طلال سلمان

على الطريق صناع التاريخ ونفاياته!

… فلما لم يعد العربُ عرباً، وأنكروا حقيقة انتمائهم إلى أمة واحدة، وحقيقة مصيرهم الواحد، وتنصلوا من التزامهم بهدف واحد وموحد، خسروا كل ما كان للعرب من مكانة ودور ووزن، يستوي في ذلك التاريخ والاقتصاد والجغرافيا السياسية!
لقد سقطوا كصناع التاريخ، وصاروا رعايا – قيد الدرس – لصانعيه الجدد.
… ولما لم يعد العربُ “فلسطينيين” ولم يعد الفلسطينيون عرباً، أنكرت عليهم إسرائيل آخر ما تبقى من حقوقهم في أرضهم، وحجبت عنهم معاملة الأسرى في زمن الحرب، أو “الرهائن” في زمن السلم، ومنت عليهم بحق النطق باللغة العربية أحياناً، وكنس الشوارع لتأمين النظافة لمستوطنات يهود الشتات المستقدمين إلى أرض الميعاد!
… ولما لم يعد الفلسطينيون عرباً وثواراً تجرأت عليهم أضعف الحكومات العربية فأسقطت الجنسيات المعارة عن كبرائهم متناسية إنهم خدموها طويلاً وعلى حساب “فلسطينهم”، وإنهم برروا بكيانيتهم كيانيتها، وبشوفينيتهم واستكانتهم إلى الوهم لاأميركي برروا احتماءها بالأسطول الأميركي… ضدهم وضد سائر العرب، وفي الطليعة منهم من عصا أو فكر بالعصيان من مواطنيها!
لقد سقطوا كصناع للتاريخ، وصار عليهم أن ينتظروا ما يقرره لهم من قوانين رعاية ورفق الصناع الجدد للتاريخ.
… ولما لم يعد العربُ عرباً وأصحاب قضية لم يعد المسلمون مسلمين (على المستوى الرسمي)، فالسمكة تفسد من رأسها، والعرب رأس المسلمين، وانحرافهم يبرر انجراف سائر المسلمين واستسلامهم ليس فقط للهيمنة الأميركية، بل كذلك للنفوذ الصهيوني والأطماع الإسرائيلية.
وبالتأكيد فإن “تغلغل” إسرائيل في أفريقيا (بما في ذلك الأقطار المسلمة منها) سيتزايد ونفوذها سيبلغ الذروة، بعد خيبة أمل الأفارقة بأخوتهم (وقادتهم) العرب، خصوصاً وإن بعض هؤلاء قد تحولوا – وعلناً – من “مجاهدين” إلى سماسرة ووكلاء للمصالح الإسرائيلية!
فمن خان تاريخه لن يعوض عليه صناع التاريخ الجديد عبر الناظم العالمي الجديد!
… ولما لم يعد العربُ عرباً، ولو يعودوا أئمة للمسلمين خصوصاً وللمستضعفين من شعوب العالم الثالث عموماً، أمكن للولايات المتحدة الأميركية (التي انفردت بالهيمنة على الكون بعد سقوط الاشتراكية ودولتها العظمى ومنظومتها القومية) أن تحوّل الأمم المتحدة، ومعها الشرعية الدولية، من ملجأ أخير للمضطهدين وحائط مبكى للمظلومين، ومنظمة فعالة – أحياناً – في ردع المعتدي ولجم العدوان، إلى حاجب على باب وزارة الخارجية الأميركية، وأحياناً إلى مجند في صفوف “اليانكي” يمسح صورة “الأيمركي البشع” ويزيفها ويسوقها في أسواط المعذبين في الأرض كأيقونة تحمل رسم “المحرر” الجديد، بالليبرالية والتعددية الحزبية واقتصاد السوق.
… وهكذا صار بإمكان الأميركي لورنس ايغلبرغر أن يعامل الأمم المتحدة كلها وكأنها برميل لنفايات التاريخ، وأن يجبرها على مسخ تاريخ “تحررها” من الهيمنة الأميركية، وعلى لحس قراراتها، والاعتذار عما تقدم من ذنبها وما تأخر حيال إسرائيل والصهيونية… وصولاً على الإمبريالية وسائر مفردات الزمن الجميل الذي مضى وانقضى ولن يعود.
فالتاريخ يصنعه الأقوياء لا البكاؤون ولا المتغنون بأمجاد ماض لم يحمه أحفادهم ولم يوصنوه.
… ولما لم يعد العرب عربا صار ملفتاً أن تصوّت بعض الدول العربية كالسعودية مثلاً، مع “العرب”، ولم يعد مستهجناً أن تصوّت دول عربية كثيرة، كالكويت مثلاً أو المغرب، ضد “العرب”، سواء بالغياب أو بالامتناع!
لقد خسر العرب أنفسهم أولاً، ومن ثم خسروا قضيتهم، فلسطين، واستطراداً مكانتهم الدولية، وبالتالي الأمم المتحدة. وطالما إنهم قبلوا بإسرائيل وتعاهدوا معها فلماذا يرفضون الصهيونية أو يعترضون عليها، فمن قبل الأصل لا يستطيع رفض الفرع والعكس بالعكس.
فمن خسر نفسه يخرج من التاريخ مخلياً المكان لمن عرف فأراد فقرر فكان له ما يريد.
… ولما لم يعد العربُ عرباً صاروا يذعنون للشروط الإسرائيلية ويوافقون على كل ما تطلبه منهم واشنطن، بينما الطائرات الأميركية في سلاح الجو الإسرائيلي تقصف “السلطان يعقوب”، في لبنان، وتطارد المقاومين في جنوبه، وتنسف الفلسطينيين وبيوتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتملي إرادتها على عرب الجزيرة والخليج، وكذلك على عرب المغرب وسائر أفريقيا.
فمعاهدات الإذعان لا بد أن تمهر، هي الأخرى، بالدم العربي، ولا بأس أن وشحته خيوط من جراح بعض الصحافيين، كما حصل في البقاع الغربي أمس، ومما يشرّف “السفير” أن يكون بين هؤلاء مراسلها في بعض آخر حصون كلمة “لا”.
أما اليهود فقد سبقتهم عنصريتهم، وهم فاخروا بها عبر التاريخ: أليسوا شعب الله المختار؟! وهل بعد هذا تمييز عنصري للذات؟!
المهم أن يعرف العرب من هم، وفي أي خانة يقعون، قبل أن يرميهم ايغلبرغر في البرميل إياه!!

Exit mobile version