طلال سلمان

على الطريقعدوّنا الصديق!

في اللحظة التي تيقن فيها “العرب” من أن الولايات المتحدة الأميركية هي عدوهم الحقيقي، اندفعوا نحوها يطلبون السماح عما تقدم من ذنوبهم وما تأخر، ويعتذرون عن جهلهم الذي صور لهم إن إسرائيل هي العدو، وإن أميركا شيء آخر.. وكاد بعضهم يعتذرعن حرب أكتوبر المجيدة، مبالغة في التودد وإثبات حسن النية!
ويبدو إن أميركا قد فهمت أن “العرب لا يؤخذون إلا بالضرب”، فانطلقت تمارس سياسة العداء المكشوف، وتطورها وتتفنن في صياغتها حتى حدث شبح “المارينز” فوق الوطن العربي الكبير.
وليس صحيحاً القول إن أميركا تهدد بغزو البلاد العربية،
الصحيح إنها غزتها فعلاً وبقوة السلاح منذ 15 شهراً: ألم تنزل طوابير الدبابات الأميركية بأطقمها من ضباط وجنود في العريش، بعيد نشوب الحرب؟ ألم تتقدم من هناك – ومعها أصناف السلاح الأميركي المتطور الأخرى – باتجاه قناة السويس، تضرب الجيش المصري وتسلبه فرصة النصر العسكري الأول الكامل ضد جيش الدفاع الإسرائيلي؟ ألم تكن هذه الدبابات والأسلحة الأميركية المتطورة هي القوة الرادعة التي اضطرت الرئيس أنور السادات إلى إلغاء أوامره بتصفية الجيب الإسرائيلي في غرب القناة؟
منذ ذلك اليوم والقوة العسكرية الأميركية هي التي تحمي “الصداقة” العربية – الأميركية وتعززها وتنميها، وتفتح أمامها الآفاق الجديدة، وتجعل أعلامها تخفق فوق السرايات وقصور الحاكمين المعجبين بالعزيز هنري، الواثقين به، المؤمنين بقدرات أميركا غير المحدودة، وبأن “الحضارة الأميركية” هي وحدها المؤهلة لصنع سلام حقيقي في العالم كله، وليس فقط في “منطقة الشرق الأوسط”!
وفي ظل هذه الصداقة بين ندين متكافئين، والتي قامت “بالرضى المتبادل”، والتي تحكمها روح العدل، ضربت الولايات المتحدة عرب النفط، تدليلاً على عميق محبتها لهم، فهددت باحتلال المنابع، وبعثت بأساطيلها تجوب البحار من حول الآبار تأكيداً للتهديد وتعزيزاً له، وثبتت وجودها العسكري في البحرين شرعياً، وأقامت قاعدة في الخليج.
ولأن ليبيا خارج دائرة الصداقة الحميمة هذه فقد حشدت لها الفرق في جنوب إيطاليا، استعداداً لتأديبها – باسم العرب.
إن بعض العرب يحبون المطلقات: فالعدو الأمثل هو بالضبط صديقك الأعز! وإذا كنا لم نكتشف، قبل اليوم، هذه الحقيقة الأميركية فذلك لعيب فينا.. وما يفعله اليوم “الأخ والصديق هنري” لا يختلف كثيراً – من حيث الجوهر – عما فعله أو حاول أن يفعله معنا وبنا طيب الذكر، صديقنا الراحل، جون فوستر دالس.
“والعيب” الذي كان فينا هو الثورة، فلما خلصنا منها خلصنا منه وعدنا إلى طيبتنا وسجيتنا وإلى طبيعتنا: فنحن من “العالم الحر” وإليه، وأما الثورة والاشتراكية والوحدة والتقدم فرجس من عمل الشيطان نجتنبه تلقائياً، ومن دون أن نضطر عمنا سام إلى استخدام عصاه الغليظة ليهدينا سواء السبيل!
بعد غد، الاثنين، سينعقد في القاهرة مجلس الدفاع العربي لمناقشة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على جنوب لبنان، وآخرها ذلك الاعتداء الذي أدى إلى تدمير كفروشوبا ونزوح أهلها منها.
وستزهر الأوسمة والنياشين على صدور العسكريين العرب وهم يتكأكأون في ردهات مبنى الجامعة العربية، ويزيدون من رونق فسيفسائه وبهاء نقوشه بشاراتهم وبزاتهم وقبعاتهم المتعددة الألوان،
ولسوف ينهمكون، مع السادات وزراء الخارجية ووزراء الدفاع في مناقشة هذا الوضع الخطير في الجنوب الذي وصفه بعض رؤسائنا بأنه يهدد السلام العالمي!
وهذا طيب، وعظيم، وضروري ومطلوب،
ولكن،
ألا يستحق الغزو الفعلي الذي شنه ويشنه الصديق الأميركي الحميم بدباباته وطائراته (وجنوده الإيرانيين أحياناً) بعض الاهتمام والمناقشة والجدل، ولو جاء بيزنطياً؟!
… ويا كفرشوبا،
ثأرك في عنق ثغرة الدفرسوار والذين صنعوها!

Exit mobile version