طلال سلمان

على الطريق عن الوحدة والإقليميين الجدد!

… عن الوحدة، أيضاً، سنكتب، لأنها في رأينا البداية والنهاية!
فإذا كانت “الوحدة” هي بعض الماضي العربي فإنها هي هي المستقبل العربي، إذ لا مستقبل لهذه الأمة خارج الوحدة سواء كحقيقة مجسمة في دولة أو كدعوة، كرسالة أو كهدف نضالي مجيد.
فالوحدة هي، بالنسبة للأمة العربية، الثورة الكاملة،
بها يمكنها إنهاء وتصفية ترسبات دهور القهر الاستعماري من تخلف وبعض رموزه الباقيات: الطائفية والقبلية والاقطاع والانغلاق الخانق ومجافاة روح العصر.
وبها أيضاً يمكنها الانتصار على محاولات الاحتواء والهيمنة والإخضاع والتمزيق التي تتخذ أشكالاً وصيغاً متعددة، وبراقة أحياناً، هي بعض نتائج العصر الإمبريالي المعقودة زعامته للولايات المتحدة الأميركية.
ففي هذا العصر، وضمن مفاهيمه (المستوردة خصيصاً بالطائرة!!)، وفي خضم القيم النفطية السائدة، تصبح “الإقليمية” نزعة مشروعة إلى الاستقلال، وتصبح “الكيانية” ممارسة لحق تقرير المصير، وتكسب الدعوات الطائفية مشروعية “قومية” مزيفة.
.. أما الدعوة إلى الوحدة، أو حتى التفكير بها، ناهيك بالعمل من أجلها، فتبقى في حكم “الجرائم” التي تهدد المصالح العليا للأمة وتنذر بإثارة الفتن النائمة وتفتح الباب لشرور الحرب الأهلية!
وفي هذا العصر تنكر على الأمة، وعلى المنطقة هويتها، فإذا نحن “الشرق الأوسط”، وإذا قضيتنا القومية “أزمة” عالمية!!! نحمل الاسم المزور والمفروض علينا وعلى أرضنا: أوليس اسمنا في العالم بل وفي صحفنا وإذاعاتنا اليوم “أزمة الشرق الأوسط”!!؟
شرق أوسط؟!
أي شرق، وأي أوسط، وأوسط بالنسبة لمن ولماذا وهل هويتنا “جهوية” أو “جغرافية” فحسب؟! اليست لنا أسماؤنا؟! أليس لنا انتماء محدد ؟! وهذه العلاقة التي يريدون فرضها علينا من خلال الجغرافية (وجغرافيتهم هم بالذات) ألا تمد نفسها إلى التاريخ ولو قليلاً؟!
أنحن فقط بعض براميل النفط، وبعض براميل البارود، التي تهدد لهم “شرق أوسطهم” – بمعنى أنه أوسط بينهم وبالنسبة إليهم فقط؟!
… فإذا خرجنا أو أخرجنا من دائرة الأزمات (أزمة الطاقة وأزمة الشرق الأوسط)، أدخلنا على الفور خانة العشائر بما فيها من بطون وأفخاذ، وهكذا تختفي العروبة الموحدة لتثبت التقسيمات القبلية مثل “السعودية” و”الهاشمية” و”العلوية” كما الحال في مغرب الحسن الثاني.
… وتنبت ممالك وجمهوريات بأسماء الأنهار تارة، والصحارى تارة أخرى، والجهات أو النواحي (بما فيها الأصلي والفرعي)، وتنسج لها أعلام، وتركب لها أناشيد، “وتستورد” لها الجيوش وتقام لها “جامعات” على باب كل منها إعلان بالحاجة إلى طلاب وأساتذة ومدرسين وعمداء ومديرين، بل وفراشين، إضافة إلى التجهيزات والمعامل والطاولات والكراسي وحتى الطبشور!
كل ذلك على حساب الهوية القومية الواحدة لمختلف هذه الأقطار، وعلى حساب الانتماء العربي الواحد لأبنائها وحكامها، بل ولاسيما لحكامها الحريصين على تأكيد عروبة أنسابهم وامتداد جذور شجرة العائلة الكريمة لكل منهم في بطن التاريخ العربي حتى الجاهلية!
… ومتى نجح الحكم، في أي قطر، في تغييب الهوية القومية، سهل عليه من ثم أن يحور ويزور كل شيء: أن يغلق أبوابه في وجه العرب الآخرين (وبالتحديد الفقراء منهم) وأن يعبئ “شعبه” لقتال أشقائه – الجيران تحت أي ستار أو شعار ابتداء من “ضرورة رد الاعتداء على تراب الوطن” إلى “واجب التصدي للذين يحاولون المس بالسيادة الوطنية”، إلى “رد الطامعين بخيرات البلاد” إلى “ضرورة مقاومة نزعة التوسع والبونابرتية” إلى “رفض الخضوع لتحكم الأغراب والطارئين”، وأخيراً وليس آخراً إلى “ضرورة حماية النظام والثورة في وجه الذين يريدون إخضاع الشعب عن طريق ضرب نظامه الثوري وتهديم منجزاته”.
وهكذا ينتهي الأمر بالأمة، في غياب الوحدة أو تغييبها، ولو كهدف نضالي إلى مجموعة جزر متباعدة، متباغضة، متقاتلة، بالدم والسلاح وأموال النفط!!، وخاضعة بالنتيجة – شاءت أم أبت – لمنطق الدومينو الأميركي.
للتوضيح لا أكثر، نورد نماذج مما أقدم عليه النظام المصري عشية الذكرى العشرين لقيام أول دولة للوحدة في التاريخ العربي الحديث، وهي الدولة التي قامت بقيادة مصر وبزعامتها بالذات:
*في شوارع القاهرة، يسير أهل النظام ويسيرون معهم “الجماهير” في تظاهرة تهتف “لا لفلسطين” و”لا فلسطين بعد اليوم”!! ويوجهون الاهانات إلى قبرص وشعبها الطيب الذي يذكر ولا يمكن أن ينسى أن العرب وقفوا معه في المحن التي فرض عليه أن يعيشها، ووقف معهم ولا يزال في محنهم المستمرة والمفتوحة!
*ومن القاهرة، كان النظام يبعث بأعداد من المتطوعين (قدروا بخمسة آلاف) ليقاتلوا في الصومال، بشعار محدد: طرد “النفوذ السوفياتي” وهذا معناه التمكين للهيمنة الأميركية!
*… ويبعث بأسلحة إلى تشاد، حماية لبقايا النفوذ الفرنسي فيها، المجلل بالهيمنة الأميركية على معظم أفريقيا، كما على معظم أوروبا ومنها فرنسا بالذات. وأيضاً لحماية التخلف والقهر الطائفي للأكثرية الساحقة من شعبها.
*… ويبعث بقوة كوماندوس إلى قبرص لتقتل شابين عربيين لم يدافع أحد عن جريمتهما، وليقتل معهما مجموعة من المواطنين العرب (الرهائن) وأيضاً تلك الصلة النضالية الخاصة التي تربط بين قبرص وقضايا العرب.
قبل ذلك كان النظام المصري يوجه تهديدات إلى أطراف جبهة الصمود والتصدي، ويهدد لبنان (وعبره سوريا والفلسطينيين)،
وقبل ذلك كان يدفع بقواته المسلحة لتقاتل الجماهيرية العربية الليبية،
… ولتقاتل إلى جانب الفرنسيين والمغاربة والمرتزقة، ضد شعب زائير.
وكان، ولا يزال يسير بخطى حثيثة نحو التحالف مع العدو القومي والحضاري للأمة: إسرائيل!
ومؤكد أنه ما كان بوسع السادات، أو غيره من الحكام، أن يفعل هذا كله، أو بعضه، لو أن التيار الوحدوي (وهو هو التيار الثوري) قوي ومعافى.
ولا حل لهذه الأمة وقضاياها خارج التوجه الوحدوي، والعمل الوحدوي، والدعوة الوحدوية.
فالوحدة، مرة أخرى، هي البداية وهي النهاية: هي الثورة، هي الغد الأفضل، وهي الضمانة الأساسية لكي لا نتحول إلى “رعايا” في “الإمبراطورية الإسرائيلية” أو “الإمبراطورية الإيرانية” وفي الحالات جميعاً “أتباع” للسيد الأميركي العظيم.

Exit mobile version