عفواً، صاحب الجلالة، إنهم يحرقون كوفيتك ثم يكوونني بنارها، وأخاف عليك إن أنت بقيت حاسراً أن تصاب بنزلة برد، فاحفظ – مولاي – نفسك للجليل من الأمور!
عفواً، صاحب السمو: إنهم يجلدونني بعقالك، وأخاف أن يثلم شرف العقال فتضطر لأن تحني هامتك لكي تداري عارك، وأنا – فديتك – ممن تربوا على صرخة الاباء العربي: ارفع رأسك يا أخي!
عفواً، صاحب السيادة: إنهم يدفون عليك، حيث أنت، في كل هذا المدى الواسع المنداح بين المحيط وبين الخليج، فهل لك أن تمنع عنهم الذخيرة الفائضة عن حاجتهم لقتلي، لكي لا أتهم – بعد الوفاة – بأنني قد تسبب في خراب البصرة، لأن صدري لم يستوعب رصاصك كله؟!
عفواً، سيدو القائد العام: لقد أخذوا، في غفلة منك، صليبك وسمروني عليه، ولست أريدك أن تتهم بي، فأنا مصلوب آخر، ولكنني أريد أن يعرف العالم كله إن الصالب واحد في الحالين، فلا يغفر له أحد من طابور المرشحين للصلب بعد المباركة فلسطين ومصر المحروسة ولبنان الأخضر… ثم هل لك أن تكف عن تقديم المسامير للصالب القديم – الجديد؟!
عفواً، سادتي، إنهم يقطعون بسيوفكم جسدي، ويمسحون عنها دمائي بعباءاتكم، ولأني أحبكم فوق حبي لذاتي فإني أريدكم أن تخرجوا حتى لا تؤاخذوا بي. اخلعوا على قاتلي العباءة الملوثة، كما فعلتم في الطائف قبل ست سنين، وأمروه… ثم انجوا بأنفسكم إن ارتضى بي فدية عنكم، فوالله إنه لا يرضى بأقل من نفطكم جميعه ومعه الأنهار والبحار، الجبال والسهوب، الهضاب والسهول والصحراء حتى نهاية النهايات في الربع الخالي، أو في الصحراء الكبرى حيث يستوطن خط الاستواء الأفريقي!
عفواً، سادتي، ها هي فلسطين ثانية تنحر على أعتابكم، فلماذا الإصرار على دفع الدية للقاتل، وتحميل المغدور تكاليف الدفن؟!
يا فهد بن عبد العزيز آل سعود، يا الحسين بن طلال الهاشمي، يا قابوس بن سعيد بن تيمور، يا زايد بن سلطان آل نهيان، يا جابر الأحمد الجابر الصباح، يا صاحب قطر، يا صاحب البحرين وسائر الخليج:
هل أنتم على السمع؟! ألم تبلغكم صرخة الألم، بالصوت الحي، ونحن نمزق لبنانيين بحكومتين واحدة ثكلى والثانية ناشز ولا من يقيم الحد فيحمي جمهور المؤمنين بوحدة الجمهور كشرط سلامة للأمة؟!
لا نناديكم، الآن، لكي تهبوا لنجدتنا في “الثغر” اللبناني المهدد، وقد حفظناه وحمينا عروبته وأقمنا معكم منارة بيروت لتضيء لنا جميعاً طريق الغد،
لقد نادتكم بيروت، من قبل، وانتظرتكم محررين، فلم يجئها منكم أو باسمكم، إلا “السقا” فيليب حبيب يحمل ماء الوضوء لصائمي رمضانن فبالصوم وحده يسقط الحصار ودبابات جيش العدو الحاصر.
نريدكم فقط أن تنظروا فتروا، حتى لا تعتبوا علينا في غد فيقول قائلكم: لو عرفنا، لو إنكم أبلغتمونا قبل حين، لو صمدتم فقط الوقت الذي يحتاجه رسولكم كي يبلغنا فيبلغنا!
نريدكم أن تشهدوا على هذا المارق سليم الحص الذي كابر فعاند ورفض أن يوقع على صك التقسيم فاستحق اللعنة منا والمقاطعة منكم، فلا يكلمنه منكم أحد، واتركوه يذهب إلى دمشق ويجيء متوهماً إنه سيتمكن من جمع نثار الزجاج المكسور.
وليكن كلامكم مع سيد السيف والقلم العماد ميشال عون، فهو قد أقال عثرة الشرعية وجعل نفسه لها عماداً، وهو قد التقط الوزارات جميعاً قبل أن تضيع في الفراغ الدستوري، وهو قدم العون للجيش المتروك للريح الطائفية فحماه بأن جعله من لون واحد يحرس حدود سرير ملك الريح والطائفية والدولة الوليدة في ما بين كفرشيما والمدفون.
عفواً، أصحاب الجلالة والسيادة والفخامة والعزة والسمو: قد تسألون لماذا توجهنا إليكم في المشرق فقط، وأهملنا أو تجاهلنا أهل أفريقيا والمغرب؟
والحق إننا سمعنا من السودان، وجرحه نازف كجرحنا ، دعوة لاجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب باسم لبنان ومن أجله، فشكراً لمن دعا ولمن سيلبي، إن كان ثمة من سيسمع النداء فيلبي!
ومع إننا استبعدنا مصر مبارك حتى لا نحرجكم بكمب ديفيد والعلم الإسرائيلي في قاهرة المعز، فلقد لمسنا منها اهتماماً، وسمعنا عن صراع داخل جهاز الحكم تحت عنوان ضرورة رفض الواقع التقسيمي ومقاومته!
ثم إننا تجنبنا ذكر معمر القذافي والجماهيرية العربية الليبية حتى لا نكدر صفو خاطركم ونحن بأمس الحاجة على صفو الخاطر حتى لا تضيع بلادنا بسبب تعكر المزاج أو هياج الأحقاد أو الخوف من السلطة الشعبية ولجانها الثورية وطموحها إلى تغيير الكون،
ولعل تونس قد سايرت القذافي، فحذت حذوه، وزين العابدين غر بعد تأخذه العاطفة فلا لوم عليه ولا تثريب.
أما الجزائر التي سبقت بالموقف، فربما كان عذرها إن سفيرها جديد لا يعرف تعقيدات الوضع اللبناني على نقيض السفير السابق الذي فهم إن لبنان يعني الكتائب والكتائب تعني لبنان فإذا ما احتاج الأمر أضيفت بكركي فلا يتبقى نقص أو نقصان!
يبقى صاحب المغرب الأقصى، وهو مشغول الآن بما هو أهم: يريد أن يضمن النجاح لأصدقائه في حزب العمل، فإذا ما فاز شيمون بيريز على الملاعين الليكوديين فسيعم الخير كل هذه الدنيا العربية المتزاوجة مع العبقرية الإسرائيلية!
ولسوف نسقط اليمن، بشمالها والجنوب سهواً، حتى لا نزيدكم حرجاً… فمع إن علي عبد الله صالح كان آخر مضيف عربي، وبلا مناسبة، للرئيس الكتائبي المقاطع في جمهوريته المقطعة، إلا أنه استدرك فتوقف عند نهاية عهده ولم يذهب بعيداً إلى من ورثه وهو على قيد الحياة!
ولقد تسألون، أو تتساءلون، أصحاب الجلالة والفخامة والسمو: ماذا تريدون أن تتوقعون أو تطلبون منا؟! هذه بلادكم، وهذا شأنكم، تقسمون فنحن معكم، أو توحدون فنحن معكم، فلتكن مشيئتكم، ونحن مع ما فيه الخير لكم وللعرب وللمسلمين وللمؤمنين جميعاً، ولا يكون إلا ما أراده الله، بعون الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله… ونعم بالله، والحمد لله على كل حال!
وما نريده ، أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، أن تتكرموا علينا بتكرار مبادرة كريمة سبق أن تعطفتم بها علينا قبل ست سنوات ونيف: أن تنصبوا رئيساً علينا قائد مسيرة التقسيم “الحكيم”!
فمن حق سمير جعجع عليكم أن تسلموه إرث سلفه الصالح بشير الجميل.
لقد أتم جميع المعاملات القانونية المؤكدة إنه “الوريث الشرعي الوحيد” لآل الجميل، للراحلين بيار وبشير وللبقاقي في الحي أمين الجميل،
ثم إنه مشى على خطى “البشير” وأعاد سيرته الأولى بكفاءة أعلى:
ذهب إلى إسرائيل أكثر مما ذهب بشير، وأتى منها بما لم يحصل عليه معلمه الأصيل،
وهو قد أقام دولته فعلاً، في المسافة بين البربير والبربارة، ووفر الأمن المطلق للمجتمع المسيحي، ووحد القرار في شخصه، فلا ازدواجية ولا تعددية ولا حزب أو أحزاب أو “جبهة لبنانية”،
الجيش بأمرته، يعمل له، وينفذ خطته، ومهما بلغ من اندماج العماد في تمثيل دور “الرئيس” فهو يعرف إن “ماكو زعيم إلا الحكيم”،
ثم إن المقر البطريركي في بكركي يكمل له الناموس، فيغطي عليه ويضفي شرعية الطائفة على ما تنكره شرعية الدولة أو شرعية السماء،
وبكركي واسعة الأرجاء، يمكن أن يتلاقى فيها الآتون من البعيد مع المقيمين في الجوار، وبوسعها أن تفهم وأن تهضم اللغات جميعاً: إنكليزية الأميركي المكسرة وفرنسية الفرنسي الفصيح ولاتينية البابا المتعدد اللغات،
وبكركي لا تحاسب ولكنها تعظ فقط، فمن اتعظ فقد نجا ومن خالف فعقابه مؤجل إلى يوم القيامة،
إننا لا نطلب، أيها السادة الملوك والرؤساء والأمراء العرب، غير ما هو شرعي ومشروع،
إننا نطلب أن تعطوا سمير جعجع حقه،
وحق سمير جعجع أن يكون رئيس الرؤساء وقائد القادة وزعيم الزعماء جميعاً، في لبنان وخارجه أيضاً!
فهو أعظم السفاحين طرا… لكن أعدى أعدائه لا يستطيع أن يتهمه بالطائفية، فهو قد قتل من المسيحيين أضعاف أضعاف من قتل من المسلمين!
ثم إن علاقته العلنية والمعروفة بإسرائيل لم تنقص قدر شعرة من عروبته، وجذوره ضاربة بالعمق فيها إلى عصر الجاهلية، وهو يلف حول عنقه “غطرة” فلسطينية منسية، كما إنه لا يفتأ يعرض على التلفزيون وأمام جمهور النظارة “ترياقا” وصله بحراً من عراق صدام حسين! ثم إن مندوبه ولسانه قد التقى ذات يوم، على عتبة جامعة الدول العربية، أربعة عشر ممثلاً لاربع عشرة دولة عربية!
ومن حق “الحكيم” عليكم، أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، أن تكسبوه فتشدوا إزركم به، وأن تعرضوا عليه ما عرضتم على من هم دونه: بشير أولاً ثم أمين الجميل، (ومن قبل والدهما بيار الجميل)،
لقد ساومتم أولئك على هوية لبنان، وأبلغتموهم ما مفاده، ارتكوا إسرائيل، ولو في الظاهر، وخذوا لبنان كله بدلاً من “الغيتو” المحاصر والمهدد باستمرار، وسنعطيكم نحن شهادة منشأ بعروبتكم وعروبة حكمكم العتيد!
العباءة، يا أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، من حق سمير، الآن،
فاعطوه العباءة الملوثة بدمائنا،
فهل أقل من أن نكون نحن بعض مكافأته عن “العودة” من إسرائيل؟!
العباءة من حق “الحكيم”،
وسيهجر “العبرية” فيغني بعربية قريش: وليس عباءة وتقرعيني…
ولسوف تقر عيونكم أيضاً،
سلمت منكم العيون، وسلمتم. والختام سلام!