرائيل”.
ويمضي رابين مع الصراحة إلى مادها فيقول إن إسرائيل “باتت هي مصدر القرار الأميركي بشأن توزيع المساعدات الأميركية على الدول العربية”.
“لا تستطيع أية دولة أن تحصل على المساعدة إلا عبر الوسيط الإسرائيلي”!
أي أن الصندوق الأميركي بات في عهدة الإسرائيلي، وعلى كل نظام عربي أن يلبي بداية الشروط الإسرائيلية، كائنة ما كانت، لكي يحظى بنصيبه من تلك الحفنة من الدولارات.
فإذا كانت واشنطن تكتفي بصمت الفقراء وشراء “إيمان” الإسلاميين المتطرفين، فإن تل أبيب تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، فتجند “فقراء الحكام العرب” لتصفية “أعداء السلام”، الذين سيكونون بعد اليوم أعداءهم.
هذا يهدد بتعميم تجربة “شرطة عرفات” في معظم الأقطار العربية التي يتزاحم حكامها على أبواب واشنطن طلباً لقطعة من كعكة المساعدات…
وربما اشترك إسحق رابين مستقبلاً أن يأتيه هؤلاء الحكام برؤوس أعداء السلام واحداً واحداً، فيدفع على الرأس، ومن استأصل أكثر يقبض أكثر!
ولما كانت الجماهير العربية فقيرة إلى حد الأملاق، بأكثريتها الساحقة، فلسوف يكون من الصعب على “أعداء السلام” أن يقمعوها، كما سيكون صعباً على القوى المانحة للدولارات أن تشتريها جميعأً.
وباختصار فإن الحروب الأهلية العربية – العربية لتمرير السلام الإسرائيلي كانت بحاجة إلى من يمولها، وها قد أعلن الممولون عن أنفسهم،
فهذه المساعدات لا تكفي لبناء أوطان، ولكنها مفيدة جداً في تهديم أوطان سواء ما هو قائم منها أو ما هو قيد التأسيس.
وصورة الحكومة المركزية تتكامل ملامحها يوماً بعد يوم،
فبعد تكريسها “القوة العسكرية” الأقوى من جميع دول المنطقة، وبعد اعتمادها قيادة سياسية مفوضة ومطلقة الصلاحيات، ها هي تستلم السلطة كاملة بتسميتها وزارة المالية والأمر بالصرف!

Exit mobile version