طلال سلمان

على الطريق عينات من مقدمات الحرب الغربية على العرب

تعاظم قرع طبول الحرب حتى ليصم الآذان.
والحرب غربية على العرب، لكن الطبول عربية لحساب الغرب،
فالأنظمة المتهالكة والمدانة عبر تاريخ طويل من الممارسات الشائنة انتقلت الآن إلى موقع الهجوم، واندفعت تحرض على العراق، وسائر العرب تحريضاً فاجراً وتتحدث عن “الضربة” التأديبية الأكيدة، وتكاد تحدد موعدها بالساعة والدقيقة والثانية، كل ذلك بشبق وبغل دفين واتته الفرصة للتعبير عن نفسه بلا خوف وبلا خجل.
ولو إن التحريض يستهدف نظام صدام حسين، أو حتى شخصه وحاشيته لكأن ممكناً إدراج ذلك تحت بند غريزة الدفاع عن النوع وعن المال الحرام وعن ضمان استمرار حكم السيف بالسيف!
ولو إن الأنظمة الفاجرة التي تتصدى للهجوم على الأمة تستقوي بزنود رجالها وبسلاح أنتجته في مصانعها لقلنا: هي حرب “مشروعة” بين أنظمة، ليس بينها نظام واحد شرعي ومشروع، إنها حفلة اقتتال بين عصابات وأسر حاكمة يسيرها منطق “يا روحي ما بعدك روح” أو “أنا ومن بعدي الطوفان” أو “علي وعلى أعدائي يا رب” أو – بالفصحى – : – إذا مت عطشانا فلا نزل القطر”!!
لكن الحملة الاعلامية المسمومة التي لا تقل خطراً عن الحملة العسكرية المصورة لا تتركز على شخص صدام حسين، أو نظامه، بل هي تصيب وتقصد العرب جميعاً، وهي تتناولهم في المقدس من قيمهم وشعاراتهم وحقوقهم الطبيعية.
وهذه الحملة التي تكاد تشمل العالم كله تصوّر العرب – وليس صدام حسين واقرانه فحسب – وكأنهم همج وبرابرة أودعهم سفاح وأكرمهم لص يقامر بمال غيره وأشرفهم خائن لأمته، وكلهم بوجه الإجمال سفهاء وعملاء للأجنبي وطغاة وأشقياء يغدر بعضهم ببعض ويستعين واحدهم على أخيه بالعدو القومي بغير أن تطرف عيناه!
ومن أسف إن بعض النافذين من العرب وبعض مرتزقة الأنظمة النفطية. يشاركون في هذه الحملة بحماسة، ويقولون ما يتورع الغربيون عن قوله ويشهرون بأمتهم فيكشفون مكامن ضعفها وينسبون إليها عورات الأنظمة القائمة ومخازيها.
وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن التوقف أمام بعض العينات الفاقعة، ومنها:
** قدمت الحملة الاعلامية “العراقي” على إنه لص وغاز استباح منزل شقيقه،
*لكنها في الوقت ذاته قدمت “الكويتي” على إنه مبذر مسرف وجبان ومتخل عن “وطنه” فإذا ما استذكره وهب إلى المقاومة تصدرت “تظاهرته” السياحية في كان وسان تروبيز وماربيا أعلام الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا (العظمى).
*أما “السعودي” فقد ظهر في صورتين: المستعين على أخيه بالأجنبين ومبذرأموال الأمة على موائد القمار في النوادي المشبوهة في بعض بلاد الغرب،
*كذلك ظهر “المصري” وكأنه “نداب” محترف و”الصبي” المروج لـ “الفتوة” الأميركي، يدور في الأزقة والأحياء فيحدث عن قوته الخارقة ويخيف الناس بأسلحته العلنية والسرية. مما يرى منها وما لا يرى حتى بالرادار،
*ولقد قدمت الحملة “الفلسطيني” وكأنه مارق ومنافق وغدار، ما إن حلت مصيبة “بمضيفه” الكويتي حتى انقلب عليه متواطئاً مع الغازي العراقي ومشاركاً معه في نهب خيرات “يهود الخليج” وهو يرفع أصبعيه بشارة النصر الشهيرة!
*ومن خلال رحلة العذاب والاذلال بدا المصري ضحية لأخويه الأردني والعراقي، ومع اللبناني كاد يضاف السوري إلى قائمة جلاوزة الاضطهاد.
أين صدام حسين ونظامه من كل هذا؟
هو السبب. هذا مفهوم. لكن التجريح والتشويه والمسخ لا يتناول شخصه أو نظامه، بل هو يطال كل عربي والأمة بمجموعها،
أكثر من هذا: لعل الحملة المسمومة قد خدمت صدام حسين، ولو بشكل غير مباشر، حين ركزت على كشف تخاذل الأنظمة التي تواجهه ومباذل أهلها وسفه بعض الناطقين باسمها..
ولا يكفي، في هذا المجال، أن يقول الأمير بندر بن سلطان عن ذلك المأفون الستعودي الذي خسر 16 مليون دولار في ليلة قمار واحدة: “إنه سعودي بشع”، فصورة “السعودي الجميل” ليست رائجة كثيراً وليست معروفة كفاية،
للمناسبة: ألم يكن من محاسن الصدف أن “يكتشف” منظمو الحملة الإأعلامية أسرار تلك الخسارة الرهيبة في القمار لذلك السعودي البشع، في عز احتدام الحرب العربية – العربية على النفط “الغربي” المختزن في أراضيهم، بحيث بدا وكأن الطامع فيه سفاح والمستولي عليه بغير حق من أهل السفه والميسر والتبذير المذل، مما برر من ثم لجورج بوش أن يدعي إنه إأنما يحمي الإسلام وديارهم المقدسة من حكامهم الفاسدين وأتباعهم الفاسقين!
*** عينة أخرى:
تم تقديم “الوحدة” وكأنها جريمة لا ينتج عنها إلا الشر،
وفي الوقت ذاته تم توظيف الصورة المشوهة للوحدة لتبرير الاحتلال الأجنبي للأرض العربيةز
وهكذا تم تلطيخ شعار الوحدة بالممارسة الفاسدة للنظام العراقي،
وتم إسقاط شعار تحرير الارض العربية باستخدام الاجتياح العراقي للكويت ذريعة لحكام الخليج والجزيرة الآخرين من أجل طلب الحماية الأجنبية،
فالعربي، هو مصدر الخطر على الأرض وثروتها والأسرة ونظامها الملكي المفدى،
أما الأجنبي فهو المنجد والمغيث والحامي والضمانة لاستمرار قداسة الأماكن المقدسة..
وملفت أن تتكدس الآن، وفي أواخر القرن العشرين، جيوش “الكفرة” و”الملحدين” على لاأرض الطاهرة المطهرة التي لم يدنسها أجنبي في تاريخها الطويل، إلا نادراً وكغاز بينما هو يجيئها الآن بالطلب وعلى حساب “أهلها الصيد”!
والنتيجة: لا وحدة، لا حرية،
بل لعل الشعار الصحيح اليوم: الوحدة تذهب بالحرية، والحرية لا تجيء إلا مع الأجنبي
*** عينة ثالثة:
يكاد الأعلام العربي الرسمي وشبه الرسمي المملوك كلياً أو جزئياً من أصحاب السلطة، أن ينقسم اليوم إلى جوقتين:
*أولاهما تحرض الغرب الأميركي، وحتى إسرائيل ، ضد العراق، وتكاد تلوم بوش على تأخره في إصدار أوامره بتدمير بغداد والبصرة والموصل والكوفة والنجف وتكريت الخ.
كذلك فهي تأخذ على تركيا إنها لم تقتطع بعد كركوك مستعيدة (؟!) سيادتها على منابع النفط التي كانت ذات يوم في “خراج” الإمبراطورية العثمانية.
*أما الجوقة الثانية فتحرض صدام حسين على الايغال في تحدي العالم، وتناديه بأن يكمل مسيرته الظافرة “فيقش” السعودية والإمارات وقطر حتى “مجمع البحرين”،
وهذه الجوقة تفح دعاويها مزينة للملك حسين أن يستعيد مع لقب جده “الشريف حسين” أرضه في “الحجاز”، ونجد ، ومستدرجة الريئس اليمني علي عبد الله صالح إلى اقتطاع جيزان ونجران باعتبارهما من “أعمال اليمن”،
ولعل في هذا وذاك من بنود الحملة الاعلامية بعض الحق أو بعض الحقيقة، ولكن تظهيرها الآن وإعادة طرحها في سوق الاستهلاك لا يستهدف غير أن يدمر العرب بعضهم البعض أو أن يظهروا للعالم بمظهر القاصرين ممن يتوجب وضع اليد عليهم وتعيين وصي يتولى المسؤولية تعنهم ريثما يبلغون سن الرشد… إن هم بلغوه في أي يوم!
*** عينة رابعة:
ركزت الحملة الاعلامية الغربية على تعاطف “شعب الانتفاضة” في فلسطين وسائر الأرض العربية المحتلة مع صدام حسين،
والقصد واضح تماماً: وضع الانتفاضة في مواجهة العالم كله، وشطب صورتها الأصلية والتي عرفها بها الغرب والعالم كحركة تحرر تحاول – سلمياً – أن تنتزع من قوة الاحتلال حقها في تقرير مصيرها على أرضها.
والاسهام الإسرائيلي في الحملة الغربية يحاول تقديم الانتفاضة وكأنها تناصر “المحتل العراقي” في غزوه الكويت وضمها بالقوة، وفي تهديده لعرب النفط الآخرين، وفي تعريضه سلامة الأمة والسلام العالمي للخطر الشديد،
وإذا كانت الانتفاضة قد اجتهدت لأن تميز نفسها عن “سياسة” ياسر عرفات ونهجه المفرط فمن باب أولى أن تجتهد في ألا تبدو بصورة صدام حسين ونهجه في استخدام العنف حيث لا موجب للعنف.
لا نقاش في أن مسلك صدام حسين الخاطئ قد تسبب في الكثير من هذه النتائج المفزعة، والتي سنعرف ما هو أكثر منها إيلاماً في المستقبل القريب.
ولا جدال فيأن وقف هذه الحرب الغربية على العرب يستدعي إيجاد حل لأزمة الاجتياح العراقي للكويت، مع التسليم المطلق بحق العراق في علاقة مميزة مع الكويت كائنة ما كانت صيغة نظامها السياسي مستقبلاً.
كذلك فلا مندوحة من إعادة نظر شاملة في مسؤولية العرب جميعاً عن أرضهم جميعاً، بما فيها من ثروات والنفط أساساً، بحيث لا تظل بعض الأنظمة الشوهاء وغير الشعبية والمتهالكة هي المتحكمة بما لا تملك أن تحميه من الثروة،
وغير مقبول على الاطلاق أن يبقى “الفقير” العربي في صورة “المرتزق” عند أخيه الغني العربي، لا يقبله إلا من خلال حاجة الغرب الأميركي إلى غطاء “قومي” وإسلامي كي يعيد احتلال أرض العرب والمسلمين لتأمينه من شرور أخوته (العرب المسلمين) الطامعين والمهاجمين بمليون جندي (هذا غير الاحتياط)، وبقوة عسكرية هي الرابعة في العالم.
وللمناسبة: هذه عينة أخرى من بدع الحملة الاعلامية الغربية،
فمن الضروري جداً تكبير “العدو” العراقي لتبرير اللجوء إلى أقوى قوة ضاربة في العالم، بل وإلى قوى العالم أجمع، وإباحة ما لا يباح، أفليست الضروروات تبيح المحظورات؟!!
لكن هذا كله لا يبرر أبداً أن ينساق بعض العرب في الحملة الغربية المروجة لضرورة تأديب صدام حسين عن طريق تدمير العراق.
فالحرب، إن وقعت، ستكون ضد العرب، ضد حاضرهم ومستقبلهم، ضد كرامتهم وخبزهم، ضد دورهم ومكانتهم في الدنيا، ولن تكون ضد صدام حسين.
ونظام صدام حسين لا يشكل خطراً على الغرب، بل لعله قدم لمصالح الغرب الحيوية خدمات أغلى من نفط العرب كله،
إنها حرب على العرب ذريعتها نظام صدام حسين، وهو بالنتيجة صناعة غربية.
وصحيح إن المهمة الأولى هي منع الحرب بإبطال سببها المباشر، أي اجتياح صدام حسين للكويت.
لكن الأمة أغلى من الكويت،
والأميركي يأتي غازياً ومهيمناً وناهباً للثروة القومية ولاغياً للكرامة والسيادة والحرية والوحدة والعزة والشهامة الخ.
ومن أجل إظهار الأميركي في صورته هذه (الأصيلة والوحيدة) لا بد من سحب موضوع الكويت من التداول،
لا بد من أن يضع العرب يدهم على مسألة الكويت، وبأي ثمن، حتى لا يكمل الغرب الأميركي وضع يده على العرب، أرضاً وشعباً وأنظمة عاجزة.
ولا بد من أن يساعد في ذلك الجميع : صدام حسين ومن معه ودعاة القمة العربية في القاهرة بمن فيهم أولئك الحكام الذين تذرعوا بالخوف لاستدعاء اليانكيز
إن الكل مسؤول.. ولن يستطيع واحد منهم أن يقول غداً إنه بريء من دم هذا الصديق، خصوصاً وإن الأمة ستكون الضحية وليس أصحاب الجلالة والفخامة والسمو (حفظهم الله).
للمناسبة : لم يعتمد هؤلاء العضاريط والصناديد على الله لحفظهم بل فضلوا عليه الأسطول الأميركي..
أما الأمة فيلس لها، بعد الله، إلا ذاتها وقدراتها، والواجب، مرة أخرى، حماية الأمة، فمن لهذه المهمة؟!

Exit mobile version