طلال سلمان

على الطريق “عاصفة الصحراء” وحرب الاستنزاف!

“عاصفة الصحراء” مستمرة، تجتاح أموال أهل النفط في الجزيرة والخليج، بعدما اجتاحت من قبل “استقلالاتهم” و”إراداتهم” و”سياداتهم” بأبشع مما فعل ذلك الطاغية المهووس بالسلطة صدام حسين.
لقد انتهت “الحرب التلفزيونية” التي دمرت العراق، لكن حرب الاستنزاف مفتوحة بعد يلقي السعوديون ومعظم الخليجيين في أشداقها ثرواتهم الظاهرة والمختزنة فتلتهمها ثم تطلب المزيد!
وبذريعة المخاوف على الكيانات المستحيلة حمايتها بقواها الذاتية، وبإفضال شبح صدام حسين ومغامرته البائسة في الكويت، تتم صفقات فلكية بأرقامها لتزويد تلك الأقطار القليلة عدد السكان والقدرات العسكرية، بأصناف من السلاح قد لا تحتاجها دولة عظمى (!!) كبريطانيا أو فرنسا أيام الإمبراطوريات!
هات التنك وخذ البترو دولار!
تنك بنفط، وحديد بصندوق الأجيال، ومطارات وقواعد “سرية” وطائرات أسرع من الصوت بمال أعظم من كنوز قارون!
كان أهل الجزيرة والخليج ذاهبون إلى الحرب وليسوا عائدين منها!
كأنهم يصدقون أن هذه الأكداس من الأسلحة (المتطورة) ستساهم في حمايتهم وتأمينهم واجتثاث الذعر المستوطن نفوسهم، في حين أنها هي بحد ذاتها قابلة لأن تكون مصدر الخطر الداهم عليهم: من الخارج مرتين ومن الداخل ألف مرة ومرة!
“الخارج” الأول هو “تاجر السلام” إياه الذي سيرهن إرادة البلد المعني واقتصاده وقراره السياسي، إذ هو المصدر الأوحد للسلاح وللمدربين ولقطع الغيار، وهو المعني بتدريب عساكر “المشتري” وضباطه، وهو المسؤول عن بناء ثم عن صيانة المنشآت العسكرية المطلوبة والمكلفة جداً،
و”الخارج” الثاني هو أي قطر مكتمل النمو كالعراق واستطراداً إيران، يرى في أكداس السلاح بالخبراء والمستشارين والمدربين وبناة القواعد الأجانب مصدر خطر على أمنه القومي فيحاول استباق تمركز هذا الاستعمار الجديد (الحسن التمويه) الذي سيعمد – حتماً – إلى خلخلة الأوضاع الداخلية للأقطار المعنية، وزرع الشقاق في ما بينها، أو بينها وبين “الجيران الأقوياء”،
أما الداخل فليس أكثر من مصادر الخطر ومنابعه فيه، وإذا كانت “الأصولية” هي “العدو العلني” أو “الرسمي” للأنظمة عموماً، فإن “العسكر” – لاسيما بعد تعزيز دورهم واعتماده كحماة “الله والملك والوطن” لن يكونوا – من بعد – مصدراً للاطمئنان!
هذا من دون إغفال دور “القوى الاجتماعية الجديدة”، التي ترى نفسها أو يراها “المستعمر الجديد” أقدر على تمثيله وحماية مصالحه من الحكام المنتمين إلى الماضي والذي قد يضحي بهم من أجل تحسين صورته وتقديم نفسه كضامن للديموقراطية وحقوق الإنسان والالتحاق بالعصر ونظامه العالمي الجديد!
ليس معقولاً ولا مقبولاً هذا الذي يجري في الجزيرة والخليج!
إنه سفه وهدر للمال العربي (ومعه الكرامة) ولحقوق الأجيال المقبلة، أين منه السفه الآخر الذي كان يمارسه بعض أصحاب العقل المذهبة في علب الليل وأندية القمار ومراكب اللذة والعربدة؟!
ولعل وقائع هذه الأيام وصفقاتها المريبة، تكشف بعض أسرار تلك الحملة الإعلامية المنظمة والتي استهدفت فضح موبقات بعض الأمراء السعوديين بالذات، وأنماط من الخليجيين عموماً، لاسيما عشية “عاصفة الصحراء”، والتي أظهرت وبالأرقام (الصحيحة مع الأسف!!) كم ينفقون على النساء والقمار والمجون والمحرمات عموماً!
كذلك لعلها تكشف خلفيات بعض التسريبات الصحافية المنظمة التي كانت تفضح الخلافات المحتدمة داخل الأسرة السعودية الحاكمة، وتقسمها إلى أجنحة مصطرعة وساحة الحرب الأساسية في ما بين الأمراء الفاسدين هي صفقات السلاح والمقاولات وبناء أو إعادة بناء المدن!
ليس معقولاً ولا مقبولاً أن تذهب كل هذه المليارات العربية (في المنشأ!!) إلى الشركات الأميركية والبريطانية والفرنسية (ومعها التركية) ثمناً لسلاح لن يستخدم إذ ليس في الأقطار المعنية من هو قادر على استخدامه، وليس ثمة من عدو (فعلي) يمكن أن يوجه ضده،
… ومتى يتم هذا كله؟!
في زمن انتهاء الحرب الباردة بعد اندثار المعسكر الشيوعي، وانقضاء عصر الحروب، إلا الأهلية منها كالتي يغذيها الغرب وليس إلا الغرب، وفي الطليعة منه الأميركان، في يوغوسلافيا (سابقاً) كما في أفغانستان كما في السودان، كما – وإن بدرجة أقل – في مصر والجزائر واليمن الخ…
ومع التقدير لأبناء الجزيرة والخليج فمن الصعب تصور “حرب” بين دولة الإمارات العربية المتحدة، مثلاً، والجمهورية الإسلامية في إيران، حتى لو ملكت الإمارات آلاف الدبابات ومئات الطائرات وعشرات ألوف الصواريخ.
فمهما تعقدت النزاعات على الجزر الثلاث يظل أسهل وأقرب إلى العقل والمنطق والمصلحة بذل أقصى الجهد من أجل حلها سلمياً، بتحكيم دولي أو بوساطة عربية،
أما الحرب فلن تكون إلا الخراب والدمار والويل، مع استحالة التكافؤ فيها، (ناهيك بالنصر!!) اللهم إلا إذا كان الهدف الأميركي والغربي عموماً استخدام الإمارات كمخلب قط أو نقطة وثوب لحرب غربية ضد إيران وشعبها والإسلام عموماً، وهذا ما لم تقبله الإمارات وقيادتها على نفسها وما لن تتورط فيه مهما كانت المغريات.
فالغريب غريب وصاحب غرض، أما الجار فباق، وكلفة الوصول إلى اتفاق معه أقل بما لا يقاس من عبء استقدام الغريب ولو كان مرتزقاً، فكيف إذا كان هو “السيد” وهو صاحب المصلحة في استعباد الطرفين ونهب الثروات جميعاً،
كذلك فمن المستحيل تصور “حرب متكافئة” بين الكويت والعراق (أياً كان الحاكم في كلا القطرين)…
ستظل مثل هذه الحرب الحرام جريمة بحق القطرين، وسيظل المنتصر فيها، لو وقعت لا سمح الله، طرفاً ثالثاً هو “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، أو الأميركي منفرداً.
إنه هدر للمستقبل العربي، بعدما هدرت دماء الحاضر وثروات جيله، ودرس العراق أوضح من أن ينسى بهذه السرعة: فتكديس السلاح لا يحمي حتى دولة مهمة وقوية كالعراق… بل إن تكديس السلاح ثم سوء استخدامه أو الإخلال في استخدامه لمصلحة من أعطاه لم يؤد إلا إلى تدمير العراق مع بقاء من دمره ودمر معه مكانة العرب في العالم ومعظم قدراتهم المدخرة لاصطناع الغد الأفضل.
ثم إن صانع السلاح هو صاحب القرار باستخدامه، وليس المشتري، فكيف بمن يستأجره لأجل معلوم؟!
هذا من غير أن نستذكر حقائق بسيطة ولكنها موجعة بينها:
إن العرب كانوا بحاجة إلى هذه العشرات من المليارات لكي يسدوا جوع فقرائهم ومعوزيهم، ولكي يبنوا فيها بلادهم، ولكي يقهروا بها التخلف، ولكي يشقوا بها طريقهم إلى الغد، ولكي يحموا أنفسهم من عدوهم القومي الذي يحتل أرضهم ويريق كرامتهم كل لحظة.
وبينها أخيراً أن هذه الأقطار نفسها كانت وأموالها فيها أو مختزنة في أرضها “أقوى” ومحفوظة الكرامة و”مهابة” – ولو لغناها – أكثر مما هي اليوم وهي ترهق مستقبلها لحساب تجار الحروب الذي يبيعونها السلاح لتنتحر به.
… مع التحيات لإعلان دمشق، الشهيد – الحي!!

Exit mobile version