طلال سلمان

على الطريق عرس إنقاذ.. مسيرة السلام!

لولا بعض أصداء الحزن المتسربة من جبل عامل لبدا وكأن المنطقة تعيش “عرس” إنقاذ المفاوضات العربية – الإسرائيلية، بفضل نخوة الراعي الأميركي وفروسيته.
فكل الأطراف تظهر غبطتها واستبشارها ، إلى حد أن الجنرال الحديدي إسحق رابين قد حيا الساحر الاميركي وارن كريستوفر الذي استطاع أن يأتيه من قلب الماساة اللبنانية بـ “أبناء سارة”.
بل إن بعض كبار المسؤولين اللبنانيين قد شاركوا في “عرس الإنقاذ” بحماسة، برغم انهماكهم الشديد في تنظيم صفوف المقاومة وتنسيب الوافدين الجدد إليها، وأيضاً برغم انشغالهم – على مستوى آخر – في توزيع خيام الإغاثة وأدوية الإحسان وبطانيات الصدقة على عشرات ألوف المواطنين المدمرة بيوتهم والمشردين في مدنهم وقراهم المبقورة الجنبات بالصواريخ الإسرائيلية.
هل صحيح إن “أحداث الأسبوع الماضي قد أفزعت الجميع، بشكل ما، لأن أياً منهم لا يرى أي بديل جيد من المفاوضات”؟!
وهل إسرائيل ضمن هؤلاء “الجميع”؟! وهل هي قد تنبهت فجأة، وعلى دوي مدافعها، إلى أن المفاوضات ستوصلها إلى ما تطلبه وتريده؟!
وهل حققت المفاوضات بالطائرات الحربية أغراضها فبات ممكناً استعادة الجميع إلى “مسيرة السلام” المحددة الآن بالنار، بغير مكابرة أو عناد، أو مراهنة ساذجة على الدور الأميركي؟!
وهل للنجاح مقومات فعلية أم هو تحايل على تجنب العقاب الذي يمكن أن ينشأ عن الاتهام بالمسؤولية عن تفشيل المهمة الانقاذية الأميركية،
وهل كان طريق المفاوضات مسدوداً حقاً بتلك الحفنة من صواريخ الكاتيوشا وبتلك الكوكبة من المقاومين في جبل عامل والبقاع الغربي، فما أن فتحه اجتياح التدمير والتهجير حتى انطلقت “مسيرة السلام” كالصاروخ محققة ما يطمح إليه الجميع: العرب والإسرائيليون والرعاة الأميركيون؟!
سيمضي بعض الوقت قبل أن تتوفر أجوبة جدية على هذه الأسئلة، وغيرها كثير ومقلق وخطير، لكن الاستجابات العربية كانت ملفتة، وربما مفاجئة بنسبة ما للوزير الأميركي الذي لم يتمالك نفسه وهو يتلقى – مثلاً – الرد الفلسطيني (الذي كان معلقاً؟!) فأعرب عن دهشته السعيدة أو عن سعادته المندهشة من سرعة إنجاز المشروع الجديد لإعلان المبادئ الفلسطينية – الإسرائيلية.
بعد القصف الكثيف يتقدم المشاة.
وها قد تقدم كريستوفر بين الحطام وهو متأثر غاية التأثر بالمشاركة الجادة لجميع الأطراف.
دائماً “الجميع”، ولا تمييز بين معتد ومعتدى عليه، أو بين جلاد وضحية، أو بين ضعيف ملتجئ بحقه إلى الشرعية الدولية وقراراتها لعلها تحمية ثم تسانده في استعادة الحق وبين جبار عات احترف تمزيق قرارات الشرعية الدولية وإجبارها على الاعتراف بواقع جديد يستحدثه بين الحين والآخر بقوته العسكرية على حسابها وحساب الشعوب المقهورة بعجزها وغياب الرادع المعنوي ممثلاً بإرادة المجتمع الدولي!
أين الحدود، اليوم، بين الأميركي وبين الإسرائيلي؟!
على انتفى هامش المناورة الضيق الذي كان قائماً بين “الخازوقين”، وتوحدت الذراع بالسكين بحيث لا بد من “الاستجابة”، ومرة أخرى بمنطق حصر الأضرار وإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟!
هل انتهى الرهان على الزمن والاحتمالات الواهية لمفاجآت قد تقع في مكان ما فتعدل في الموازين وتستولد انشغالات جديدة تعطي العرب فرصة تنفس والهرب من تجرع كأس السم التي تعرض عليهم ولا يستطيعون رفضها؟!
لقد تصرف كريستوفر وكأن القدس المحتلة بيته، فهو ينطلق منها ثم يعود إليها، وفيها ينام ويسبح ويستمتع بالوقت الفاصل بين استجابتين،
لكن إسحق رابين لم يغادر حذره، فهو برغم “الأنباء السارة” التي عاد بها إليه شريكه الاستراتيجي من لدن العرب، يرى “إن هذه هي البداية فقط، ولا تزال الطريق طويلة أمامنا…”
وإذا كان بطل اجتياح التدمير والتهجير يشكو أو يتخوف من طول الطريق فكيف بالمقصوفين والمدمرة بيوتهم وقراهم ومدنهم والمهجرين إلى خيام الإغاثة وبطانيات الصدقة وسائر أصناف المساعدات التي عددها كريستوفر خلال زيارته الطويلة للبنان والتي امتدت ثلاث ساعات كاملة شملت مجاملات الاستقبال وحديث المخاطر المفتوحة وخلوة التخويف على المصير ثم عشاء الشهية المفتوحة قبل الوداع المؤثر لزائر المساء الخطير؟!
لا خيار إلا الانتظار لمعرفة حدود الاستجابات وتحديد الخسائر بعد حصر الأضرار.
اللهم إننا لا نسألك رد القضاء، ولكننا نسالك اللطف فيه.

Exit mobile version