طلال سلمان

على الطريق قاتل حيث أنت فتنتصر مصر 18 و19 يناير

بين العروبة ومصر علاقة فذة: كلتاهما شرط لقوة الأخرى، فإذا ما انفك التلازم بينهما استحال النصر على أي منهما، وافتقدت كلتاهما الدور والقدرة على الفعل، وتهدد الخطر وجودها ذاته.
ولقد ظلت العروبة مزيجاً من أحلام اليقظة في قفزة على قلب العصر عبر التغرب، أو في استعادة الخلافة وتجديد عصر الفتوحات وليالي الأنس في الأندلس، حتى دخلت مصر فوجدت قيادتها وصيغتها الخلاقة ومنهجها العملي لصنع الغد العربي الأفضل.
كذلك ظلت مصر طاقة مهدورة تأكلها الحيرة في مواجهة العالم فلا تعرف لها دوراً فيه حتى جاءتها العروبة فأعطتها الهوية والدور والمشروعية للعب هذا الدور عربياً وإسلامياً وبالتالي دولياً – من موقع القيادة.
فلا وجود لمصر قوية بغير العروبة، والتوجه القومي شرط وجوب لتأكيد هذه القوة وممارستها.
ولا قوة يمكن أن تعوض العروبة مصر وتغنيها عنها،
فإذا ما تم التلاقي جاء النصر مهيباً وجليلاً وتاريخياً كما في أواخر الخمسينات، أما في حال التعارض والافتراق فإن الانتكاسات والهزائم تتوالى بغير انقطاع وتشمل مختلف الساحات العربية على امتداد الوطن الكبير، كما هي حالتنا اليوم.
ففي غياب مصر لا يمكن ان تتحرر فلسطين، بل يصبح من الصعب الحفاظ على ما احرزته قضيتها من تقدم،
ولا يمكن بطبيعة الحال ان تنتصر الحركة الوطنية في لبنان، مهما كان برنامجها الاصلاحي متواضعاً ومحدود التأثيرات على صورة المستقبل.
كذلك فمن المستحيل ان تنتصر قضايا الحرية والاشتراكية والتقدم للانخراط في العصر، في أي قطر عربي، لان مصر تتحول – بعيداً عن العروبة – الى عبء قاتل على الحركة الشعبية العربية والى عذر وجيه (من حيث المبدأ) لأي حاكم يريد ان يهرب من ميدان المعركة.
ومصر السادات تجسيد حي لهذه الحالة المريعة: القاهرة مفتوحة للاسرائيلي. مقفلة في وجه العربي، بيغن يتمشى على السد العالي والسادات يعده، بهاء النيل على حساب شعب مصر وشعب السودان واقطار اخرى، وفي المقابل مجموعة من الانظمة العربية المحكومة بالعجز او بالتهالك، ومبرر تساقطها في احضان المشروع الاميركي – الاسرائيلي او عدم نهوضها لمواجهته واسقاطه هو هو دائما: غياب مصر بقدراتها وامكاناتها ودورها الحاسم!
… والمواطن العربي يمضغ الاهانات اليومية التي تمس وجوده القومي في الصميم، وينتظر!
ينتظر التتمة المنطقية لانتفاضة 18 – 19 يناير.
ينتظر؟! أجل لانه مكبل بقيود السلططة والقمع والجوع والتخلف، فلا يملك سلاحاً غير الصبر والانتظار والثقة بأن شعب مصر سينتصر –لا محالة – على “سادات الداخل” و”سادات الخارج”، وسينصر سائر العرب عليهم.
والمواطن العربي يعرف أن السادات لن يستطيع ان يبيع شعب مصر، وان “الآخرين” لن يستطيعوا أن يشتروه.
والمواطن العربي يعرف ان “الاخرين” ارتعشوا وانخلعت قلوبهم في 18 و19 يناير (1977)، تماماَ مثل السادات، وربما اكثر، لأنهم يدركون ان سيلا منطلقاً بزخم مصر من القاهرة سيجرف رموز عصر الهزيمة، على امتداد الارض العربية بين المحيط والخليج.
والمواطن العربي يعرف ان “الاخرين” مرتاحون تماماً الى غياب مصر، وممتنون للسادات اذا اراحهم من شبح مصر، وهم سعداء كل السعادة ببقاء السادات في مصر، لانهم يختفون اذا حضرت مصر ولا يكونون الا بغيابها.
واذا ما جاءت مصر فلن يستطيعوا الاستمرار في سحق شعوبهم وفي وأد الحريات وفي خنق ارادة التغييير والطموح المشروع الى غد عربي افضل.
لهذا كله فهم يهينون مصر وشعبها بمقدار ما يهينها السادات: يعرضها السادات في سوق النخاسة على الأميركيين (والاسرائيليين) فيدخلون هم السوق مزايدين… وبالدولار! وهدفهم واضح: أن يكون رد الفعل على تصرفهم، في داخل مصر، مزيد من الجفوة بل القطيعة بين المصريين وسائر العرب ويتحول الوطن العربي الكبير الى ارخبيل من العصبيات الطائفية والقبلية والعشائرية المتخلفة عموماً والمنضبطة جميعاً داخل المشروع الاميركي – الاسرائيلي المعد للمنطقة.
فلا يمكن لهؤلاء “الاخرين” ان يمارسوا اقليميتهم براحة الا اذا تحولت مصر الى امتداد للاجنبي (البريطاني سابقاً، والاميركي حالياً… وصولاً الى العدو الاسرائيلي).
وهكذا فلا بد من “مصر” وإن طال السفر،
ومع استمرار غياب مصر سيستمر شعور المواطن العربي – في كل ارض – بأنه غريب في وطنه، يعاني وحشة القلق على المصير، في ظل الاحساس المتنامي بالعجز والضآلة.
ومصر لا تحتاج الى من يأتيها من خارجها محرراً. إن شعبها العظيم كفيل بانجاز هذه المهمة التاريخية الجليلة، شرط ان يمتنع “الاخرون” عن التآمر عليه، عن تمزيق صفوفه وبعثرة امكاناته، وضرب فصائله الوطنية بعضها ببعض.
ان شعب 23 يوليو، شعب 9 و10 يونيه، شعب 18 و19 يناير، لن يعجز عن اسقاط السادات،
لكن من حق شعب مصر على امته العربية ان يطالبها بمنع انظمة الهزيمة والردة والتبعية من دعم السادات ومساندته.
ان احياء روح الوحدة واطلاقها لتفعل فعلها المبدع في اربع رياح الارض العربية هو المدخل الشرعي لمساندة شعب مصر في معركته من اجل تحرير بلده واسقاط السادات،
ان النضال من اجل حد ادنى من الديمقراطية يشكل مساندة حيوية لشعب مصر في معركته ضد السادات وحليفه العدو الاسرائيلي،
ان الوقوف في وجه مشروع الهمينة الاميركية على المنطقة يعطي زخماً عظيماً لشعب مصر في معركته القومية الكبرىن
ان التصدي لمشاريع الاحلام التي عادت تطل على المنطقة باسم الاسلام او باسم مواجهة خطر الشيوعية هو اسهام مباشر في معركة شعب مصر ضد السادات ومن اجل عروبته،
ان المطلوب ان ينجز كل معركته، فلا يفر احد من الساحة متذرعا بغياب الاخر او تقاعسه او تعاظم القوى المعادية.
قاتل حيث انت ضد اعدائك الفعليين فتنصر مصر وشعبها،
… ويطل من جديد ذلك الفجر البهي لمصر القوية بعروبتها المتصرة لامتها.

Exit mobile version