طلال سلمان

على الطريق قدس المغتربين وجهاد المقيمين!

أفضل تلخيص للوضع العربي الراهن ولقدرات الأنظمة القائمة والقيمة على “القضية” هو ما جرى على امتداد الأسبوع الماضي، وفي مجال الرد على قرار العدو الإسرائيلي بإعلان القدس “عاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل”.
لقد جوبه القرار، اول الأمر، بصمت القبور، على المستوى الرسمي، وبالكاد صدرت تصريحات أو بيانات تتضمن شيئاً من الشجب أو الاستنكار أو اللوم، بل إن لهجة بعضها كانت إلى العتاب أقرب منها إلى الخصومة فضلاً عن العداء.
ثم فجأة، وبعد صمت طويل، خرج ولي عهد السعودية على الناس بتصريح مباشر لوكالة أنبائه الرسمية، يهدد فيه بالويل والثبور وعظائم الأمور، وصولاً إلى التلويح بإعلان الجهاد المقدس.
وبعد الأمير فهد مباشرة، طلع علينا الملك الحسن الثاني بدعوة للجنة القدس المتفرعة عن المؤتمر الإسلامي الذي عرفه الناس أكثر ما عرفوه من خلال اهتمامه الحارق الخارق بأحداث أفغانستان.
وعلى الهامش، تضمنت التصريحات والاعلانات الملكية دعوة مكشوفة للرئيس السادات بالعودة إلى “ذويه”، مع تعهد بالكف عن لومه وتقريعه طالما تحقق ما سعى إليه وجاهد في سبيله!
وهكذا انعقدت اللجنة الملكية في الرباط، وسط صيحات الجهاد الملكية، الصادرة عن الرياض والديار المقدسة، لتنتهي بأتفه قرارات يمكن تصور صدورها عن أي لجنة تخمين عقارية، في أي زمان ومكان؟
كيف لا وقد أحال السادة الملوك وأصحاب السمو الملكي الأمراء والرؤساء جميعاً قضية القدس، برمتها، إلى المغتربين اللبنانيين وألقوها خفيفة باردة على كواهلهم، ثم انصرفوا إلى ما كانوا فيه، وكفى الله المؤمنين شر القتال!
أي أن سادتنا والقابضين على رقابنا يريدوننا أن نصدق أن جيمس أبو رزق ومهدي موسى، والمستر دبلان وكلوفيس مقصود، وشحاده غنطوس وشفيق جوردان وأمثالهم، هم هم المعنيون باسترجاع القدس فإن لم ينجحوا حق عليهم العقاب الصارم!
أي أن الأمير فهد وإنتاجه النفطي الغزير، فضلاً عن الاحتياطي الهائل، وسائر الحكام النفطيين في المشرق والمغرب، وحكام العرب جميعاً، ومعهم أولئك الذين يحكمون بلاد المسلمين، فتشوا فلم يجدوا بين أيديهم من الأسلحة إلا لسنان المغترب اللبناني (كان الله في عونه)، وتهديد بعض الدول الفقيرة بقطع العلاقات معها إن هي اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل وأقامت سفاراتها فيها بدلاً من تل أبيب!
أما الولايات المتحدة الأميركية فقد أعلنت براءتها،
وأما إسرائيل ذاتها فلا لوم عليها ولا تثريب.
وأما كامب ديفيدن وما صدر عنه من قرارات وخطط ومشاريع للهيمنة الاستعمارية، وما تفرع عن هذه المشاريع من مؤامرات وفتن طائفية تكاد تلتهم المنطقة العربية بمن وما عليها، فلا وجود له ولا أثر ولا تأثير، بدليل أنه لم يستحق حتى إشارة عابرة في القارات الملكية!
ومسكين كسروان لبكي، لقد ألقيت القضية برمتها على كاهليه، وقيل له: إذهب أنت ومغتربيك فقاتلوا، ولكم الأجر والثواب!… ومتى يحدث هذا؟!
يحدث بينما الفتنة تشغل “اللبناني” عن أمه وأبيه، عن أخته وأخيه، عن نفسه وأرضه ووطنه، وتسد الافق عليه بالأحقاد، ونيران الفتن، وبينما بشير الجميل يطلق التهديد تلو التهديد “بتحرير” الأرض اللبنانية، من كل من لا يحمل زر الكتائب ولا يسلم بزعامته المطلقة وبدويلته الإسرائيلية الجديدة!
هل نقول أنه زمن العجائب والغرائب وكل ما يتجاوز الخيال مما يرفضه العقل ولا يقره؟!
أنستخدم الكلمات – الاتهامات الكبيرة والخطيرة؟!
أم نحتفظ بدمائنا باردة، وبأعصابنا هادئة، لأن الأخطر والأصعب والاشق هو الآتي وليس ما مضى؟!
أهذا هو “الجهاد المقدس”؟!
أهذا كل ما يقدر عليه ملك المغرب وولي عهد السعودية وسائر الحكام في دنيا العرب والمسلمين؟!
… وماذا يمكن أن يقدم للسادات من أسباب للبراءة أكثر مما قدمت لجنة القدس الملكية؟!
ثم ماذا يمكننا أن ننتظر نحن في لبنان من هؤلاء الأكابر والأماجد؟!
أما الرد الإسرائيلي فسمعناه وعرفناه: قرارات فإجراءات عملية، فغارات وعمليات إنزال ومعارك بالسلاح تتجاوز الملوك والرؤساء والأمراء، ناهيك بكلامهم وتهديداتهم الجوفاء، وقراراتهم الفارغة من أي مضمونز
والحمد لله أن البقية الباقية من المقاتلين العرب، فلسطينيين ولبنانيين، قد أعلنوا كلمة الأمة بالرصاص فجر الأمس في ألارنون وجوارها، وهم يواجهون بصدورهم ودمائهم قوات العدو الإسرائيلي الغازية!
الحمد لله أنه ما زال في الأمة من يدلنا إلى الطريق التي “يناضل” ملوكنا والأمراء كي نضيع عنها وتضيع منا، فنخسر إضافة إلى القدس والقاهرة بيروت ودمشق وسائر العواصم.
وصحيح إننا نعيش مرحلة ردة وترد وهزيمة وانكسار وانسحاق، ولكن الصحيح إننا فقط بالقتال نخرج من هذه المرحلة القاتلة ونستشرف أفق الغد الأفضل.
والكلام موجه أولاً وأخيراً إلى المواطن العادي: لن يهزم يأسك غير إرادة القتال فيك.
واختصاص اللجان للملكية هو مكافحة إرادة القتال فيك وفي كل إنسان، وبعدها تترك لمواجهة “قدرك” مع “المحرر” الآتي من شرق بيروت ومع “المحرر” الآخر الآتي من جنوب لبنانز
وعندئذ ستلتئم اللجنة الملكية مرة أخرى وتكلف جيبوتي بشرح القضية للعالم… ويكون نصرنا المؤزر.
وفي انتظار ذلك اليوم البهي قاتلوا حتى لا تبادوا، قاتلوا لتعيشوا.
فالقتال شرط الحياة في هذا العصر الأميركي – الإسرائيلي – الساداتي الذي صار الجهاد المقدس فيه واجب “المغتربين” وحدهم، أما المقيمون فليس عليهم من واجب إلا انتظار “المحررين” المياهمين، من أي جهة أتوا!

Exit mobile version