طلال سلمان

على الطريق عشرة أيام بركات يا سي الأخضر..

عشرة أيام “بركات” يا سي الأخضر،
وثلاثة لقاءات مع “الضابط المتمرد” الذي يستهجن أن يرمى بهذه “التهمة”، بركات يا سي الأخضر… خصوصاً وإن نتائجها الهزيلة توحي بأن رابعها لن يكون أسعد حالاً.
يعرف الجميع إنك، بحكم مسؤوليتك القومية، وبحكم صفتك التمثيلية للجنة العربية، حريص على نجاح مهمتك بتقريب زمن الحل للمأساة العربية في لبنان،
ويعرف الجميع عنك صبرك وطول اناتك وحزمك متى لزم الأمر، وإنك تهتم بالمضمون مضحياً بالشكل، متى اقتضت المصلحة التضحية،
ويعرف الجميع إن مهمتك دقيقة بطبيعتها، فمن تلقاه وتحاول محاورته وإقناعه، شخص موتور وغير طبيعي، فهو مسكون بأوهام العظمة، ويرى نفسه مركزاً للكون،ويعتبر إن العالم بحاجة إلى اعترافه في حين إنه لا يحتاج اعترافاً من العالم!
لكن الأمر قد طال، يا سي الأخضر، بحيث بات يخشى على مهمتك ذاتها، وعلىفرص استنقاذ مشروع الحل العتيد،
فأنت – كما تعرف – لا تتحرك في فرغ، ووتيرة التطورات في الداخل قد تكون بطيئة، لكنها على اتساع الأرض العربية من حولنا متسارعة، وهي في الدنيا بأسرها مذهلة الاندفاع.
وميشال عون يراهن، أولاً واخيراً، على التطورات في الداخل وأكثر منها على التطورات في الأرض العربية، بما فيها الأرض المحتلة التي ترجها الحركة الصهيونية النشطة لاستيلاد إسرائيل الكبرى.
عشرة أيام “بركات”، يا سي الأخضر…
واللقاء الرابع يجب أن يكون الأخير، يا سي الأخضر، وإلا أصاب التشوه صورة مهمتك النبيلة.
فأنت كبير بمن تمثل، يا سي الأخضر، كما أنت كبير بمهمتك وبتاريخك الشخصي، ولا ترضى أن يوظف ذلك كله من أجل “تعويم” الضابط المتمرد على حساب الشرعية وحكمها واتفاق الطائف وأهله ممثلين باللجنة العربية الثلاثية وسائر العرب والتأييد الدولي شبه الشامل.
وبالتجربة الحسية فلقد ثبت أن ميشال عون يتقن الحوار، ولا يفهم إلا لغة لا تتقنها أنت (ولا نحن)، ولا يقنعه إلامن يخاطبه “بلطف” ناري محرق… هذا إذا ما تناسينا لغة الأرواح والمندل والبصارة وصورة مار الياس وهو يبتسم له مشجعاً.
ثم إن “عناد” ميشال عون و”تصلبه” ومماحكاته معك وهربه من تحديد موقف مما تطرح عليه يصيب مهمتك بأضرار تتجاوز قدرات الضابط المتمرد وأوهامه.
فالكثيرون يتربصون بك الآن، وبمهمتك، ليطالبوك بمثل ما “أعطيت” ميشال عون من وقت وجهد وعناية وحرص على الدور والمكانة في قلب الشرعية واتفاق الطائف، وعلى حسابهما إلى حد ما.
ولعل الحرب على إقليم التفاح تكشف بعض هؤلاء المتربصين.
وأنت تعرف بالتأكيد إن العديد من المسؤولين والقياديين، في الحكم وخارجه، أخذوا يتملصون من التزامهم باتفاق الطائف متذرعين بمثال ميشال عون الذي “يكافأ” الآن ويكرم (بزياراتك وعروضك والضمانات؟) بدلاً من معاقبته لمناداته بإسقاط الطائف.
وعلى سبيل المثال فإن بعض “كبار القوم” يرددون الآن ما مفاده: “- هل تريدون منا، نحن الموارنة، أن نقاتل لإقرار التعديلات الدستورية التي يستوجبها اتفاق الطائف؟! هذا لن يكون أبداً، فهذه معركة إسلامية”، وهذا واجب “المسلمين”…
وعلى سبيل المثال، أيضاً، فإن حلفاً مشبوهاً أخذ يطل على الساحة بين بعض “الشركاء” في المصلحة وفي اعتناق المارونية السياسية، من الزعامات التقليدية، وفيهم “المسلم سكر زيادة” و”المسيحي سكر زيادة”، وبين أهدافه المعلنة عرقلة إقرار التعديلات الدستورية، بتعطيل انعقاد المجلس النيابي، ما أمكن ذلك، وبتهريب النصاب إذا ما أمكن ترتيب عقد الجلسات ولو بصفقات جانبية!
وعلى سبيل المثال، أيضاً وأيضاً، فإن صورة “الشرعية” الضعيفة أصلاً تهتز أكثر فأكثر مع كل “طلعة” إلى بعبدا ونزولك منها بخفي الجنرال… حنين!
لهذا كله ولأسباب أخرى عديدة تعرفها أكثر مما نعرفها نقول بلسان الحريصين على مهمتك، وعليك شخصياً، وعلى اللجنة الثلاثية، وعلى اتفاق الطائف وعلى هذه “الشرعية”، وعلى الوعد بالحل، عشرة أيام بركات، يا سي الأخضر، وثلاثة لقاءات واستطراداً أربعة بركات، يا سي الأخضر،
ربما يكون قد حان دور غيرك من أصحاب الأنياب و”اللطف” الناري المحرق،
ربما يكون قد بات ضرورياً أن “يعترف” العالم يميشال عون،
… خصوصاً وقد انزاحت الغلالة عن عيني قداسة البابا فبات يرى الأمور بصورة واضحة، نسبياً، ويدرك بالملموس أن ميشال عون خطر على المسيحيين وعلى امتيازاتهم وموقعهم الممتاز في لبنان أكثر من أعتى خصوم المارونية السياسية.
سرقوا حتى الصورة!!
في العالم حملة إعلامية منظمة تمولها وتغذيها الدوائر الصهيونية تحاول أن “تسرق” من الفلسطيني صورته كلاجئ مشرد، بلا مأوى،
يومياً تبث وكالات الأنباء العالمية عبر الأقمارالصناعية صوراً لأسر يهودية بائسة، تفترش الأرض وتلتحف السماء في أرض الميعاد،منتظرة إحسان المحسنين لكي تكون لها أربعة حيطان وسقف تمنحها المأوى وتدرأ عنها مخاطر الحر والقر ووعثاء الطريق من بحر البلطيق إلى البلاد المقدسة.
وفي الصور أمهات فقثرات يغلسن المزق المسماة ثياباً في العراء،
… وأطفال يستحمون في “اللكن” في قيظ الظهيرة، ربي كما خلقتني!
آخر صورة للفلسطيني في ذهن “العالم الحر” هي صورة “أبي العباس”: إرهابي فاشل حتى في الإرهاب،
وآخر صورة لليهودي لاجئ منكود الحظ اقتلعته “المقادير” من أرضه فهو إما هارب من صقيع الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي، أو من المذابح “القومية” و”العنصرية” في أدغال أفريقيا السوداء (الفلاشا في أثيوبيا)، وهو – في كل الحالات – شريد طريد ينتظر أن يحظى “بحقوق الإنسان”،
أما الفلسطيني الفاشل في المفاوضات وفي التكتكة وفي الإرهاب فعقوبته الطرد من بيته ومن أرضه ومن تاريخه ومن العصر… ليكون عبرة لمن يعتبر!
“حتى على الموت لا ينجو الفلسطيني من الحسد”!
هل النفطيون قوميون؟!
… ولقد استغرب بعض أهل النفط أن يكون “أخوتهم” الفقراء باردين، وأن لا يرفعوا أصواتهم بالتأكييد أو بالاحتجاج منتصرين لهذا النفطي أو ذاك.
لكأنما أمضى هؤلاء النفطيون عمرهم في العمل الصالح، وأنفقوا مالهم الغزير في خدمة أهداف نضال أمتهم.
أو لكأنما اعترف هؤلاء النفطيون في أي يوم بوحدة المصير مع أشقائهم الفقراءز
كانوا يتصرفون دائماً وكأنهم قادرون على “شراء” مصيرهم مهما غلا ثمنه، وعلى استنقاذ أنفسهم وثرواتهم (ومعظمها في أي حال في أمان بالخارج)، أما الأخوة الفقراء فإلى جهنم وبئس المصير.
وشهيرة هي صورة هؤلاء النفطيين وقد هجروا “بلادهم” مع احتدام المعارك في الحرب العراقية الإيرانية، وتركوها في عهدة المرتزقة من “عرب الفقراء” والكوريين والفيليبينيين، إضافة إلى الأصدقاء الهنود،
لميكونوا مرة قوميين في مسلكهم: لا في زمن الحرب، ولا في زمن السلم،
ولم يسخروا مالهم يوماً للأهداف القومية، ولا هم ارتضوا أن يكون موضع بحث، لا من أجل التحرير، ولا من أجل التنمية، ولا من أجل الوحدة مع بقية أهلهم الفقراء(والعياذ بالله).
من بين من تفجرت أرضهم بالنفط واحد فقط تصرف بروحية الثورة فسخر الذهب لخدمة الأمة، في مختلف أرجاء الوطن العربي، هو معمر القذافي،
وليس بين ثوار العرب أو القائلين بالتغيير أو المناضلين من أجل غد أفضل واحد لم يغرف من خير الجماهيرية العربية الليبية، حتى صارت أشبه بكرم على درب، وحتى صارت مقصد المنافقين وتجار الجمل الثورية الذين أعطوا بغير حق بوهم إنهم إن أخذوا فاكتفوا صاروا ثواراً.
كذلك فهناك رجل واحد من بين أهل النفط، وهم كثيرون ما شاءالله وأكثر من الهم على القلب، كان يستثنى في العادة عند الحديث عنهم وعن “مآثرهم” و”سخائهم” و”سرعة استجابتهم” للنداء القومي، هو الشيخ زايد بن سلطان، رئيس دولة الإمارات.
وفي مجال تمييزه كان الشيخ زايد يوصف بأنه “عربي”، وبأنه “طيب” وبأنه “صاحب نخوة”، وقد حفظ الكثيرون جملة له مفادها : ليس النفط بأغلى من الدم العربي، فكيف نبخل ببعض القروش على من يبذل دمه من أجل خير العرب وعزتهم وكرامتهم ومكانتهم في هذه الدنيا.
حسن صعب
فقدت بيروت، أمس، بعض وهجها كمنتدى فكري وثقافي عربي برحيل الدكتور حسن صعب.
بعض الناس يمنحونك الإحساس بأن الموت جملة معترضة، وبأنهم أقوى منه، وإنهم باقون بعده، وباقون برغم أنفه.
ولقد كان حسن صعب يعمل بهمة “فرقة” كاملة من الشبان الذين لا يتعبون،
ولقد كان حاضراً في كل مكان، مشاركاً في كل نشاط، و”مخترعاً” لبعض أنماط النشاط غير المألوف، هرباً من الجمود والتبلد والاستكانة إلى العجز وكأنه قدر.
حسن صعب كان أحد المبشرين بقدرة العرب على ولوج العصر، وأحد من أثبتوا ذلك بجدارة، ولو على حساب صحته وقلبه الذي أرهقته الهزيمة أكثر مما أرهقه العمر.
والعمر بلا نصر أتفه من أن يعاش… فكيف إذا طال ليل الهزيمة.
رحم الله الرجل الذي حاول أن يقهر الصعب، ظل يحاول حتى سقط في أرض المعركة ضد مناخ الهزيمة والتخلف. رحم الله حسن صعب.

Exit mobile version