طلال سلمان

على الطريق علي عسيران: الحرب ضد المواطن!

نتمنى أن يكون الذين اختطفوا (او احتجزوا حتى هذه الساعة) علي عسيران “هواة” لا يعرفون الرجل ولا يقدرون خطورة ما أقدموا عليه، وفي هذه اللحظة السياسية بالذات.
نتمنى أن يكونوا أفراد عائلة لها مختطف أو محتجز أو مغيب، سد الغضب منافذ عقلهم واستنفر الظلم عواطفهم وغرائزهم فألجأهم إلى مثل هذا الأسلوب المستهجن والمستنكر وغير المجدي، بل والمسيء لقضيتهم (إن كان لهم قضية) ولبلادهم وسمعتها، إن كانوا يحرصون على هذه البلاد أو ما تبقى منها ومن سمعتها،
فاختطاف علي عسيران، أو احتجازه، خطأ سياسي قاتل يتجاوز بأبعاده حدود الجريمة، ومرتكب هذه الفعلة أصاب مقتلاً فينا جميعاً، كلبنانيين، كعرب، كمسلمين، وكأصحاب قضية عنوانها تحرير الأرض والإنسان.
لهذا نتمنى أن يكون الدافع الجهل بالرجل الهادئ والطيب والصلب في إيمانه بمبادئه، وكذلك الجهل بالأبعاد الخطرة لمثل هذه الفعلة النكراء، فذلك يهوّن الخطب ويسهل المعالجة مهما بلغ حجم الألم.
وبين هذه الأبعاد، للذين لا يعرفون:
1 – في التوقيت: تجيء حادثة الاختطاف بينما لبنان، والمعنيون بمصيره، لما يفيقوا من صدمة اغتيال رئيس حكومة الوحدة الوطنية ورجل الدولة الأبرز والمرتكز المفترض للحل – التسوية العتيدة، رشيد كرامي.
ومهما بلغ الناس من حسن النية فلن يستطيعوا أن ينظروا إلى الفعلة الشنيعة الجديدة إلا وكأنها تتمة لاغتيال الدولة ورجلها ممثلة برشيد كرامي، أو إنها – في أبسط التوصيفات – تستهدف التغطية على ذلك القتل المقصود لاحتمالات الحل في لبنان، وضمنه بطبيعة الحال الدور السوري الذي لا غنى عنه ولا بديل له في الحل، أي حل.
2 – وفي التوقيت أيضاً: تجيء حادثة اختطاف علي عادي عسيران بينما سمير جعجع يجهر، تقريباً، بمسؤوليته، بكل من يمثل وما يمثل من ارتباطات عن اغتيال الجمهورية اللبنانية التي عرفنا، ومصادرة ما تبقى منها لحساب “دولته” الجديدة التي شعارها محاربة العرب، داخل لبنان وخارجه، بالاستناد إلى العدو الإسرائيلي.
3 – في اللحظة السياسية: يجيء حادث الاختطاف، بعد أسبوعين من اغتيال كرامي، وفي محلة الأوزاعي، لتؤكد أن ليس ثمة ضمان أو أمان للزعماء السياسيين لا هنا ولا هناك، فإذا كان الاختراق “هناك” قد نجح في قتل رئيس الحكومة فلقد نجح “هنا” في احتجاز نجل وزير الدفاع، وإذا كان سهلاً تحديد العدو الإسرائيلي كمخترق هناك فمن هو المخترق هنا؟! وإذا كان التواطؤ هناك قد سهل للإسرائيلي الاختراق فمن المسؤول عن الاختراق هنا، ولماذا المطالبة بالحساب هناك والسكوت عن المخترق هنا والتعمية عليه؟!
ومفهوم إن اغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي يعني، أول ما يعنيه، إعلان الحرب على الدور السوري في لبنان، فمن يحارب الوجود السوري والدور السوري في الأوزاعي؟!
ثم إن شخص علي عسيران، الهارب من السياسة والانغماس فيها، المعبر عن قرفه منها ومن قذارات لعبتها وأساليب اللاعبينن فيه الكثير من مواصفات الرمز.
إنه أحد رموز تيار سياسي موجود وفاعل في جبل عامل،
ثم إنه نجل أحد أكبر الدعاة للمقاومة واعتماد الكفاح المسلح طريقاً للتحرير. وكلنا يذكر لعادل عسيران، الشيخ الجليل المعمم بالشيب والوقار والإرادة الفولاذية، ذلك الموقف التاريخي في لوزان (آذار 1984)، حين وقف واستوقف المؤتمرين ليرفع راية المقاومة، متجاوزاً البازار الطائفي المفتوح على مداه، والمناقصات أو الصفقات السياسية الرخيصة التي كانت سوقها رائجة لكل راغب في الشراء والبيع أو للعب دور السمسار الشاطر.
وقبل هذا وبعده هو أقرب ما يكون إلى صورة المواطن النموذجي، لا يخون الأمانة ولا يسكت عن خائنيها، لا يتاجر بالطائفية ولا يمشي في ركاب المتاجرين، لا يخدع ولا يخادع، لا يقبل بالزور والتزوير واستغفال الناس،
كل هذا مع هدوء في الطبع ومجانبة للتطرف والمعارك الجانبية، وابتعاد عما لا يفيد الناس، وامتناع عن الظهور والكلام الأجوف واستغلال مكانة أسرته وموقع أبيه.
إن المواطن العادي، كل مواطن عادي، محتجز الآن،
وكذلك فكل من يقرأ في السياسة ولا يمارسها، فكيف بالممارس، يشعر بالسيف مسلطاً على رأسه، فاحتجاز علي عسيران إرهاب فعلي لكل صاحب رأي مختلف، ولو مضمراً، ولكل من يستضيف أجنبياً ولو كان صحافياً،
ثم إن احتجاز علي عسيران يتجاوز التجرؤ على موقع عادل عسيران النائب والوزير، ليشكل تحدياً مكشوفاً للوجود العسكري السوري وبالتالي للدور السياسي السوري في لبنان.
من هنا إننا نرى في الحادثة حرباً على “الجبهة الغربية” تعادل في خطورتها الحرب المعلنة والمستعرة نيرانها على “الجبهة الشرقية”،
هناك حرب ضد الدولة،
وهنا حرب ضد المواطن،
وفي الحالين هما حرب واحدة ضد الحل،
من هنا نتمنى أن يكون الذين احتجزوا علي عادل عسيران “هواة” لا يعرفون الرجل ولا يقدرون خطورة ما أقدموا عليه،
نتمنى، ونحن نعرف إن التمني لا يستند إلى ما يبرره.
ولكنها فرصة للذين احتجزوا علي عسيران كي يتراجعوا قبل فوات الأوان، فذلك أقل فداحة من الحرب الجديدة ضد من تبقى من اللبنانيين الصامدين في الوطن وعلى الإيمان بقضيتهم فيه،
فعلي عسيران، مثل جان عبيد، هو المواطن الأخير في دولة تعيش أيامها الأخيرة.
وإطلاقه يعادل في أهميته الاختطاف ذاته، فهو يمنع حرباً بدل من أن يصير وقوعها قدراً محتوماً،
وعلي عسيران، مثلنا جميعاً، ضد الحرب، حتى لو كانت من أجله.

Exit mobile version