طلال سلمان

على الطريق فلنقاتل ضد الغموض لأن الحقيقة سلاح النصر

مرة أخرى: موسى الصدر هو القضية،
وقضية موسى الصدر هي الحقيقة،
وقبل الإضراب الوطني السلمي الرائع، وعبره، وبعده، ظل السؤال الكبير الذي يطارد المواطن العادي، في لبنان وخارجه، ويلح عليه هو هو: لماذا هذا الغموض المريب إلى حد أنه لا يمكن أن يكون إلا مقصوداً؟! ولماذا هذه الالتباسات التي نبتت وتكاثرت كما الفطر، وكلها لا تفعل إلا زيادة الغموض وتكثيفه والتسيب في ضياع أو تضييع طرف الخيط الموصل إلى الحقيقة؟!!
لماذا صمت إيطاليا، وهي دولة “ديموقراطية” وصحافتها “حرة” وهواية العديد من صحفها السعي وراء المثير من الأخبار لاسيما إذا كانت مسيئة إلى العرب، فكيف إذا كانت فوق ذلك بوليسية الطابع وملغزة؟!
لماذا صمت الصحف الغربية الكبرى، في فرنسا وألمانيا الغربية وبريطانيا وفي أوروبا الغربية عموماً، إذا ما تجاهلنا الحكومات وأجهزة المخابرات ودوائر المباحث الجنائية وما إليها؟!
… ووكالات الأنباء العالمية، من أميركية وإنكليزية وفرنسية، وكلها ممن تخصص في “كشف المخبوء” لماذا “قصرت” هذا التقصير الشنيع فلم تسأل، إلا مرة واحدة وبشكل متعجل وعابر، مسؤولي المطار في “نيو ميشينو” (روما) ولم نرها تطارد طياراً أو مضيفة أو حتى راكباً في رحلة الطائرة التابعة لشركة اليطاليا من طرابلس إلى روما ليل الخميس 31 آب الماضي؟!
أين تلك التحقيقات والتحليلات والإفادات من نوع “وقالت مضيفة شقراء ترتدي قبعة بنية وتغطي عينيها بنظارات شمس” كذا وكيت من الوقائع والمشاهدات العينية؟!
ثم أين “المطاردات البوليسية” الشيقة والمسلية لهذا وذاك من الركاب الذين كانوا على الطائرة التي افترض المفترضون أو ادعى المدعون أو زعم الزاعمون إن الإمام موسى الصدر ورفيقيه كانوا عليها؟!
لم يحدث شيء من هذا كله، وبقي بل أبقي الغموض هو السيد، لأن الغموض – هنا – جزء أساسي من المؤامرة.
ومثل هذا الغموض المتقن والمدروس والمفروض فرضاً والشامل لا يمكن إلا أن يكون من صنع قوى ذات نفوذ عظيم في العالم، وهي – لهذا – قوى غير عربية بالتأكيد!
موسى الصدر هو القضية،
وقضية موسى الصدر، في هذه اللحظات ، هي الحقيقة،
والغموض ليس وسيلة فقط، بل هو ضمن هذه المعطيات، غاية في حد ذاته.
فالغموض ليل كثيف السواد تنشر عتمته قصداً لتمرير الكثير الكثير من الأغراض والأحداث: من كامب ديفيد وما يجسده ويعنيه بالنسبة لتاريخ العرب الحديث وذلك الجزء الأساسي منه المتصل والمتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي، إلى عمليات القمع الوحشية التي يقوم بها نظام الشاهنشاه ضد شعب إيران المسلم، والمناضل ، إلى ما تعده إسرائيل وتحضره من فتن في لبنان، ومن اعتداءات ضده وضد الفلسطينيين فيه والسوريين ، إلى مخططات “الجبهة اللبنانية” التقسيمية الخ.
بهذا المعنى فإن الغموض هو المدخل وهو التمهيد الضروري للمؤامرة الجديدة: مؤامرة ضرب الوطنيين بعضهم ببعض، ضرب السنة بالشية، والشيعة بالفلسطينيين، والسنة بالسوريين، والكل بالليبيين، حتى لا تبقى في الصف الوطني جهة واحدة قادرة وصالحة للتعاطي مع الآخرين بحيث تتمكن من وقف النزيف القاتل!
وبهذا المعنى فإن الهدف الأول للوطنيين العرب، أنظمة ومنظمات، أحزاباً وأفراداً، يجب أن يتركز على كشف الحقيقة وإعلانها.
ليس فقط من أجل سلامة الإمام موسى الصدر ورفيقيه،
وليس فقط من أجل كرامة المسلمين، وموسى الصدر أحد أبرز رموزهم،
وليس فقط من أجل المحرومين الذين كانوا قبل موسى الصدر حقيقة ضائعة ومنسية فجعلهم موسى الصدر قضية كل يوم،
وليس فقط من أجل التحالف النضالي القائم بين الوطنيين في لبنان والمقاومة الفلسطينية، مع ما يعنيه هذا التحالف الذي تشكل سوريا قاعدته بالضرورة من توكيد لهوية لبنان القومية،
بل أساساً من أجل أن نتمكن جميعاً من مواجهة المتآمرين الأقوياء ومخططاتهم الشريرة التي تستهدف مع الإمام الصدر لبنان كله، والفلسطينيين كلهم، وسوريا وليبيا والجزائر وسائر الوطنيين العرب.
إنها مؤامرة كبيرة تنفذها أعتى القوى المعادية لهذه الأمة وطموحاتها المحقة في غد أفضل،
وعلينا أن نتعامل معها وأعين، سلفاً، حجمها وخطورتها والنفوذ غير المحدود – عالمياً – للقوى التي خططت ونفذت هذه الحلقة المفجعة منها،
وإنقاذ الإمام موسى الصدر، وما يرمز إليه ويمثله، يكون بإحباط هذه المؤامرة وإسقاطها دون أهدافها في لبنان وخارج لبنان،
فلنعمل جميعاً لإنقاذ موسى الصدر، ومن خلاله الدور الوطني لرجل الدين.
فلنعمل جميعاً لإحباط المؤامرة.
فكلنا مستهدفون ، وكلنا مرشحون لأن نكون ضحايا لهذا الغموض الموصل إلى الفتنة وإلى تمزيق الصف الوطني.
والحقيقة – هنا – هي سلاح النصر.

Exit mobile version