طلال سلمان

على الطريق عصر الجمل الناقصة!

قبل حرب رمضان بثمانية عشر شهراً، ورداً على إعلان الملك حسين مشروعه بإقامة “المملكة العربية المتحدة” قدم الرئيس أنور السادات للفلسطينيين هدية تؤكد انحيازه الكامل لهم حين أعلن أمام مجلسهم الوطني (نيسان 1972) قطع علاقات مصر بكل أنواعها، مع النظام الأردني.
وبعد حرب رمضان بأربعة شهور، توجه الرئيس السادات بنصيحة محددة إلى الملك حسين مفادها ومؤداها أن أترك الفلسطينيين وشأنهم فماذا جاءك منهم غير ا لتعب والاتهامات ووجع الرأس؟! لتكن دولتك صغيرة ولكن مريحة فذلك أفضل من أن تكون كبيرة لكن أوضاعها متفجرة.
اليوم، يدعو الرئيس السادات الفلسطينيين ليس فقط إلى مصالحة الملك حسين تحت مظلة الشعار الخالد “عفا الله عما مضى”، وبعد المصالحة يمضي كل في طريقه، وإنما أيضاً إلى تنصيبه كرة أخرى ملكاً عليهم.
أما الملك فيصل فقد صارح الفلسطينيين بما معناه أنه ليس مستعداً لضمان أي اتفاق جديد مع الملك حسين، وفي هذا إشارة واضحة إلى أن عليهم أن يتفقوا مع العاهل الأردني مباشرة.
بالطبع، يظل من حقهم أيضاً، وحق المنطق السعودي، أن يختلفوا مع الملك حسين، لكن عليهم في هذه الحالة أن يتحملوا نتائج الاختلاف التي وضعها الرئيس السادات بأنها ستكون حرباً أهلية عربية!
وإذا كان ثمة مفارقة في الموقفين المصري والسعودي، تتمثل في تصدي السادات لمخاطرة كانت في السابق من اختصاصات الملك فيصل، فإن هذه المفارقة لا تخفى تلاقي سياستي البلدين مع سياسة واشنطن (والأردن بطبيعة الحال وأطراف أخرى) عند مشروع المملكة المتحدة إياه.
وواضح إن الرئيس السادات لم يكن يتوقع رد فعل للبيان عنيفاً كالذي حدث فعلاً ولا زالت أصداؤه مسموعة، بدليل مسارعته ووزير خارجيته إسماعيل فهمي إلى تقديم مجموعة من الشروح والتفسيرات بقصد التخفيف والايحاء بإمكانية تعديل… ثم بدليل التنازل عن المؤتمر الرباعي والدعوة إلى لقاء ثلاثي (مصري – سوري – فلسطيني) لمناقشة الأمر وحصر الخلاف في أضيق نطاق ممكن بالاعتماد على السوريين.
على إن مسارعة دمشق إلى تمييز موقفها عن موقف القاهرة، كما ورد على لسان الرئيس الأسد أمس الأول، ربما زادت، من قلب الرئيس السادات.
ذلك إن الرئيس السادات بات خبيراً بدلالات إنصاف الجمل التي تستخمها دمشق في حالات عدم الرضا، والتي يكثر استخدامها الآن في العاصمة السورية.
ولعل الإشارات الودية تجاه العراق هي إنصاف جمل مصرية رداً على ما تغمغم به دمشق… كما أن زيارة عرفات لموسكو، في هذا الظرف بالذات، هي جملة فلسطينية ناقصة بانتظار أخبار القاهرة ودمشق وبغداد والجزائر.
والتساؤل الذي يمض المواطن العربي وهو يواجه مرحلة مثيرة ودقيقة إلى أقصى حد: حتام سيظل محكوماً عليه بأن يعيش في ظل الجمل الناقصة؟…

Exit mobile version