طلال سلمان

على الطريق عهد السنة العاشرة

ما أبعد المسافة برغم قصر المدة: ففي تسع سنوات فقط تبدلت الدنيا، من حولنا، وأكثر من مرة، حتى كدنا ننكرها وتنكرنا، خصوصاً بعدما ارتفعت السدود والحواجز والموانع بيننا وبين أهلنا، في الداخل والخارج.
ولكن، وبرغم كل شيء، فها هي “السفير” تقتحم السنة العاشرة وتصل إلى ناسها في كل مكان: بالمنشورات حين تمنعها العصابات المسلحة، بمكبرات الصوت حين تصادر الكلمة المكتوبة، عبر الاذاعات ووكالات الأنباء العالمية حين يحجر عليها الجلاوزة ورموز الدكتاتورية والقمع في الوطن العربي.
وها هي “السفير” تستقر في وجدان المواطن، في لبنان وسائر الأقطار العربية، مصداقاً لشعاراتها التي حملتها وما تزال تحملها في صدر صفحتها الأولى: صوت الذين لا صوت لهم، جريدة لبنان في الوطن العربي – جريدة الوطن العربي في لبنان.
لقد تزايدت أعباء المهمة بتزايد أعداد من لا صوت لهم،
وتزايدت أيضاً بمقدار تزايد منكري الهوية الأصلية على اللبنانيين وسائر العرب.
ولكننا بقوة الأصالة في أهلنا بقينا وسنبقى، قاومنا وسنقاوم حتى يتحقق الحلم البهي ويتحول الوطن من مشروع طموح إلى حقيقة من لحم ودم،
فلأن “السفير” كانت مع الوطن وقضيته، مع ناسه وهمومهم، فقد وصلت إلى حيث هي الآن تحمل الكثير من سماته – سماتهم : مثخنة، بالجراح، مثقلة بالأعباء، مرهقة بالحزن وغم الأيام السوداء.
على إنها مثله – مثلهم: صلبة الآن كما الرمح، إيمانها جبل ثابت في الأرض، وثقتها غير محدودة في قدرتها على مواجهة كل أعداء الغد الأفضل من المحتل إلى العميل إلى المرتزق إلى باعة الأرض والعرض والسماسرة المفوهين.
لقد أكسبتنا المحنة الإحساس بشرف الحياة. وسنحمي هذا الشرف.
ما أبعد المسافة برغم قصر المدة: إنها دهور من الحروب، ضد الذات كما ضد الآخرين وقليل منها ضد من يجب أن يتوجه إليه العداء.
لكن “السفير” عرفت – مثل أهلها كيف تحفظ العداء كله للعدو الواحد،
لقد خاصمت واختلفت وعارضت واعترضت كثيراً حتى اعتبرت مشاغبة،
لكنها لم تفقد أبداً القدرة على التمييز بين المعادي والمخطئ بين من يريد لنا الموت والفناء ومن يرى رأياً آخر غير الذي لنا،
وبهذا ظلت مؤهلة لأن تقول – اليوم وفي كل يوم – كيف يبنى الوطن وبمن ، ومن هنا لم يسقط من ذاكرتها في أي يوم جيش البسطاء والفقراء في الجنوب والبقاع والشمال وأطراف الجبل المهملة وحزام البؤس من حول قصور الحاكمين والمتحكمين في بيروت.
وظلت مؤهلة لأن تبشر بغد عربي، أفضل، لأنها لم تغفل لحظة عن العدو الحقيقي للأمة، ولم تسقط مرة في قبضة حاكم أو نظام من أنظمة عصر الردة والتردي.
تسع سنوات عجاف!
إن لنا القدرة على أن نرى إطلالة الفجر البهي للغد الأفضل، تماماً مثل أهلنا الذين لم تسحقهم دهور الفقر والعسف وظلوا على ثقة بأنهم سيصنعون – ذات يوم – التاريخ الذي يستحقونه ويستحقهم،
برغم الاحتلال الإسرائيلي، برغم سعد حداد، برغم الانقسامات والخلافات التي أدمت قلب الوطن، برغم ظلمة اليأس وخيبة الأمل والقنوط التي تسو دنيانا وتسوّدها، سنظل نبشر بالغد الأفضل، لأننا واثقون من قدرتنا على صنعه.
ومن عاش مثل هذه السنوات العجاف يكون، بالقطع، أكثر ثقة بالغد.
وبقوة هذا الغد الآتي ستبقى “السفيرط وستستمر ما كانته دائماً: صوت الذين لا صوت لهم، جريدة لبنان في الوطن العربي – جريدة الوطن العربي في لبنان،
تماماً كما سيبقى لبنان: ضمير الأمة العربية ومنبرها ومطبعتها ورئة الحرية، في انتظار أن يعم ضياء الشمس بقاعها جميعاً.

Exit mobile version