طلال سلمان

على الطريق فقراء العرب يتوسطون لمنع اقتتال”أشقائهم” الأغنياء هل النفط “الغربي” ثروة قومية؟

هل يحق للفقراء أن يقولوا كلمة في حروب الأغنياء من أشقائهم وشركائهم في المصير؟!
… كلمة غير مرغوبة وغير مطلوبة لأنها غير مدفوعة الأجر وبالتالي فهي غير منضبطة بمزاج هذا الحاكم أو ذاك؟!
هل يحق لنا، مثلاً، أن نسأل: لماذا انفجرت الأزمة القديمة (والمنسية) بين العراق والكويت، وسائر الخليج، في هذا الوقت بالذات، وتحت عناوين القضم والنهب والغدر والطعن من الخلف بخنجر مسموم؟!
لقد ارتكبت العائلة الحاكمة في الكويت، خلال الحرب العراقية – الإيرانية، من الخطايا ما هو أخطر – بالمعنى القومي – مما يتهمها به النظام العراقي الآن، ولكن لا بغداد ولا أية عاصمة عربية أخرى ساءلتها أو رمتها بتهم جسيمة كالتي توجهها إليها الآن.
وعلى سبيل المثال وليس الحصر نكتفي بنموذجين:
*الأول – إن الكويت قد استظلت بالعلم الأميركي لتوفر لشحنات نفطها حماية مدفوعة، ورأينا صوراً لمسوؤليها وهم يتسلمون بالاحترام والتبجيل والتعظيم اللائق علم الخمسين نجمة ليرفعوه بديلاً عن علم الكويت الذي هو – بالمصادفة – العلم القومي العربي ذاته، علم الثورة العربية، مع تعديلات طفيفة في مواقع الألوان..
ولقد تصرفت الكويت وكأنما “النفط يحميه أهله والمستفيدون منه” بغض النظر عن هوية الأرض التي كانت تختزنه حتى جاء”أصحاب الخبرة” فاكتشفوه وأخذوه مقابل ثلاثين من الفضة.
*الثاني – إن الحكم الكويتي قد قمع، قبل فترة وجيزة، واحدة من الظواهر الديموقراطية المعدودة في الوطن العربي، فاقتاد عسكره (؟!) بالقوة إلى السجن مجموعة من خيرة المناضلين القوميين ورجال الفكر والعلم والاقتصاد بجرم إنهم يطالبون بحماية الدستور.. ثم “نظمت” انتخابات “بديلة” عن الانتخابات وفبرك “مجلس وطني” بديلاً عن مجلس النواب بالزور والتزوير، ووهبت رئاسته لصوت سيده منذ أيام الإنكليز.
لكأنما معركة الحماية الأميركية للنفط (والحكم) كانت تستدعي التخلص من مختلف الأصوات المعارضة أو المعترضة وهي التي كانت تمنح الكويت سمعتها الطيبعة في الجزيرة والخليج وسائر الوطن العربي، وتقوم دليلاً على حكمة أو دهاء أو بعد نظر العائلة الحاكمة.
على إن السؤال الأخطر الذي يفرض نفسه اليوم وبإلحاح: النفط العربي لمن؟!
وهو سؤال قديم جداً، لكن الذهب الأسود كان بقدرته على التحول إلى ذهب أصفر أو إلى ذهب أخضر (الدولار) يطوي الجواب المفترض وأصحابه إذا لزم الأمر.
هل النفط العربي ثروة قومية، أم هو كنز مخبوء ومرصود لمكتشفه، أم هو وقف ذري لصاحب النصيب ممن “اكتشف” النفط في “أرضه”، التي لم تكن من قبل “أرضه” في أي حال؟!
لقد تجاوز العربي، ومنذ زمن بعيد حكاية إن “نفط العرب للعرب”. لقد رحلت تلك مع الأحلام والتمنيات التي أطلقتها ذات يوم فكرة الثورة وإرادة التحرر والوعي بالذات.
بات مفهوماً ومسلماً به، مع الأسف، إن ليس للعرب من نفطهم إلا الهم والعبء الثقيل والمخاطر والسمعة السيئة التي طالما تحولت إلى تشهير بذيء بهم جميعاً، قحطانيين وعدنانيين، عرباً عاربة وعرباً مستعربة وبين بين.. وكانت تصيب بالضرر الفقراء منهم في أي حال، فالأغنياء قادرون على شراء الرضا الغربي السامي بالثمن، بالغاً ما بلغ!
… مع التنويه بأن معظم هذه الحملات كانت تمول بفتات استثمارات عوائد النفط العربي، في الغرب، أما الردود المبتذلة والبائسة فكانت تمول مباشرة من عوائد طويلي العمر أصحاب الأرض – الخزان الذين تصرفوا باستمرار على طريقة “كاد المريب أن يقول خذوني”، أو زوجة ذلك الصيني الذي كان يضربها في كل حين “فإن لم يكن هو يعرف سبب ضربه فهي تعرفه بالتأكيد، وتشعر إنها تستأهله”!!
فاصل إعلاني قصير
لأول مرة منذ سنوات طويلة يجيء “مسؤول كويتي رفيع” إلى لبنان!
على امتداد دهر المحنة لم يجيء أحد، وكانت الذريعة دائماً الأمن.. وكنا نفهم ونقدر أن يرى المسؤول الكويتي نفسه أغلى من أشقائه في لبنان. لكن مجيء الموفدين الأجانب، على تعدد جنسياتهم كان يضطرنا إلى إعادة مناقشة الأمر،
الآن وفي سبيل اكتساب “صوت” لبنان إلى جانب نفط الكويت بدلاً من نفط العراق، يجيء من الكويت مسؤول رفيع بغير تخوف على حياته وأمنه. النفط هو الأغلى!
لمن النفط العربي؟!
هذا هو الموضوع، خصوصاً وإن هذا الزمن النفطي هو في رأي كثرة من العرب بين عوامل التردي والانحطاط والعجز العربي السائد والمسلم به كقدر لا يرد.
لقد سقطت أسطورة “نفط العرب للعرب” إذن، ومنذ زمن بعيد.
وسقطت أيضاً أسطورة إن النفط سلاح عربي في المعركة القومية.
وسقطت أيضاً وأيضاً أسطورة إأن النفط ثروة قومية يعود خيرها على مجموع الأمة، بعدما تصرف معظم حكام النفط وكأنهم “محميات أميركية”، وحددوا دورهم (بفضل نفطهم) كخادم للحضارتين الغربيتين – الأميركية والأوروبية، واليابان ضمن الأميركية – ، أما هاجسهم فهو تأمين المدد النفطي للتقدم الإنساني، من دون تعصب لجنس أو لعرق أو لقومية، فلا هوية للنفط ولا سياسة!!
على إن ما تبقى هو الضرر العظيم الذي ألحقته بالأمة “سياسة” حكام النفط، والأغنى بالاحتياطي فالأقل غنى.
صار الشعار: نفط العرب (والعرب) للغرب، وبسعر التراب (؟!) بل ومعه أيضاً التراب الوطني والقومي،
(للمناسبة: أليس مهيناً أن يستخدم التراب للتدليل على ما هو رخيص وبلا قيمة)؟!
وتحول النفط من سلاح بيد العرب إلى سلاح بيد أعدائهم، بعدما ثبت إن أصحابه لا يقدرون على استخدامه لا كثروة ولا كسلاح.
فبسبب النفط يتخذ الغرب الأمة العربية رهينة، ويصادر مستقبل إنسانها الحاضر وأجيالها الآتية، وحقها في التقدم واللحاق بالعصر.
و”بأفضال” النفط العربي يقاتل الفقراء في مصر والسودان وسائر الأقطار الفقيرة، ويستأصل الثوار في فلسطين، وتشتد الضغوط على سوريا، ويشلع لبنان نتفاً، ويهدد الأردن في وجوده ككيان. تطبيقاً لأحكام السلام الأميركي – الإسرائيلي.
و”بأفضال” النفط العربي تتحول العلاقة الأميركية – الإسرائيلية إلى تحالف استراتيجي، وتموّل أكبر عملية تهجير واقتلاع في تاريخ العالم إذ “يستورد” شعب كامل – تحت لافتة دينية مزعومة – إلى أرض غيره ويبيحون له دم أصحاب الأرض وبيوتهم ومزارعهم وتاريخهم ومستقبلهم ووجودهم كبشر فوق سطح الأرض!
و”بأفضال” هذا النفط يموّل الأميركيون تطوير أسلحة الصواريخ والأقمار الصناعية في إسرائيل، لكي تظل وحدها أقوى من مجموع الأمة… وآخر ما أنتجته المصانع العسكرية (الأميركية) في الأرض المحتلة (بخيرات النفط العربي) هليكوبتر من دون طيار ستنضم إلى الأسطول البحري الصهيوني لإنهاء أسطورة إن البحر الأبيض المتوسط بحيرة عريبة، ومعه البحر الأحمر!!
فاصل إعلاني قصير
للمناسبة: بحسبة بسيطة يتبين إن مجموع ما أنفقه حكام النفط العربي على شراء السلاح “الغربي” أكثر بما لا يقاس مما أنفق على مشاريع التنمية التي نفذت (وهمياً أو عبر صفقات خرافية) في أقطارهم.
ومن أسف إن كل أكداس السلاح تلك لم تستخدم ولن تستخدم في أية معركة “قومية”.
في أي حال نتمنى أن ينجح حكام فقراء العرب في تجميد النزاع بين “أشقائهم” من الحكام الأغنياء بالنفط.
فما فينا يكفينا، والحروب القائمة فعلياً تكاد تدمر الحاضر العربي تدميراً،
وبغض النظر عن التقييم السياسي لأدوارحكام النفط العربي في المعركة القومية الأساسية (الصراع العربي – الإسرائيلي)، فليس من عربي واحد يقبل أن تراق قطرة دم واحدة في اقتتال بين الأخوة الأغنياء… خصوصاً وإن الكل يعي سلفاً إن مثل هذا الاقتتال سيضعف العرب جميعاً، أغنياءهم والفقراء، في مواجهة “أصحاب” الامتياز في النفط العربي، أي الولايات المتحدة وحليفها الاستراتيجي إسرائيل.
لكن ما نحوال التنبيه إليه إن الحل لموضوع النفط لا يكون إلا قومياً،
إن كل طرف عربي ضعيف لوحده في هذه المعركة الهائلة، وبالتالي فهو مهزوم حتى وإن زين له إن “هزيمة” شقيقه نصر له.
الكل مهزوم، ولا أمل في الربح إلا بالتضامن وبتوحيد المواقف وبالامتناع عن التواطؤ مع الغريب على الشقيق، وإلا بالتوافق على سياسة عربية نفطية عامة تأخذ بالاعتبارواقع الأمة وموقعها في الدنيا ومصالحها الأساسية.
إن أحداً لا يريد أن “ينهب” من الكويتي نفطه،
ولكن ليس من حق الكويتي، مثلاً، أن يطلب تضامن أخوته المنسيين معه، طالما إنه لم يتذكرهم إلا – كما شقيقته وجارته الكبرى – بكرتونة المساعدات المذلة!
لكي يكون للنفط أهل يحمونهن يجب أن يعترف بهؤلاء الأهل أولاً،
وإلا ظل النفط أقوى وأهم من “اصحابه”، وظل مصدراً لهزيمة قومية دائمة،
ولقد يكون النظام العراقي مخطئاً في توقيت حملته على الكويت (ومن خلفها)، ولقد يكون مبالغاً في اتهاماته لبعض سياسييها، ولقد يكون ظالماً في مطالبه،
لكن حجج الكويت “القطرية” و”الأنانية” جداً و”الغنية” جداً جداً، لا تنفع كثيراً في اجتذاب الناس إلى صفها.
والعرب مع “النفط” بقدر ما يكون “النفط” معهم، وطالما إنه عليهم فمن الصعب أن يتعاطفوا مع “أهله” الذين انفصلوا عنه وانتموا إلى “قومية” أخرى علمها أميركي وفي لغتها رطانة الأجنبي ومصالحه المقدسة… على حساب أمة الفقراء، بأكثريتها الساحقة.
برغم كل ذلك ففقراء العرب مستعدون مرة أخرى لأن يدفعوا من لحمهم حتى لا تقع الحرب بين أخوتهم الأغنياء!

Exit mobile version