طلال سلمان

على الطريق في موسم المصالحات

… ولأن القادة والحكام من العرب يحبون المطلقات، فإنهم إذا اختلفوا في الرأي جعلوا الأمر عداوة فأضاعونا وضيعوا حدود الاختلاف ودلالاته وحدود الاتفاق الباقي بعده وبعدهم، وعلى رغم كل شيء، وإذا ما تصالحوا أضاعونا مرة أخرى وضيعوا القضية!
وباعتبار إن ليس أكثر من الخلافات والخصومات والخناقات العشائرية العربية إلا المصالحات والمعانقات وتبويس اللحى العربية، فإن المواطن يعيش حالة “قدرية” من الضياع وعدم الفهم والنقص في الوعي السياسي!
وتكاد قواعد السياسات العربية وأصولها تتلخص في مجموعة من العبارات التي قد يكون لها علاقة بالكياسة ولكنها لا تمت إلى السياسة بصلة، من نوع: “العتاب صابون القلوب” و”عفا الله عما مضى” و”اللي فات مات” و”الصلح خير” و”إنما المؤمنون أخوة”، وهي قواعد وأصول عصرية تماماً، كما ترى، وتتناسب كلية مع طبيعة الثلث الأخير من القرن العشرين!
يختلفون على قضية اقتصادية فتتفجر الشتائم ثم يتصالحون فتتهاطل القبلات ثم لا تقال كلمة عن القضية الاقتصادية إياها!
ويختلفون على الموقف من الإمبريالية وزعيمتها الولايات المتحدة الأميركية وساحرها العظيم هنري كيسنجر، ويتراشقون التهم بالخيانات والانحراف والتفريط، ثم يتصالحون فلا نسمع منهم ما يفيد بطبيعة الاتفاق أو ما يكشف الموقف الجديد الموحد أو المشترك من واشنطن والإمبريالية والعزيز هنري!
أكثر من ذلك: إنهم في حالات الخلاف يحاولون استقطاب “الجماهير” فيطرحون وجهات نظرهم مزركشة، ممنطقة وممغنطة، ويعطون للخلاف الصغير ألف سبب كبير يكفي لحرب داحس وغبراء جديدة.. لكنهم ينسون الجماهير البائسة عند دخولهم إلى حفل المصالحة فلا يتكرمون عليها بشرح بسيط يفسرون فيه معنى التبدل في المواقف، وكيف استحال الخائن قائداً ورائداً تنظيم فيه قصائد المديح،
وهكذا تتزايد علامات الاستفهام في وجدان المواطن العربي الطيب، فيتهم نفسه بالغباء والقصور والتخلف العقلي ليتمكن من الاستمرار على قيد الحياة خارج مستشفى المجاذيب!
إن المواطن مطلوب كاحتياطي لحرب الخلافات، فهو عدتها وهو دافع ثمنها الباهظ من مصالحه الحيوية ورزق عياله،
ولكنه غير مطلوب – إلا كشاهد زور – في احتفالات المصالحة والعناق الحميم بعدما يجمع الله الشتيتين!..
إنه محاصر بدائرة جهنمية من المعميات.. فإذا استغلقت عليه وعجز عن الفرار اتهم في وعيه وفي عقله وفي رهافة حسه القومي!
وأصل الوعي الفهم،
وأصل الفهم المعرفة،
وأصل المعرفة رؤية الحقيقة أو الاطلاع عليها،
غير إن حكامنا الأفاضل وقادتنا الأبرار – بأكثريتهم الساحقة – يحبوننا حباً جماً فيوفرون علينا رؤية الحقيقة، وبالتالي المعرفة والفهم والوعي ، ويضعوننا أمام خيار محدد بينهم هم وبين هذه التعابير المبهة!
ولأننا أحرار تماماً فقد اخترناهم وبنذنا الحقيقة، باعتبارها أصل الشرور جميعاً.

Exit mobile version