طلال سلمان

على الطريق طرابلس – القضية تفتدينا وتفتدي العرب

لنكن صرحاء وواضحين: طرابلس هي القضية.
طرابلس المدينة، الشعب، نصف المليون مواطن، الفيحاء، طرابلس الشام، طرابلس الناصرية، طرابلس الفلسطينية، طرابلس العروبة، طرابلس الوطنية، طرابلس بسطاء الناس الذين ما بخلوا يوماًس بأرواحهم ودمائهم وما يملكون على أي قضية قومية.
طرابلس هذه هي هي القضية.
من ربح طرابلس فقد ربح كل وطني في لبنان، وربح معظم العرب، ومن خسرها خسرهم، وغير وارد، وغير مقبول افتراض أن يكون أي أذى يلحق بطرابلس نفعاً لأي قضية أو لأي صاحب قضية.
ولأننا ندرك أي كارثة تتهددنا جميعاً نتيجة لما يجري في طرابلس ولما يجري لها، لن نتعب من رفع الصوت بالتنبيه والتحذير وحتى اللوم، طالبين ممن يملك زمام القرار أن يلقي بثقله – بلا تأخير – لوقف الكارثة عند الحد الذي بلغته، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المدينة الجريح والقضية الجريح.
فلم يعد الأمر في طرابلس صراعاً بين “قبضايات” يتستر كل منهم خلف شعارات خادعة وخلف قوة سياسية يبيعها ولاءه فتمنعه وتحميه وتتيح له فرصة الكسب الكبير – مادياً ومعنوياً – بفعل اسمها وما لها في نفوس الناس من تقدير.
كذلك لم يعد الأمر صراعاً بين قوى سياسية متعارضة مميزة الحدود والأهداف، بحيث يثسهل تصنيف “الموالي” و”المعارض” أو “المخاصم” أو حتى “المعادي”.
لقد تطور الوضع من اقتتال على النفوذ في المدينة إلى حرب من أجل السيطرة عليها وها هو يكاد ينتهي حرباً على المدينة وأهلها، الذين ما زالوا يرفضون أن يشطروا ولاءهم القومي إلى نصفين، ويرفضون – أصلاً – منطق هذا الفرض أو مجرد امتحان الولاء.
وبديهي، أن يرى الطرابلسي في نفسه من صدق الولاء، بشهادة تاريخ نضاله الطويل، ما يجعله يرفض هذا المنطقن واصحابه، ويرى فيه إجراماً موجهاً ضده بقدر ما هو موجه ضد السوريين والفلسطينيين وحلم الوطن في لبنان.
فلا يمكن للطرابلسي أن يصدق الادعاء القائل بأن ما يجري في مدينته إنما هو امتحان لرسوخ علاقته، بسوريا، أو لصدق مساندته المطجلقة للمقاومة الفلسطينية، وإن هؤلاء الذين أعطوا أنفسهم موقع “اللجنة الفاحصة” أقرب منه إلى الرئيس حافظ الأسد، أو إلى ياسر عرفات.
فلا هو بحاجة لأن يثبت ما أعطى طرابلس ، على الدوام، هويتها المميزة، ولا زعيماً سوريا وفلسطين بحاجة في علاقتهما معه إلى وسطاء وإلى مقاولي أنفار، فالعلاقة بطبيعتها مبدئية ولا تحتمل الحلول الوسط بل هي تكون أو لا تكون.
من هنا توجه هذا الجهد المركز الذي تبذله الحركة الوطنية من أجل حصر التعاطي مع قضية طرابلس، في إطارها القومي الصحيح، بحيث لا يدخل حلبتها من دخل حلبة بيروت (قبلاً) من تجار سياسة ومزايدين وطائفيين ومروجين للمشروع الكتائبي انتهاء بالصلح مع العدو الإسرائيلي.
ولقد أزعج البعض أن تصل “سوداويتنا” في “السفير” إلى حد التحذير من خطر الانزلاق إلى 1976 جديدة، واتصلوا بنا ليؤكدوا – بلهجة جازمة في تفاؤلها – أن لا مجال لتكرار المأساة القومية التي عاشها اللبنانيون والفلسطينيون والسوريون قبل ست سنوات بالتمام والكمال.
ودلل هؤلاء ، بالملموس ، إن ليس ثمة ما يمكن أن يصل بالتمايز في المواقف السياسية بين الأطراف المعنية، إلى حد الصدام المسلح… فلا مشاريع مطروحة للتسوية ، في المدى المنظور على الأقل، ولا أوهام معلقة بعد على “مبادرات أوروبية” مثلاً، أو على “تحولات إيجابية” في الموقف الأميركي، ولا مراهنات بائسة على وعود “عرب أميركا” أو “أميركان العرب” ممن احترفوا إشعال نيران الفتنة والاقتتال لتبقى المصالح الأميركية ولتستمر أمنه مطمئنة، ولترفرف أعلام “السلام الإسرائيلي” فوق دنيا العرب.
ونحن نصدق هؤلاء ، خصوصاً وإننا لا نشك في حسن نيتهم، وإننا كذلك نرى مثل ما يرون من انتفاء الأسباب الموضوعية لخلاف سياسي يصل في ضراوته إلى حد التعبير عنه بالمدافع وراجمات الصواريخ.
ولكننا نخاف أن يفلت زمام الأمور، وأن تصبح “الأدوات” قوة بحد ذاتها، وأن تفتح لحسابها من فوق ظهرنا جميعاً، وأن تمد الجسور إلى بشير الجميل ومشروعه تحت راية المطالبة بالشرعية وجيشها وحكل ما يرمز على “الاستقلال” مفيدة من جو الشعور الإقليمي الاخذ بالتزايد نتيجة الضيق باقتتال رفاق السلاح في مسيرة النضال القومي الواحد.
نخاف؟؟!
لولا ثقتنا بوطنية أهلنا في طرابلس لكنا افترضنا أن ما نخاف منه قد بات أمراص واقعاً في المدينة الصابرة.
لكن وطنية طرابلس، وعروبتها، وتاريخ نضالها الطويل، كل ذلك سيعصمها من الانزلاق وسيبقيها قلعة الوطنية والعروبة في لبنان.
بل لعل محنتها ستساعد رفاق السلاح على إعادة النظر في الكثير من أساليبهم ورجالهم، حرصاً على شرف السلاح وشرف القضية،
وبهذا تكون طرابلس قد افتدتنا وافتدت العرب جميعاً،
وهي قد عودتنا مثل هذه المواقف المشرفة عبر تاريخها الطويل.
وطرابلس قادرة، بوعيها ، على التمييز بين الخطأ والخطيئة، وهي أكبر من أن تندفع – بالنكاية أو اليأس – إلى حيث لم تقبل لنفسها أن تكون،
فالمدينة التي رفضت الغرب كله معلية راية عروبتها، لن تقبل أن تيسلم قيادها اليوم لمشروع صهيوني معقود اللواء لبشير الجميل.
وطرابلس القضية أكبر من بشير ومن وراء بشير!
والجنوب القضية ينتظر من يعتزمون ، فعلاً، إلحاق الهزيمة ببشير ومن وراء بشير!

Exit mobile version