طلال سلمان

على الطريق صرخة بين ضربتين!

… وماذا بعد؟
نطأطئ الرؤوس ونتلطى في الملاجئ أو بين الأشجار في انتظار الضربة التالية؟
وبعد الضربة التالية ضربة أخرى تالية فثالثة فرابعة، وبين الضربة والأخرى نصدر القوائم بالضحايا شهداء وجرحى، مدنيين وعسكريين ومنازل، وندبج المراثي ونغطي الحيطان بالملصقات، والصحف ببيانات الاستنكار والتنديد والشجب والندب والتساؤل: أين العرب؟1
ماذا بعد؟!
نطلب من المقاومة الفلسطينية أن تشد رحالها وتجلو عنا، وكأن الخطأ في أن نقاوم العدوان وليس في أن نسمح بقيامه وبتمدده فوق جثث أطفالنا وأحلام شبابنا حتى يلغينا ويسقط حقنا في الحياة؟
نطالب السوريين بالانسحاب من لبنان، بجنودهم وبطاريات الصواريخ، وكان الجريمة هي في أن يسقط الصاروخ العربي طائرة عدوة مغيرة وليس في أن تظل سماؤنا مفتوحة لطيران العدو يذرعها طولاً وعرضاً مطارداً بقذائفه كل رافض للهزيمة وكل ممتنع عن الاستسلام؟!
ماذا بعد؟!
نمد أيدينا بعرائض الذل إلى “أشقائنا” الرابضين على آبار النفط، نعرض عليهم أن يشتروا جراحنا ببعض القروش، أن يتصدقوا على أطفالنا النازفين بشيء من الدم ووسائل العلاج، وأن يساعدونا على ستر أعراضنا بتأمين المأوى لنسائنا الهائمات على وجوههن خوفاً من البيوت – المقابر؟!
وأين موقع الدم والعرض والشرف، أين موقع الجرح على جدول أسعار النفط؟ ومن قال إن أحمد زكي اليماني يقبل أن يقارن ضخ الدم في لبنان بضخ النفط، برميلاً ببرميل، وأن يتم تسعير الدم على القاعدة نفسها مع ما في ذلك من تهديد للتقدم الإنساني الذي نصب نفسه محامياً عنه مع وضوح قاطع في الرؤية: فمهمتنا نحن أن ننتج لأجلهم، هناك في واشنطن وشيكاغو ولاس فيغاس وجنيف وزيوريخ وبون وهامبورغ وفرانكفورت ، فنتخلف أكثر فأكثر ليتقدموا أكثر فأكثر؟!
ماذا بعد؟!
انتقدم من الملوك والرؤساء السلاطين والأمراء، الشيوخ وأصحاب العزة، بالتماس أن يتكرموا فيتلاقوا في أي مصيف عليل الهواء، من أجل أن يقرروا لنا شيئاً ما في الفترة الفاصلة بين مأدبيتين؟!
أنتمنى عليهم، ونحن نقدر مسؤولياتهم الجليلة، ومشاغلهم التي تستهلك الليل كله وبعض النهار، أن يوفدوا وزراءهم، فإذا تعذر فقادة جيوشهم، فإذا تعذر فبعض الإخصائيين الاجتماعيين (ويا حبذا لو حملت طائراتهم الخاصة إضافة إلى ذواتهم الكريمة بعض الخيام والبطانيات وعلب السردين)، لكي يروا في أمرنا ويقرروا ما فيه الخير ومصلحة العرب والمسلمين؟!
ماذا بعد؟!
لقد بادر السادات فسبق إلى الاستنكار، ولعل الباقين صمتوا حتى لا يتهموا بأنهم إنما اقتبسوا مواقفهم وبرقياتهم عنه.
كذلك فقد نددت الجامعة العربية ومعها موريتانيا باعتداء الغاشم.
وإذا ما ضربنا مجدداً فلسوف يستنكرون كرة أخرى، وثالثة ورابعة إلى يوم القيامة، وسيطالبون الرأي العام العالمي والضمير الدولي بأن يتحرك (ولك أن تتصور ماذا يمكن أن يحدث إذا ما تحركت جحافل الضمير الدولي المدرعة وقاذفاته المقاتلة وصواريخه العابرة القارات)..
ثم،
ثم يتوقف كل شيء في انتظار الضربة التالية التي قد تتم بينما أنت تقرأ هذه السطور فتدب الحياة في أوصال الجميع، وسبحان محيي العظام وهي رميم!
وماذا بعد؟!
لا شيء غير الخير: غير الصلح مع العدو الإسرائيلي ، فهذه هي حرب الصلح المفروض والاستسلام المنشود، فإذا ما خدمهم الحظ وحققوا هذا الهدف المجيد فلسوف يرتاحون ، وأي راحة… يكفي إنهم سيرتاحون ممن تبقى من المشاغبين والمتطرفين والمجانين الذين تكفل مناحم بيغن بأن يستأصل شافتهم سواء أكانوا في الجنوب أم في بيروت أم في الواق واق، من غير تفريق أو تمييز بين لبناني وفلسطيني، أو بين سوري وليبي، أو بين يمني شمالي ويمني جنوبي، فتجمع “ليكود” ذو نظرة “وحدوية” إلى العرب وليس كحزب العمل ورئيسه الانفصالي شمعون بيريز.
ماذا بعد؟!
أن نقرر قرارنا، أن نعلن الحرب، وأن ننطلق في أربع رياح الأرض العربية فنقاتل هؤلاء الذين يمكنون إسرائيل من قتلنا بالمجان.
لنحارب هؤلاء الذين يمنعوننا بالقمع ويحجرون علينا حتى لا نحارب.
فالخيار بسيط: نبيعهم جراحنا والكرامة وأحلام الغد بثلاثين من الفضة أو نحشو عيونهم بهذه الفضة أو بذلك المعدن الآخر الارخص من الفضة والأضمن حسماً!
ماذا بعد؟!
جوابنا: لا، لا، لا،
لا للاستسلام للعدو الإسرائيلي، لا للصلح مع أنظمة الهزيمة، لا للموت بالمجان.
وجوابنا: سنبقى حيث نحن حتى آخر طفل لكي نضمن لهذا الطفل مستقبلاً أفضل من الأيام التي نموت فيها من دون أن نعيشها!

Exit mobile version