طلال سلمان

على الطريق عرب وكرد وأميركان…

أما وقد هدأت “حرب الانتخابات” لبنانياً، ولو إلى حينن فقد بات ممكناً، الالتفات إلى ما حول لبنان، وما بعده، وهو كثير وخطير.
ولأن اللبنانيين قد اكتووا إلى حد الاحتراق بنيران “التهجير” وما زالوا يعيشون مسلسل مآسيه التي لا تنتهي، فمن الطبيعي أن تهزهم أية عملية تهجير جماعي كالتي حدثت وتحدث للأكراد في تركيا، والتي طالت – حتى اليوم – أكثر من نصف مليون إنسان منهم كانوا يتوزعون على 227 بلدة وقرية في جبال شرق الأناضول.
كذلك لا بد من التنديد بعمليات الإبادة المنهجية التي تتعرض لها نخب “أتراك الجبال” كما تسمي أنقرة الأكراد من أهل البلاد، نافية عنهم “قوميتهم” وانتمائهم إلى عرق آخر.
والمشاهد اليومية التي تبثها وكالات الأنباء العالمية والإذاعات وسائر أجهزة الأعلام تكاد تكون مطابقة لتلك التي يتعرض لها أبناء فلسطين على يد الاحتلال الإسرائيلي: مطاردة لا ترحم لأي مطالب بحقوقه كإنسان، وأبسطها حقه في الحياة فوق أرضه، ثم معاملته كبشري واحترام إنسانيته.. والمطاردة تشمل القتل الجماعي والاغتيال الفردي واعتقال مناطق بكاملها.
على أن الملفت، وربما أكثر من هذه المشاهد، تلك المفارقة الصارخة في موقف الغرب من أكراد تركيا مقارناً بموقفه من أكراد العراق،
وهي مفارقة تشي أو تبلور موقفاً من طبيعة عنصرية تجاه العرب!
فبذريعة حماية أكراد العراق من اضطهاد صدام حسين تستخدم الشرعية الدولية (الأمم المتحدة) لتبرير استخدام القوة، ويقتطع الشمال العراقي ليقام فيه “مشروع دولة كردية” تحت مظلة جوية أميركية وبحماية حراب “التحالف الدولي”، وتطرد حتى الشرطة العراقية من هناك.
يتم جمع الأضداد، وتجميد الخلافات السياسية والعشائرية بين أكراد العراق، وتجرى لهم “انتخابات تشريعية”، وتقام لهم “حكومة”، وتطوف وفودهم الدول فيستقبلهم الرؤساء (ميتران) والوزراء (في واشنطن ولندن)، ويرفعون الصوت مطالبين لهم بحقوق لم يطلبوها تصل على لسان الرئيس الفرنسي إلى حد “الكونفدرالية”،
أما أكراد تركيا (وهم أشقاء أولئك) فلا أحد ينعي موتاهم، ولا أحد يتذكر أحياءهم بالخير.
تطاردهم السلطات التركية، وبمنتهى القسوة، فلا يجدون ملجأ ولا مغيثاً، ويحاولون عبثاً لفت أنظار العالم، بدءاً من لجان حقوق الإنسان وانتهاء بمجلس الأمن الدولي، مروراً بمركز الكون في واشنطن والدول الكبرى المكافحة من أجل حق آخر يهودي في روسيا أو أوكرانيا في القدوم إلى فلسطين لاستعادة تركة جده…
عجيب… حتى مع الأكراد يكال بمكيالين؟!
لا أحد يدافع، عن “مآثر” صدام حسين لا مع العرب ولا مع الأكراد، ولكن لماذا هذا الصمت على الجريمة نفسها عندما يرتكبها الحكم التركي؟!
ثم، لماذا غيرة بعض العرب على مسلمي البوسنة والهرسك، وهذا واجب بديهي، مقابل الصمت المطبق تجاه ما يفعله النظام التركي مع الأكراد، وهم أيضاً مسلمون؟!
هل ذبح المسلم بيد مسلم حلال وبيد مسيحي حرام، أم أن من حق “النظام” وحده أن يذبح رعاياه، فيباح لغيره ما يمتنع على غيره؟
لقد استباحت السلطات التركية أرض العراق (المفتوحة لكل قادر) وطاردت الثوار الأكراد داخلها، وصمت الغرب وحول وجهه حتى لا عين ترى ولا قلب يوجع،
فهل الكردي التركي أقل أهلية من الكردي العراقي لحكم نفسه بنفسه، أم إنه ليس إنساناً مثله مثل أخيه العراقي؟!
أم المطلوب التشهير بالعرب وتصويرهم وكأنهم قاصرون وبحاجة إلى انتداب جديد يؤهلهم لأن يحكموا أنفسهم قبل أن يسمح لهم بحكم “غيرهم” من أخوتهم. في الأرض والتاريخ والدين والمصير؟!
وهل ثمة تمييز عنصري تمارسه واشنطن حتى على أتباعها فتقدم غير العربي على العربي حتى لو كان بمثل كفاءة النظام العراقي؟!
ويبقى سؤال ساذج عن موقع “زعماء” أكراد العراق “المستقلين” الآن، و”المتحررين” من هيمنة نظام صدام، تجاه ما يجري لأشقائهم في تركيا، حيث لا يجرؤ أحد على لفظ كلمة كردستان؟!
إن جلال الطالباني لا يكاد يغادر أنقرة حتى يعود إليها، فيستقبله الرئيس التركي أوزال، ورئيس الحكومة ديمريل، والوزراء، فهل سألهم مرة عن هذا الذي يجري لأكراد تركيا، أم أنه – كمسؤول ذي صفة رسمية في “دولته” الجديدة – لا يتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى؟!
ترى من الأسوأ حالاً : العرب أم الأكراد؟!
هذا من دون أن ننفي مسؤولية بعض العرب عما أصاب الأكراد من شركائهم في الوطن والمصير كما أصاب عموم العرب في مختلف أقطارهم.

Exit mobile version