طلال سلمان

على الطريق على هامش قمة الخرطوم: الادانة – البراءة!

أعان الله ممثلي عرب أفريقيا على موقفهم اليوم، في الخرطوم وهم يواجهون رؤساء دول هذه القارة الصديقة، بل الشقيقة، ليناقشوا معاً هموم معركة التحرر والتقدم الإنساني المشروع!
فمن حق هؤلاء الرؤساء الأفارقة أن يلتفتوا إلى العرب، والسادات فيهم وبينهم، ليسألوهم، بشيء من الاستهجان، عن أي تحرر أو تقدم تتحدثون ووزير خارجية مصر يجلس في هذه اللحظة بالذات إلى وزير خارجية عدوكم (السابق؟) وعدونا، الإسرائيلي، تحت رعاية وزير الخارجية الاميركي وفي ضيافة وزير خارجية بريطانيا العظمى؟!
بل إن من حق هؤلاء الرؤساء، وفيهم أصحاب تاريخ مجيد في النضال ضد الاستعمار بأشكاله كافة، المباشرة وغير المباشرة، وأساساً بالدويلات العنصرية – الاستيطانية التي أقامها في ديارهم بقوة السلاح، أن يعتبوا على العرب، وأن يسجلوا عليهم تخليهم عن رفاق السلاح في معركة المصير الواحد من أبناء الشعوب الأفريقية المضطهدة والمقهورة والمنهوبة خيراتها على يد هؤلاء الذين يجالسهم ويباسطهم ويتنازل أمامهم وزير خارجية مصر: كبرى الدول العربية، وزعيمة حركة التحرر في هذه المنطقة وفي أفريقيا، ذات يوم.
ذلك إن وزير السادات يتنازل ليس فقط عن حقوق عربية صريحة، بل أيضاً عن حقوق أفريقية (وآسيوية، وأميركية لاتينية، وحتى أوروبية)… والأرباح الهائلة التي جناها ويجنيها موشي دايان (ومعه فانس وكالاهان) ستصيب بنعمتها وبشكل خاص ايان سميث وفورستر وغيرهما من زعماء الدويلات العنصرية – الاستيطانية في أفريقيا.
أما الثمن فسيدفعه كل ثائر وكل مناضل وكل طامح إلى غد أفضل في أربع رياح الأرض، والعربي جان وضحية في الوقت ذاته لكن دور الجاني (ولو على نفسه) هو الجديد وهو غير المنطقي وغير الطبيعي وغير المقبول.
وبالتأكيد، سيكون من الصعب أن يفهم هؤلاء الأصدقاء الأفارقة كيف انتهى، وبغمضة عين، الصراع العربي – الإسرائيلي، بكل تاريخه الحافل والمثقل بالحروب والثورات والقضايا المبدئية، وبكل ما يمثله كمحور رئيسي من محاور نضال الشعوب في العالم الثالث بل العالم كله، ضد قوى القهر والنهب والاستغلال الإمبريالي؟! فالسياسة المصرية تصور هذا الصراع، الآن، على أنه “خصومة شخصية” بين أنور السادات ورئيس حكومة إسرائيل مناحم بيغن: ألم “يحلف” الرئيس المؤمن ألا يلتقي “هذا الإرهابي العتيق”، بعد اليوم، وفضل عليه سلفه وخصمه شيمون بيريز، ثم مضى في “مكايدته” إلى حد توجيه الدعوة إلى رؤساء أحزاب المعارضة الإسرائيلية جميعاً، إضافة إلى استدراج ، عازار وايزمان، وزير دفاع بيغن، إلى سالزبورغ ليعقد معه – وهو “الصديق الحميم” – الصفقة المستحيلة؟
من الصعب أيضاً، أن يفهم هؤلاء الأصدقاء الأفارقة كيف طلب ولا زال يطلب إليهم أن يقطعوا علاقاتهم بإسرائيل، بينما العلم الإسرائيلي يخفق سعيداً في سماء القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية، وكيف عليهم أن يقبلوا ويستقبلوا ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية في عواصمهم بينما مكاتب هذه المنظمة مقفلة ومختومة بالشمع الأحمر في العاصمة العربية والأفريقية الأكبر؟!
إن جريمة قومية كالتي ارتكبها السادات تبدو أكثر ما تبدو بحجمها الطبيعي في هكذا مناسبات: في لحظة مواجهة الآخرين!َ في لحظة استحالة الكذب على العالم! في لحظة ضبط الفاعل ملتبساً بالتعدي على الناس جميعاً.
إن حق الأفريقي لا يقل أبداً عن حق العربي في إدانة السادات، فهو متضرر تماماً مثل أي مواطن عربي بين المحيط والخليج.
لهذا يصبح ضرورياً وأساسياً أن يخوض عرب أفريقيا المعركة ضد السادات في قلب مؤتمر القمة الأفريقي، ولتسقط أرضاَ كل تلك المحاذير والادعاءات السخيفة التي تقول بأنه لا يجوز أن ننشر غسيلنا القذر أمام عيون الغير.
فإدانة العرب للسادات كل يوم وفي كل مكان، هي تأكيد لانتمائهم الأصيل والثابت إلى معسكر الثورة في أقطارهم كما في أفريقيا وسائر أنحاء العالم.
وإدانة السادات هي أولى الخطوات لتبرئة الذات، في الخرطوم كما في كل عاصمة عربية.

Exit mobile version