طلال سلمان

على الطريق صورة مقربة للمواقع في “مؤتمر السلام”: عرب ولا عروبة، وفلسطينيون ولا فلسطين!

كاريكاتورية إلى حد الإيلام الممض هي الصورة “الرسمية” للمؤتمر العتيد الذي أوكلت إليه الولايات المتحدة الأميركية تسوية الصراع العربي – الإسرائيلي.
تصور أن يتمثل “العرب” بعشرة أو خمسة عشر أو ربما عشرين وفداً، موفدين دليلاً حسياً إضافياً على عجزهم: إسرائيل في مقابلهم جميعاً وأقوى منهم جميعاً.
كذلك فالصورة توفر تدعيماً للمنطق الإسرائيلي المروج في العالم إذ تظهر نحو مائتي مليون عربي “هاجمين” على إسرائيل الصغيرة والوديعة (أربعة ملايين أو أقل)، فلا يمكن بالتالي – ولأسباب تتصل بالعدد – أن تكون هي المعتدية أو الغاصبة أو الظالمة.
هذا قبل الوصول إلى المقارنة بين الدولة الديموقراطية والعصرية وبين دول القبائل والعشائر والطوائف، وبين المجتمع المتحضر والمنظم والمتقدم حتى ليوازي أرقى الأوروبيين والأميركيين تقابله مجموعة من المجتمعات المتخلفة والمسحوقة بالمقع والفقر والأمية والمعادية لحقوق الإنسان!!
ستكون هناك وفود ما كان يسمى “دول الطوق”: سوريا والأردن ولبنان ومصر (بقوة التاريخ والأمر الجغرافي الواقع)، وهي وفود أربعة ممنوعة من التوحد ومن التلاقي والتعاون والتنسيق حتى لا تتهدد مسيرة السلام… المرتجى!
وسيكون هناك وفد مجلس التعاون الخليجي المختزل ست “دول” والقادم للتبرع بإلغاء المقاطعة العربية للمتعاملين (في الخارج و… في الداخل) مع العدو الإسرائيلي (سابقاً).
وسيكون هناك وفد “المغاربية” أو وفود دول شمالي أفريقيا العربية، والذي سيحضر حتى لا يستطيع أي عربي (من المشرق أو المغرب) أن يدعي غداً أنه لم يشارك ولم ير ولم يعرف، وإن من حقه بالتالي أن يستمر معادياً وأن يحفظ شعار التحرير ورايات الكفاح المسلح لأجيال آتية،
أما فلسطين (أصل الموضوع والقضية) فلن تكون هناك، وثمة قرار دولي – عربي بمنعها من الوصول إلى المؤتمر…
ففلسطين، بالنسبة لمنظمي المؤتمر ورعاته، غير موجودة، فكيف إذن تدعى؟!
هناك فلسطينيون، أي نعم، ولكن ليست هناك فلسطين!
والفلسطينيون أصناف وأنواع شتى وإن كان يمكن، بداية، فرزهم إلى ثلاث مجموعات:
1 – فلسطينيو الداخل، أي من هم الآن فعلاً داخل ما تسميه إسرائيل “المناطق”، وما تسميه القرارات الدولية “أراضي محتلة” وما يسميه الفلسطينيون “أهل الضفة والقطاع”، وما يطلق عليه غلاة القوميين العرب (أو من تبقى منهم) أهلنا في المحتل من أرض فلسطين 1967 تمييزاً لهم عن أهلنا في أرض فلسطين المحتلة العام 1948.
2 – فلسطينيو الخارج، أو ديار الشتات، وبينهم “اللاجئون” بعد النكبة الأولى ثم بعد النكبة الثانية إلى كل من لبنان وسوريا والعراق ومصر والسعودية وبعض أقطار الخليج (قبل أن يطردوا منها)، ويمكن أن يضاف إليهم من رماه قدره في كندا وأوستراليا والولايات المتحدة الأميركية الخ.
3 – فلسطينيو الأردن، والذين يشكلون أكثرية الرعية في الإمارة التي استبقت النكبة ثم صيرتها النكبة مملكة لا تستطيع القطع مع فلسطين ولا تستطيع الوصل مع إسرائيل ولا هي تستطيع الانعزال عنهما.
وفلسطينيو الأردن هؤلاء أقرب إلى فلسطينيي الداخل منهم إلى فلسطينيي الشتات،
من يمثل الفلسطينيين في المؤتمر؟ وهل تتمثل الفئات الثلاث أم بعضها فقط؟!
لا مكان إلا لطرف واحد، كما تشير حركة الأحداث وتصرفات المسيرين، وثمة طرف لا مجال له بالمطلق، في ضوء موازين القوى الراهنة، هو فلسطينيو الشتات.
إذن سيتركز الصراع بين فلسطينيي الأردن السابقين (أهل الضفة) وفلسطينيين الأردن الحاليين (والذين تزايدوا بشكل ملحوظ بعدما أعيد إليهم معظم فلسطينيي الكويت والعديد من فلسطينيي شبه الجزيرة وسائر أقطار الخليج).
وقد ينتهي هذا الصراع بوحدة موقف عبر الوفد المشترك (الأردني – الفلسطيني) برغم إعلان عمان أن “أردنييها” لن يقولوا كلمة واحدة في الموضوع الفلسطيني تاركين للفلسطينيين أن يقرروا ما يرونه مناسباً (؟!)
كما قد ينتهي الصراع بذوبان أحد الطرفين (وبالتحديد أضعفهما) في الطرف الآخر تحت الضغط العربي العام والضغط الدولي الذي قد يكون شديداً،
ويستذكر الخبراء في الشأن الأردني، هذه الأيام، واقعة تزكي موقف الرئيس “الفلسطيني” للحكومة الأردنية الحالية طاهر المصري، وهي أنه كما سجل اعتراضه علناً على قرار الملك حسين الشهير بفك الارتباط مع الضفة الغربية في 31 تموز 1988.
فالاعتراض يومذاك كان تمسكاً بوحدة الضفتين تحت العرش الهاشمي، بداعي الحرص على ما تبقى من فلسطين وحتى لا تلتهمه إسرائيل نهائياً.
وبالمقابل فإن ترئيسه الحكومة الهاشمية، في هذه المرحلة ومعه ستة من الوزراء الفلسطينيين يعني في جملة ما يعنيه “الوصل” بين “الشعب” في الضفتين بمعزل عن وحدة الأرض، بل عن الأرض ذاتها…
هل فلسطين حيثما يكون الفلسطيني أم لا يكون فلسطينياً إلا من كان في فلسطين؟!
لا مكان، إذن، في المؤتمر لفلسطين، وثمة مكان واحد لفلسطينيين كثر، ولا بد أن تتم تصفيتهم لتحديد من منهم يمثل المطلوب تمثيله منهم!!
وطالما لا مكان لفلسطين فلا مكان لا للمنظمة ولا لفكرة الدولة،
… وإذا كان الممثل من فلسطينيي الداخل فـ “دولته” الأردن وعاصمتها عمان، بشهادة تابعيته السياسية للعرش الأردني وجواز سفره الأردني،
فإذا رفض الأردن لم يبق أمامه غير العرض الإسرائيلي: الحكم الذاتي!
وفي معضلة كهذه لا يستطيع العرب أن يقدموا لأخيهم الفلسطيني الكثير من العون، هذا إذا ما افترضنا أنهم أو أن بعضهم يرغب في تقديم يد العون.
ثم إن العرب دول بل “أمم” شتى، وليس لهم موقف واحد أو رأي واحد أو قرار واحد.
كما إن غالبيتهم ترغب في “الخلاص” وتطلب “الراحة” وتجنح إلى “السلم”، وتطلب رضا الولايات المتحدة الأميركية لكي تدرأ عنها الغضب الإسرائيلي.
كذلك فإن من كانوا أغنياء أفقرتهم حرب الخليج و”كارثة” بنك الاعتماد والتجارة الدولي، وصاروا بحاجة ماسة إلى قروض وبالمليارات لإعادة بناء بلادهم، ولترميم جيوشهم وتضخيمها وتسليحها الخ.
وهكذا فإن العرب، بأكثريتهم، سيكونون قوة ضغط على الموقف الفلسطيني وعامل إضعاف وإرباك يزيد في ضعضعة صفوف الفلسطينيين ويزيد من أسباب الفرقة بين أطرافهم وبين أحزابهم ومنظماتهم و”ميليشياتهم”، كما يسميها خالد الحسن.
بائسة هي الصورة الأولية: فثمة كثير من العرب ولا عروبة، وكثير من الفلسطينيين وفلسطين غائبة، وقوى ضغط دولية ولكن الشرعية الدولية في هذا الأمر معطلة تماماً بقوى الضغط هذه.
على إن الفلسطينيين وما زالوا يملكون – رمزياً – حق النقض (الفيتو).
فإذا ما غابوا أو اعترضوا لن يستطيع عربي أن يوقع لا على ما يخص “قطره”، ولا في ما يتصل بالقضية القومية الأم التي تركت الآن لأهلها المتروكين أو الهاربين من الالتزام القومي طلباً لمكسب كياني محدود لن يعطى لهم في المدى المنظور.
وشرط القدرة على ممارسة حق النقض: وحدة الفلسطينيين، فهي وحدها التي تحصنهم وتعصمهم من الزلل وتسهم في استيلاد موقف عربي موحد وفي تحصين هذا الموقف… ودائماً تحت شعار متواضع وبسيط: حصر الأضرار والحد من الخسائر ومنع المزيد من الانهيارات القطرية والقومية على حد سواء.

Exit mobile version