طلال سلمان

على الطريق صرخة من المصيدة نقتل العدو أو يقتلنا سلاحنا!

كلما كادت هموم الاشتباكات “الرفاقية” و “الأخوية” و”الفردية” تغرقنا فتنسينا مصدر كل الهموم وسببها ومسببها، عدونا القومي الوحيد، عاد هذا العدو نفسه يذكرنا بهويته الأصلية وأهدافه الأصلية وبطبيعته التي لن تتغير حتى لو هادناه أو أوقفنا إطلاق النار عليه أو صالحناه فطبعنا معه العلاقات وأوفدنا إليه فرقة الموسيقى العربية بقيادة عبد الحليح نويره لكي يسهر فيسمر ويسمع فينتشي بالطرب الأصيل!َ
ومع عودة العدو بإغارات الموت والتدمير، تعود إلى السطح – دفعة واحدة – جملة من الحقائق غفلنا عنها، بضغط المنغصات اليومية، فضعنا عنها وكادت تضيع عنا تحت ركام السفسطة حول أولويات النضال وأسبقيات الصراع “في المرحلة المصيرية الراهنة”.
*أول تلك الحقائق وأبسطها: إن عدونا، جميعاً، واحد، وإنه يتعامل معنا – على تفرقنا وتشرذمنا بل واقتتالنا المفجع – وكأننا واحد أح، يضربنا بالقسوة ذاتها، وتمزق قنابله أطفالنا بغير تفريق، فإذا فرق بيننا ففي التوقيت ومن أجل أن يزيد من ضراوة اقتتالنا حتى لا يبقى بيننا مواجه أو صامد أو قادر على الصمود!
*وثاني تلك الحقائق وأشدها إيلاماً: إن عدونا يجيء هذه المرة ليجدنا جميعاً مشغولين عنه، فقيادات العمل الوطني والقومي (السورية والفلسطينية واللبنانية) غارقة في علاج جراح طرابلس النازفة، وهي بالكاد قد فرغت من وقف نزف قرى الجنوب ونواحي الضاحية الجنوبية وبعض أحياء بيروت، وهي على أي حال لم توفق بعد إلى إنهاء الأوضاع الشاذة التي تعيد نكأ الجراح كلما قاربت على الشفاء.
*وثالث تلك الحقائق وأفظعها وجعاً: إننا بعد كل غارة من غارات العدو، وبرغم بيانات التنبه المتأخر إلى وجوده وإلى ضرورة مواجهته صفاً واحداً (!!) نزداد تمزقاً ونزداد بالتالي، عجزاً عن مواجهة غاراته المقبلة، وعن مواجهة المخاطر الجدية لاحتمالات الاجتياح المعلن والمقرر في انتظار التوقيت لا غير!َ
ذلك إن جراح الاشتباكات، وما تخلفه من ضغائن وأحقاد وثارات، سرعان ما تعود لتحتل صدارة اهتماماتنا، وسرعان ما يسود منطق سخيف وقاتل مؤداه: “إن معركتنا مع إسرائيل مفتوحة، ومداها بالسنين والأجيال، ولن نتمكن من إلحاق الهزيمة بها اليوم مهما فعلنا، إذن فلنتفرغ لخصومنا الملاعين الذين يريدون فرض هيمنتهم على هذا الزاروب وإخضاعنا لسيطرتهم، وبعد أن ننتهي منهم نرتاح فنستعد لقتال إسرائيل!َ
إننا جميعاً في المصيده، وهذا أمر يسلم به الجميع، لكننا في المصيده الواحدة نكتشف مساحة كافية للاقتتال، ونجد فائضاً في الوقت نصرفه في غير الاهتمام في كيفية الخروج منها ومواجهة عدونا المشترك!
إننا جميعاً في المصيده، لكن الجو المسموم الذي يسود منطقتنا يهددنا جميعاً بالموت اختناقاً، ويسهل على العدو أن يقتنصنا واحداً بعد الآخر.
إننا جميعاً في المصيده، لكن كلا منا يتوهم إن الضربة التي تصيب غيره لا تعنيه ولا تؤثر عليه، فما هم اللبناني – مثلاً – إذا ضربت القواعد الفلسطينية أو حتى المخيمات، وما هم الفلسطيني إذا ضربت قواعد الصواريخ السورية، وما هم السوري إذا اجتاحت إسرائيل الجنوب بغير أن تتجاوز “الخط الأحمر” الذي يمس أمن سوريا الإقليمي؟؟
نحن جميعاً في المصيده، لكننا حريصون على أن تكون للتنظيم “هيبته” ، والهيبة تفضي أن تكون له مكاتب، وأن يكون في المكاتب مفترغون، وأن يكون للمتفرغين سلاح يبدأ بالمسدس وينتهي بمدفع الميدان، أون الراجمات مروراً بالار. بي. جي والهاونات والمدافع غير المرتدة!
… وآخر موضة: أن تكون للتنظيم ثكناته، وليس شرطاً أن تكون الثكنات في مواجهة شريط سعد حداد مثلاً، أو العدو الإسرائيلي مباشرة، أو ميليشيات بشير الجميل، بل لا بأس من توزيعها في القرى والدساكر والأحياء السكنية، ولا بد أن تتناثر في البقاع والشمال وفي قلب بيروت وعلى جنباتها فمن يدري من أين يأتي العدو وبأي لبوس يكون؟!
نحن جميعاً في المصيدة؟
لكن هذا لا يمنع أن تتجاوز في صدر الصفحات أخبار غارات العدو الإسرائيلي على بعض نواحي الجنوب وساحل الجبل، وأخبار الاشتباكات التي لما تتوقف منذ ثلاثة أيام بين رفاق السلاح في طرابلس وأنحاء أخرى،
وإذا كان هذا الواقع يحملنا إلى التعاسة المطلقة، متخطياً بنا حالات الأسف والحزن، فإن لما يدمي الفؤاد أن نضطر إلى كتابة ما نكتب، وإن لا نستطيع القفز من فوق ما نحن فيه من هموم تشل فعاليتنا لنتفرغ لما يجب أن نتفرغ جميعاً إليه،
إننا جميعاً في المصيده،÷
إننا لا نفعل غير أن نمكن منا العدو الواحد،
إننا ننتحر بدلاً من أن نستشهد،
إننا نقتل بعضنا البعض بسلاح البطالة بدل أن نقاتل العدو بسلاح القضية،
إننا نسيء إلى تاريخنا وننهي أإجيالنا الآتية قبل أن تجيء ، بدلاً من أن نصنع لها الغد الأفضل، أو نبقي لها الواقع المر بغير إضافات “عبقرية” تجعل الحياة مستحيلة، وتجعل الصلح مع العدو مطلباً شعبياً.
فلنحم ما تبقى من هذا التاريخ، رأفة بالأمة المجيدة التي لا تستحق منا كل هذا الجحود.
فلنحم ما تبقى من جدارتنا بالحياة، وبالأبوة.
فلنحم ما تبقى من شرف السلاح.
وشرف السلاح هو في وضعه حيث يجب أن يكون وفي مواجهة عدونا القومي الوحيد،
ولعدونا اسم واحد لا غير هو – لمن نسي – إسرائيثل.
فتعالوا نعيد إلى السلاح شرفه ليكون لنا شرف الحياة أو شرف الشهادة بدل أن نخسر كل شيء. كل شيء. كل شيء.

Exit mobile version