طلال سلمان

على الطريق عن الحوار الوطني

صحيح تماماً أن يقول رئيس الحكومة أن الصحافة قادرة ومهيأة بل ومطالبة بلعب دور كبير في مجال تنشيط الحوار الوطني،
إن الصحافة اللبنانية كرست، عبر مجلس نقابتها الحالي، إيمانها بحق الفرقاء جميعاً في الوجود وفي التعبير عن معتقداتهم ووجهات نظرهم المختلفة. ولم تكن مصادفة أو ضربة حظ أن يفوز في القائمة، وبالإجماع، رئيس تحرير جريدة “العمل” الكتائبية. لقد تجاوز الصحافيون، وفيهم الشيوعيون والقوميون والبعثيون، أجواء الصراع السياسي التي كانت سائدة في ربيع العام الماضي، وأعطوا أصواتهم للزميل جورج عميرة، برغم غيابه عن الاجتماع، ليس فقط بدافع الحرص على هامش التضامن المهني بل أساساً بدافع تأكيد إيمانهم بالحرية، التي تكون للجميع أو لا تكون لأحد.
وليس جديداً القول إن لبنان هو المرآة المعاكسة لواقع حال العرب، بعجزه وبحره، بالحسن فيه والسيء.. فمن باب أولى أن تكون صحافته صحافة كل العرب.
أليس لبنان هو نافذة العرب على العالم؟! أليس هو مطبعة العرب ومركزهم الإعلامي الأول، إضافة إلى كونه مصرفهم ومصيفهم ومدير علاقاتهم العامة (والخاصة) ومترجمهم وصلة الوصل مع حضارة العصر؟!
صحافة لبنان، إذن، هي المنبر الرئيسي للحوار الوطني، ونحن نفهم من هذا أن تكون الصحافة اللبنانية هي المنبر والإطار الطبيعي لمجموعة حوارات، بينها:
الحوار اللبناني – اللبناني الذي لا غنى عنه مطلقاً كما لا يجوز تأخيره أكثر مما تأخر،
والحوار اللبناني – الفلسطيني الذي آن الأوان لفتح أبوابه على مصراعيها بعد كل الذي كان،
الحوار العربي – العربي حول لبنان وجوداً وحدوداً، دوراً ورسالة، حقوقاً وواجبات في معركة المصير الواحد.
لكن الحوار ليس مناجاة وجدانية، ولا هو “مونولوج”، أو نشرات داخلية.
الحوار يفترض، كشرط لقيامه، الاعتراف بالجميع وبحق الجميع في التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم بلا قسر ولا تشويه نتيجة الاجتزاء أو الانتقاء لما يلائم المزاج بحجة الحرص على السلامة العامة.
الحوار الوطني المفتوح هو ضمانة للسلامة العامة،
الحوار بما هو عرض وتحليل ونقد مسؤول ونقد ذاتي واستخلاص دروس من التجربة المرة، وصولاً إلى قناعات موحدة تصلح أساساً لبناء وطن واحد موحد لكل أبنائه بانتماءاتهم المتعددة واتجاهاتهم الوطنية المتنوعة.
الحوار الوطني؟!
إنه مطلب للصحافة وليس موضوع مطالبة لها،
ومعروفة سلفاً “الأصول” الواجب مراعاتها، بسبب الظروف الراهنة ودقة المرحلة وحساسياتها الكثيرة،
وطالما أن لبنان الرسمي متمسك بالحرية وبالنظام الاقتصادي الحر الذي عماده المبادرة الفردية، كما أعلن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في أكثر من مناسبة،
وطالما أن الحرية كل لا يتجزأ،
وطالما أن التاريخ قد علمنا أن علاج الأخطاء الناتجة عن ممارسة الحرية إنما يكون بمزيد من الحرية،
فلماذا لا تشرع، والحالة هذه، أبواب الحوار؟
ومع التزامنا بمنطوق القانون الذي نظم الرقابة على الصحف، فإننا لا نملك الجواب على هذا السؤال، كما لا نملك أن نمارس دورنا في فتح باب الحوار الوطني وتنشيه، مع كون هذا الدور مطلباً لنا وللآخرين.
والكلمة، بعد، للدولة،
وقد آن، في رأينا، أن تهجر الدولة الصمت، ولو للحظة تأذن فيها لغيرها بالكلام،
وبعدها لا بأس أن يعود أهل الصمت إلى صديقهم الحميم.

Exit mobile version