طلال سلمان

على الطريق عودة الأسير

الأرض هي الأرض لم يزلزها زلزال ولا غمرها الطوفان ولا نجح في تقطيعها وفصلها عن أمها فلسطين “الجيش الذي لا يقهر” لتغور في البحر، فيستتب الأمر لإسرائيل وتطوي التاريخ لتجعله وسادة من الأحلام السنية.
الأرض هي الأرض، بالاسم ذاته، غزة بني هاشم، بالموقع ذاته من فلسطين، حبل سرة يشدها إلى مصر، وجسراً بين بلاد الشام وأرض الكنانة وما خلفها في أفريقيا.
الأرض هي الأرض، بالبؤس ذاته، ينتج المزيد من “اللاجئين” والمخيمات، ثم يعيد إنتاجهم ويعيدون إنتاجه أضعافاً مضاعفة، وبالبأس ذاته: تشجب الثورة في الخارج. فيوكد “الداخل” الانتفاضة ويقتحم بها الدنيا مقدماً للمسحوقين والمظلومين والمعذبين في الأرض سلاحاً فعالاً لا يفله الحديد ولا تأكله النيران ولا تدمره الغارات بالطائرات الأميركية الأشد فتكاً أو بالمروحيات الأميركية ذات الصواريخ الجهنمية التدمير.
الأرض هي الأرض، غزة… لكن “العائد” ليس هو الذي غاب، وليس هو الذي طالما انتظرته وانتظره أهلها فجراً لزمن جديد. لا هو “الثائر” القديم، ولا هو القائد الذي أنجبته الانتفاضة، بل لكأنه يعود على أشلائها. هل هو “الخارج” يدخل، أم هو “الداخل” يخرج من “التحرير” إلى حماية الاحتلال؟! أم أنه رجل فرد هو الداخل إلى الخارج، والآتي بالخارج إلى الداخل، اللاغي الداخل بالخارج، والخارج مكان محظور من يدخله مفقود ومن يخرج عليه فهو المولود، والولادة لا تكون إلا بقوة الداخل لأنك فيه ومنه وخارجه لا تكون.. هو الطلقة الأولى – البشارة وهو الطلقة الأخيرة – النصر.
النصر؟! ليس على قائمة المدعوين. بل لا أحد يحمل هذا الاسم بين “العائدين” من يعطي الإذن بالزيارة هو وحده المنتصر، مع أنه خائف حتى العظم، لأن نصره أكبر منه ولأنه يعرف أن “هزيمتهم” أثقل من أن تدوم. لقد أرهقته انتصاراته، وهم ما زالوا يقاومون ويرفضون وينجبون ويتزايدون حتى لا تنقص أعدادهم الهزائم الأخرى المقبلة.
لكنها “عودة الأسير”… معفارق :أن الأسير هنا هي الأرض لا “الشخص” العائد.
هل تذكرون قصيدة محمود درويش. قبل حوالي العشرين سنة، ويوم أن عاد ذلك الجندي المصري الأسير، بعد دهر الأسر فإذا مصره قد ارتحلت في غيابه وتبدلت حتى كان ينكرها؟!
لعل غزة ستخاطب “العائد” إليها اليوم بلسان الأسير المصري وقصيدة شاعر فلسطين محمود درويش:
“ماذا يقول النيل
“لو نطقت مياه النيل،
“يسكت مرة أخرى ويسألني،
“لتسكت جوقة الإنشاد حول جنازتي
“وخذي عن الجثان أعلام الوطن،
“يا مصر… تحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر،
“غطي حفنة من رمل سيناء
“التي ابتدعت عن العينين والتجات إلى الرئتين،
“وامتشقي دمي،
“وخذي عن الجثمان أعلام الوطن،
“سيناء ليس لها كفن.
“والنيل ينسى
“ماذا يقول النيل، لو نطقت مياه النيل،
“يسكت مرة أخرى، ولا يستقبل الأسرى
“ليسكت ههنا الشعراء والخطباء والشرطي والصحافي،
“إن جنازتي وصلت،
“وهذه فرصتي يا مصر.. أعطيني الأمامن لأموت ثانية شهيداً لا أسير،
“السد عال، شامخ، وأنا قصير،
“قد زيفوا يا مصر حنجرتي وقامة نخلتي،
“والنيل ينسى،
“والعائدون إليك منذ الفكر لم يصلوا
“ولست أقول يا مصر الوداع،
“شبت خيول الفاتحين،
“زرعوا على فمك الكروم فأينعت
“قد طاردوك، وأنت مصر،
“وعذبوك، وأنت مصر،
“وحاصروك، وأنت مصر،
“هل أنت يا مصر
“هل أنت… مصر”
هل أنت يا عرفات عرفات؟!
“هناك حمامتان بعيدتان ورحلة أخرى، وموت يشتهي الأسرى،
“وذاكرتي قوية،
“والآن ألفظ قبل روحي كل أرقام النخيل،
“وكل أسماء الشوارع والأزقة، سابقاً أو لاحقاً،
“وجميع من ماتوا بداء الحب والبلهارسيا والبندقية،
“ما دلني أحد عليك وأنت مصر،
“قد عانقتني نخلة فتزوجتني، شكلتني، أنجبتني الحب والوطن المعذب، والهوية،
“ما دلني أحد عليك
“وجدت مقبرة فنمت،
“سمعت أصواتاً فقمت،
“ورأت حرباً فاندفعت،
“وما عرفت الأبجدية…”.
والأسير ما زال في الأسر، و”العائد” لا يجيء من التحرير ولا يذهب إليه:
“قالوا: اعترف، قلت: اعترفت،
“واصلت يا مصر اعترافاتي
“دمي غطى وجوه الفاتحين ولم يغط دمي جبينك، واعترفت،
“وحائط الإعدام يحملني إليك
“أنت ا لآن تقتربين،
“أنت الآن تعترفين
“فامتشقي دمي،
“والنيل ينسى
“وليس من عاداته أن يرجع الغرقى…”
مع الاعتذار للشاعر الكبير محمود درويش على الاستعانة بقصيدته، ولو أنها تجيء الآن معكوسة، وتبقى الفرحة مع العودة في الأسر،
لم يأت العيدن انتهت لائحة الأعياد من زمان.
لكن الأرض هي الأرض، والناس هم الناس، ولعلها بداية أخرى ففلسطين أيضاً ليس لها كفن..
رد ورد على الرد
تلقيت من السفارة السعودية في بيروت رداً على افتتاحية أمس الأول، الأربعاء، والتي كانت بعنوان “السقوط الملكي”…
والرد ملفت، لأنه رد على رأي، والرأي في ما نعرف ملك صاحبه.. ثم أنه من “المكتب الإعلامي” في السفارة ومن دون توقيع أي أنه من موظف بلا رأي وبلا اسم. مع “ملاحظة” تقول: يرجى نشر هذا التوضيح في المكان الذي نشرتم فيه مقالكم عملاً بأحكام قانون المطبوعات… أي أنه يقترب من أن يكون أمرً، وإن خلا من الختم الملكي.
على أن مضمون الرد مطمئن… فالموظف في المكتب الإعلامي بسفارة السعودية في بيروت يؤكد لنا أن المملكة لم تدع يوماً قيادة العرب، ولا هي خططت لهدف مماثل.
ومع التجاوز عن العبارات غير الودية التي تضمنها الرد، فمن الواجب تنبيه “المكتب الإعلامي” إلى أن قانون المطبوعات لم يصل بعد إلى حد إلزام كاتب الرأي بأن يأخذ تعليماته في ما ينشر وما لا ينشر وأين، وكيف يقول رأيه ومتى، وبأي نوع من البنط، منأي “مكتب إعلامي” وسواء أكان د اخل السفارات أم السرايات أم القصر الملكية المنيفة.
اللهم إلا إذا كان المكتب الإعلامي لسفارة المملكة في بيروت “يبشرنا” بما سوف يكون في ظل ظل الطيف الملكي الذي يعمل جاهداً الآن لإنقاذ “الجمهورية” الثانية ونظامها ا لديموقراطي البرلماني الخالد، بالمفاهيم العميقة التي اقتبسها فآمن بها وجاء يطبقها بغير تحريف.
هنا نص الرد:
“حضرة رئيس تحرير صحيفة “السفير” المحترم.
تحية وبعد
جاء في مقالكم تحت عنوان “السقوط الملكي” (عدد 6816) أن المملكة سقطت في امتحان الأهلية للقيادة ونحن نستغرب هذا الكلام باعتبار أن المملكة لم تدع يوماً قيادة العرب، ولا هي خطططت لهدف مماثل. وهي تحرص على القيام بدورها من خلال المؤسسات العربية سواء منها الجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجي. وهي لم تتفرد يوماً بقرارها، بل كانت تسعى دوماً إلى تنسيق مواقفها مع كافة الدول العربية والإسلامية.
وجل ما تريده العربية السعودية حيال تقاتل الأخوة في اليمن هو تهدئة الخواطر والحث على الحوار، بعد أن يأخذ وقف القتال مجراه، ليتم التفاهم على الصيغة التي تنقذ اليمن وشعبه من الويلات التي يعاني منها.
أما أمثال ما ورد في مقالكم من عبارات طنانة فلا نره يساهم في وأد الفتنة، بل يزيد النار اشتعالاً وهذا ما يأباه كل عربي مخلص. ونرى أن إطلاق التهم والشعارات الكثيفة لا يهدف إلا إلى التضليل، في حين أن المطلوب واحد، وهو إطفاء النار وتبادل الأفكار والسعي إلى حل يطمئن له الشعب اليمني ويقيه المحن وادلمار.
ملاحظة : يرجى نشر هذا التوضيع في المكان الذي نشرتم فيه مقالكم عملاً بأحكام قانون المطبوعات.
وتفضلوا بقبول الاحترام
المكتب الإعلامي
29/6/94″

Exit mobile version