طلال سلمان

على الطريق قراءات في التهديد الإسرائيلي!

خطيرة هي التهديدات الإسرائيلية بتصعيدها السياسي. لكأنها إعلان حرب من طرف واحد، أو التمهيد الفعلي (والنفسي) لمثل هذه الحربز
لكأننا عشية الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1978، أو العام 1982، أو عشية كل معركة انتخابية كان يحتدم فيها الصراع داخل مجتمع العدو بين أحزابه المتنافسة والمتقاربة في قوتها.
على أن أخطر ما في هذه التهديدات هو “تقبلها” عربياً، و”تفهمها” المسبق دولياً، وأميركياً على وجه التحديد، ثم انعكاساتها المحلية المباشرة وغير المباشرة.
فليس بين حكام العرب من يدبو معنياً بهذه التهديدات الموجهة إلى قطرين عربيين هما لبنان وسوريا.. وإذا وجد من له راي فخلاصة رايه ما مفاده: “هذه هي بعض نتائج التحرش بوكر الدبابير، تحت لافتة المقاومة… فليتحمل المتحرش مغبة أعماله الهوجاء”!
لقد سقطت القضية واندثرت وتهاوت الرايات، ولم يعد الاحتلال قهراً لإرادة الأمة، مقاومته واجبة شرعاً والمتقاعس عنها خائن أو منحرف لا تجوز توليته ولا تجوز طاعته بل إن الخروج عليه هو الواجب غير القابل للنقاش…
تماهى الاحتلال مع التحرير، كما في حالة الكويت خاصة ومعظم الجزيرة العربية والخليج، ولم تعد التبعية للأجنبي عموماً، وللأميركي بشكل خاص عيباً يدارى أو عورة تستر أو تهمة مشينة ترد وتدحض بكل وسيلة متاحة.
واستطراداً فقد بات الاستسلام للقوة القاهرة، أميركية كانت أم إسرائيلية قدراً وأمراً طبيعياً مسلماً به، أما الاعتراض أو الرفض أو المقاومة بالسلاح فهو تهور بل جنون وتلاعب بمصير الأمة وتفريط بترابها أو بكرامتها أو بالأمرين معاً.
ما علينا… لنترك “النافذين” من العرب يستعدون، بدولاراتهم وبدسائسهم، لوراثة النفوذ السوري في لبنان، حسب تصورهم، ودائماً بالاشتراك مع – وبشروط – الجبار الإسرائيلي، وتحت الرعاية الكريمة “للسيد” الأميركي المطاع والمطلق الصلاحية.
ولكن ماذا عن الموقف الأميركي النافر والمستهجن والذي لا سوابق له؟!
إن الإدارة الأميركية توفر المبررات والذرائع للاجتياح الإسرائيلي الجديد، وتنفض طوقها وتبرئ ذمتها سلفاً من النتائج المحتملة: لقد حذرتكم فلم تسمعوا!!
إنها تكاد تعطي القيادة الإسرائيلية الحق في استخدام لحم اللبنانيين، قراهم وأرزاقهم، يومهم وغدهم ومستقبل أطفالهم، كأوراق انتخابية لنصرة حزب العمل (اليساري!!) على تجمع ليكود (اليميني!!) أو لإضعاف إسحق شامير بحيث يضطر إلى الائتلاف مع منافسه إسحق رابين!!
إنها تسهم في تضخيم عمليات المقاومة بحيث تجعلها تبدو خطراً على “أقوى دولة في الشرق الأوسط”، مع إنها تعرف أن رصاص رجال المقاومة إنما يقع – دائماً – داخل الأراضي اللبنانية المحتلة، ويصيب في الغالب الأعم بعض عملاء إسرائيل من اللبنانيين.
وبغض النظر عن مشروعية المقاومة، في جميع المواثيق والأعراف الدولية، من حيث المبدأ، فإن التهويل الأميركي بها اليوم إنما هو تفويض للإسرائيلي بالقتل والتدمير والاجتياح كأنما اللبنانيون هم الذين يحتلون “أرضه” وهم الذين يقتلون “أطفاله” في مدارسهم، وهم الذين يهدمون “منازله” على رؤوس أصحابها الأمنين!
هذا بينما تتواتر الأخبار والروايات عن “صراع” أميركي – إسرائيلي عنيف مبعثه انحياز إدارة بوش – بيكر إلى “الحق العربي”!! أو إلى وجهة النظر العربية (؟!) في المفاوضات الثنائية التي سقفها المعلن شطب فلسطين كقضية عربية وإنهاء الرباط القومي (المقدس؟) بين العرب، وتقزيم شعب فلسطين بحيث يستوعبه أصغر وأتفه موديل من موديلات الحكم الذاتي!
في الوقت ذاته فإن الموقف الأميركي هذا يشجع قوى وأطرافاً في لبنان على دخول اللعبة وتوظيف التهديد الإسرائيلي لابتزاز الحكم اللبناني.
والابتزاز يتجاوز باستهدافاته الفعلية منع وقوع الانتخابات النيابية وفق ما هو مقرر لها مبدئياً، وإسقاط حكومة وإعادة صياغتها بما يضمن تدجين من يتوجب تدجينه من أعضائها.
إن الأصوات التي تعلو بالاعتراض والتهديد بالمقاطعة والرفض إنما تجيء متسقة ومنسجمة بل ومتكاملة مع ارتفاع وتيرة التهديد الإسرائيلي والتحريض الأميركي الذي يتخذ طابع النصيحة أو اللوم على عدم سماع النصيحة!
إن للتهديد الإسرائيلي، المغطى بالتفهم الأميركي، وبالصمت العربي المريب، وظيفة محلية تتجاوز دور “حزب الله” والمقاومة الوطنية أو الإسلامية التي تناوش قوات الاحتلال وأتباعها في الجنوب المحتل.
لكأنما المستهدف هو الصيغة السياسية التي أقرت كقاعدة للوفاق الوطني عبر اتفاق الطائف الشهيرن وإن تم التركيز على الدور السوري باعتباره الضمانة الأفعل لتنفيذ هذا الاتفاق وحمايته وتأمين الالتزام به.
فلا اتفاق طائف من دون دور سوري،
وإذا ضرب مثل هذا الدور، من الخارج سهل ضربه أو التمرد عليه من الداخل، وسهل بالتالي إسقاط الطائف صيغة وحكماً ومؤسسات (وليس فقط كأشخاص أو كحكومة)..
لكأنما المطلوب مرة أخرى إعادة لبنان إلى مناخ 17 أيار واتفاق الإذعان الشهير، وإن بصيغة جديدة تبدأ هذه المرة بمحاولة لوي ذراع دمشق والالتفاف عليها انطلاقاً من لبنان، وباسم الدفاع عن “حرية أبنائه” وحقهم في إقامة “حكومتهم المركزية القوية” وفق تصورهم هم “وليس كما فرض عليهم” عبر اتفاق الطائف وأشكال تنفيذه التي مورست حتى اليوم، في ظل الرعاية السورية المباشرة.
لكأنما المراد اتفاق 17 أيار جديد، ومع دمشق، هذه المرة، يأخذها إلى المفاوضات المتعددة الأطراف مستسلمة راضية، كما ذهب سائر العرب، فتقدم هناك (وتسمح للعرب الآخرين أن يقدموا) ما تريده إسرائيل لكي تطمئن فترضى وتقبل “بالسلام”… السلام الأميركي،
كأنما إدارة بوش تريد أن تعطي إسرائيل من لحمنا وأرضنا لتأخذ منها هناك في واشنطن، أي في السياسة الداخلية الأميركية بينما تحاول إسرائيل أن تأخذ هنا وهناك ومن دون أن “تعطي” شيئاً.
ولنا في هذا بعض العزاء على أي حال: فاحتلال أرضنا وإرادتنا قد يسهم في “تحرير” إرادة الإدارة الأميركية، ومتى “تحررت” سيتحول جورج بوش إلى إبراهام لنكولن جديد يحرر “العبيد العرب” هذه المرة ومعهم العالم كله من… الاستعمار الإسرائيلي!!
افيجوز أن نضن بمثل هذه التضحية البسيطة من أجل مثل هذا الهدف الإنساني النبيل؟!
ولو، عيب!! أين الشهامة العربية؟! أين النخوة الأصيلة التي يجسدها البنادرة؟!
وماذا لو سقطت سوريا وسقط لبنان، مؤقتاً؟!
المهم المستقبل،
وعلينا أن نختار: نتحرر فينجح الإرهابي شامير و”ليكود” المتطرف ويسقط جورج بوش وإدارته الفريدة من نوعها، أم نرضى “بقليل” من الاحتلال فنخلص من شامير ونفتح طريق النصر لمحرر الكون بأسره جورج بوش الذي لن ينسى لنا بالتأكيد هذا الجميل التاريخي؟!
والخيرة في ما اختاره الله يا بنادرة الخير!

Exit mobile version