طلال سلمان

على الطريق فلنوقف اضطهاد لبنان!

أما آن الأوان لأن يستعيد لبنان صورته الأولى؟
أما آن الأوان لأن نعود بشراً حقيقيين، نستحق وطناً حقيقياً بذلت فيه ومن أجله كل تلك الدماء الغزيرة التي لما تجف ولما يتوقف نزفها حتى اليوم؟!
أما آن الأوان لأن نستعيد آدميتنا، في علاقتنا مع أنفسنا كما في علاقتنا مع الغير، وبالتحديد مع الأقربين؟!
لقد عشنا في الخطأ جميعاً، غصنا فيه، تنفسناه وشربنا منه حتى الثمالة، أخطأنا في التقدير، في الحسابن في الظن، في الاستنتاج، أخطأنا، جميعاً جميعاً وبغير استثناء، فكبرنا الوطن فوق ما يطيق وما يليق. أو صغرناه وفق مقاسنا مفترضين إن أشخاصنا تغني عنه، فكدنا نخسره وكاد يخسرنا في الحالتين.
ليس بيننا بريء، ولا يستطيع أي منا أن ينف2ض طوقه متنصلاً من مشاركة مان دور مان وبالتالي مسؤولية ما في ما حصل وأدى إلى ما نحن فيه.
وإذا كنا قد “تواطأنا” ضمناً على تجاوز المحاسبات وتوزيع المسؤوليات (ومن ثم العقوبات)، فإن شرط السلامة لمثل هذه الخطوة أن يعين واحدنا الآخر للخروج من دائرة الخطأ، والمساهمة في إخراج الوطن من دائرة الخطر.
ولقد عشنا في الخطأ وبالخطأ وعلى الخطأ سنوات، وعاش معنا فيه بعض أشقائنا الأقربين، وبالذات الفلسطيني والسوري ومن ثم سائر العرب بهذه النسبة أو تلك.
وبقدر ما تفرض الضرورة أن نعجل في تصحيح علاقتنا بأنفسنا وببعضنا البعض، فإنها تفرض علينا – وعليهم – أن نعجل في تصحيح علاقتنا معهم وعلاقاتهم معنا.
وإذا كانت مثل هذه الخطوة أساسية في استعادة التوازن النفسي، على مستوى الأفراد ، فإنها أساسية أكثر للبنان، كدولة، من أجل استكمال توازنه الوطني، ومن أجل تعزيز صموده في وجه شروط المحتل الإسرائيليز
إن كثيراً من الحبر يمكن أن يراق في الحديث عن الأسباب التي أوصلت العلاقات بين اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين إلى وضعها البائس الحالي، وعن مسؤوليات قياداتهم الحكومية والسياسية والحزبية والعسكرية في هذا المجال.
لكن الأفضل، والأجدى أن تترك مثل هذه المهمة، بمداها البعيد، للتاريخ، وأن نتعاطى مع الوقائع الثابتة ومع حقائق الحياة في صورتها الموضوعية التي لا ينفع معها لا التجاهل ولا التناسي ولا القفز هرباً إلى أمام أو إلى خلف.
فما كان قد كان. وأقصى ما نستطيعه هو أن نستخلص الدروس التي تفيدنا في تجنب الخطأ، مستقبلاً ، وفي ضمان بناء الوطن على أسس صلبة وثابتة.
في ضوء هذا كله نقول ما يجب أن نسمعه جميعاً، وأن نقف أمامه جميعاً، حول وضع الفلسطينيين الراهن في لبنان، أما موضوع العلاقات مع سوريا فيمكن أن ينتظر بعض الوقت أيضاً لتنظيمه وإعادة صياغته وتقنينه بما يحمي القطرين التوأمين من الهزات.
إن الفلسطيني أخ شقيق، حتى لو كان بيننا من لم يعد يحب سماع مثل هذه الكلمة.
والفلسطيني مكون من مكونات الواقع اللبناني، في الحال وفي المستقبل المنظور، على الأقل، وربما إلى مدى مفتوح أكثر مما يقدر المقدرون.
والوجود الفلسطيني (بين 300 ألف في أبسط التقديرات ونصف مليون) حقيقة لها تأثيراتها الفعلية على مجمل حياتنا “كلبنانيين”: سياسياً واقتصادياً، اجتماعياً وثقافياً، أي إنسانياً.
وهذا الوجود الفلسطيني ليس شيئاً طارئاً، وليس من نتائج الحرب، ولا هو أمر ستحله المفاوضات مع المحتل الإسرائيلي، أو سيبتدع له فيليب حبيب علاجاً سحرياً.
هذا الوجود حقيقة لبنانية، بقدر ما هو حقيقة عربية، وحقيقة دولية، وعلى هذا فهو مسؤولية لبنانية بقدر ما هو مسؤولية عربية ومسؤولية دولية.
أي إن القرار فيه أكبر وأخطر من أن تستطيع اتخاذه الميليشيات والشراذم المسلحة ناهيك بالغرائز والعصبيات وأحقاد سنوات الحرب،
وما يجري الآن للفلسطينيين في صيدا، ومناطق أخرى من الجنوب. وعلى أيدي بعض العصابات والمنظمات الوهمية، أفظع من أن يمكن السكوت عليه: إن حملات الإرهاب والاضطهاد المنظمة، ضدهم تمس صميم وطنيتنا، إضافة إلى أنها تجردنا من إنسانيتنا.
إن ما يجري لهم بشكل أعظم خدمة للمحتل الإسرائيلي، ليس فقط بالمعنى السياسي، بل قبل ذلك بالمعنى الحضاري والإنساني.
لقد حاول الإسرائيليون أن يقنعوا العالم، قبل تقرير كاهان وعبره وبعده، بأنهم إنسانيون وديموقراطيون بوصفهم من الشعوب “الغربية” المتحضرة، وإن ما حصل في لبنان (للبنانيين فيه كما للفلسطينيين) جرائم نكراء يتحمل مسؤوليتها اللبنانيون والفلسطينيون أنفسهم… أما هم فربما قصروا في أداء دورهم كـ “قوة فصل” بين متوحشين، أو في منع “السفاحين” من ارتكاب أفعالهم الشنعاء، لكنهم لا يتحملون أي مسؤولية مباشرة عن الدم المراق.
وما يحصل اليوم يؤكد هنا “المقولة” الإسرائيلية ويعطيها مصداقية في العالم، في حين نخسر نحن ما تبقى من إنسانيتنا ومن جدارتنا بالحياة وليس فقطج بحلم الوطن.
إن الاضطهاد الموجه الآن إلى الفلسطيني هو صورة مجسمة لما يتمنى المحتل الإسرائيلي أن يفعله بنا جميعاً لبنانيين وسوريين وفلسطينيين… وصولاً إلى المغاربة واليمنيين (وهو قد فعل بعضه حيث حل، على أي حال)!!
فإلى متى نرضى لأنفسنا أن نكون في موضوع الأداة للإسرائيليين، ونستمر في لحس المبرد مستمتعين بطعم الدم، وما هو إلا دمنا المهدور؟!
إن استمرار الصمت عن هذه الجرائم يعادل المشاركة في ارتكابها، وهو وزر ضميري ومسؤولية معنوية وأدبية ومادية لا نطيق حملها أو تحميلها لأبنائنا بعدنا تطاردهم كاللعنة في مستقبل أيامهم.
لقد دفعنا ودفع الفلسطينيون (والسوريون) ثمن أخطائنا دماً قانياً، وخسائر قد تستهلك جيلاً أو جيلين لتعويضها.
ويجب أن نعمل جميعاً لوقف النزف. نزف الدم ونزف الكرامة ونزف شرف الحياة.
يجب أن نعمل جميعاً، دولة وحكومة، أحزاباً ومنظمات وهيئات ومراجع دينية وزمنية، لإنقاذ لبنان: سمعته ورصيده وجدارته بأن يكون وطناً حقيقياً لإنسان حقيقي.
إن الأطفال والنساء والشيوخ في المخيمات وفي البيوت حول المخيمات، ليسصوا هم المطالبين بالتكفير عما نراه أخطاء في ممارسة القيادات، خصوصاً وإن الخطأ مسؤولية جماعية تتوزعها القيادات كلها في مواقعها المختلفة.
ولقد علمنا التاريخ إن تحقيق إنسانية الإنسان لا يكون باضطهاد الآخرين (وهذه إسرائيل شاهد حي على إن الحقد قد يقيم مجتمعاً عنصرياً عدوانياً ولكنه لا يقيم وطناً حقيقياً لإنسان حقيقي).
فلننقذ إنسانيتنا ، ولننقذ وطننا من أن يدمره الحقد، مرة أخرى، فلا ينفع الحقد في بناء وطن، ولا يجوز أن نطلق للحاقدين العنان فيدمروا الوطن على رؤوسنا جميعاً لبنانيين وفلسطينيين، كائنة ما كانت ذرائعهم الصغيرة.
ولنلتفت قليلاً إلى المحتل الإسرائيلي وما يدبره ضدنا وضد وطننا وجوداً ومصيراَ.. وبعد إجلائه سيتسع الوقت أمامنا لمراجعة السنوات المرة بكل ما حفلت به من مصائب ونكبات و… مسؤوليات!
إن الفلسطيني يكاد يكون الآن أكثرنا “لبننية”، بمعنى الشوق إلى الدولة وإلى سيادتها وإلى استقلالها، لأنها ضمانة حياته هو وأطفاله،
والفلسطيني، الآن، هو المتضرر الأول من الفوضى المسلحة، ومن الخروج على النظام والقانون.
إن الضحية قد عاد، مرة أخرى، إلى موقعه: ضحية!
فهل نبالغ أو نطلب ما لا يجوز إذا ما طالبنا بأن نعطيه هذا الموقع؟!
هل نطلب الكثير إذا قلنا: أما آن لعاصفة الحقد أن تهدأ أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟! أما آن للبنان أن يستعيد صورته الأولى؟!
هل نطلب الكثير إذا رفعنا الصوت مطالبين بوقف اضطهاد لبنان في صورة الفلسطينيين المستضعفين؟!

Exit mobile version