طلال سلمان

على الطريق غارة أميركية على الانتفاضة؟

بغض النظر عن مدى فعالية طائرات الـ “أف – 16″ كسلاح أيمركي مضاد للحجارة، فمن حق اسحق شامير أن يرى إنه قد حقق نصراً جديداً لإسرائيل المهتز كيانها بتأثيرات الانتفاضة وحجارة الأطفال في أرض فلسيطن المحتلة.
وهو نصرإسرائيلي على العرب مجتمعين، الذين ما زالوا منتشين بفرحة قدوم شولتس إليهم في عواصمهم، مؤكداً متانة الصداقة الأميركية – العربية، وحرص إدارة ريغان على سلامة عروشهم وتحصينها في وجه الانتفاضة وحجارة الأطفال في الداخل والخارج!
ففي حين يتداعى العرب إلى قمة طارئة على قاعدة خطة جورج شولتس وانطلاقاً منها، فإن رئيس وزراء العدو الإسرائيلي يعود من واشنطن تحف به 75 طائرة حربية جبارة تؤكد استمرار السياسة الأميركية، وثباتها في مسألة الصراع العربي – الإسرائيلي: فواشنطن تريد الجيش الإسرائيلي أقوى من الجيوش العربية مجتمعة، وتريد الكيان الصهيوني أقوى من كل الكيانات العربية القائمة، وهي تضمن أمن إسرائيل في وجه أي خطر قائم أو محتمل، أما العرب فعليهم أن يدفعوا الضريبة مرتين لضمان أمنهم المهدد!
كيف؟!
بسيطة، وها هو الفيلم الممجوع يعاد عرضه علينا للمرة الألف:
بحجة تطمين إسرائيل و”تليين” موقفها، تعطيها الولايات المتحدة المزيد من أسباب القوة، سلاحاً وهبات ومساعدات وأموالاً منقولة.
ثم تحت الذريعة ذاتها تأخذ من العرب المزيد من التنازلات أرضاً وحقوقاً وكرامة إضافة إلى الأموال المنقولة وغير المنقولة!
“هاتوا منكم لنعطي إسرائيل فتطمئن ويخفت صوت التطرف فترضى، ولو على مضض، ولا تلجأ إلى العنف، وأنتم تعرفون شراستها وضعفكم…”.
لقد حققت خطة شولتس، المعززة بنصيحة سلفه العزيز هنري، معظم أهدافها، حتى، من قبل أن تصل الردود العربية الرسمية عليها!
فمن الواضع إن جولات شولتس المكوكية قد أقنعت غالبية العرب بأمرين :
الأول – إن الانتفاضة فلسطينية، ومن الأفضل التعاطي معها بالتالي كشأن “داخلي” إسرائيلي، ويترك للخبراء الإسرائليين أن يتعاطوا،
والثاني – إن الانتفاضة معادية لهم – ملوكاً وأنظمة – بالدرجة ذاتها لعدائها لإسرائيل، وعلى العرب، بالتالي، واجب المساعدة على حصر الانتفاضة داخل حدود الأرض المحتلة حتى لا تخرج منها إليهم فتغدو مشكلة داخلية لمجمل الأنظمة العربية بين المحيط والخليج!
وهكذا “تعاون” العرب والأميركيون والإسرائيليون على محاصرة الانتفاضة حيث تفجرت، بما يحرمها من مداها الحيوي الطبيعي ويمنع عنها المدد وقوة التأثير.
وعبر خطة شولتس فإن المطلوب من العرب أن يكونوا، مرة أخرى، حراس حدود الكيان الصهيوني، يمنعون أي خرق وأي اختراق، بينما تتكفل إسرائيل، جيشاً وشرطة ومستوطنين وأحزاباً ديمقراطية، بالقضاء على الانتفاضة في مهدها.
بهذا يصبح مصدر القوة في الانتفاضة هو مقتلها.. فهي تصير حركة احتجاج يشارك فيها أو هي تخص بعض الفلسطينيين، لا كلهم، تخص في “الداخل” منهم، ولا علاقة لأحد ممن هم في الخارج بها، يستوي في ذلك العرب عموماً بمن فيهم الفلسطينيون!
فعرب الهزيمة مهتمون أساساً بأمر واحد: ألا تصل إليهم الانتفاضة،
والأهم، ألا يجبروا أو يضطروا إلى التواصل معها أو الوصول إليها في أرضها!
ولأن العرب خنعوا فوافقوا على جوهر المنطق، فقبلوا بشولتس وسيطاً ولم يرفضوا خطته كوسيلة علاج، فمن حق إسرائيل أن تحصل على الضمانات الإضافية من الأميركيين!
لكأنما يشتري العرب السلاح لعدوهم، ثم بعد السلاح ومعه يقدمون له التنازل، تارة حتى لا يعتدي عليهم بأكثر مما يفعل، وتارة لكي يتكرم فيقبل بما يعرضونه عليه من تنازلات، ودائماً برعاية الولايات المتحدة الأميركية وبكفالتها!
أي إن العرب يعطون ما لديهم للأميركيين،
ثم يتنازلون للإسرائيليين،
وبعد ذلك يخرجون من لقاء “القمة” وهم يرفعون أيديهم بإشارة النصر باعتبارهم قد اشتروا السلامة فضمنوا “فترة” أخرى من الجلوس فوق سدة الحكم!
… أما من حجارة في الأرض العربية الأخرى؟!
أما من أطفال خارج حدود فلسطين المحتلة؟!
أما من حجر يخرق قلب هذا الليل لتنبثق مع الفجر وعبره وردة الغد النوارة؟!

Exit mobile version