طلال سلمان

على الطريق صاروخ على اللجنة الملكية!

بعض الناس يتساءلون: هل تعثرت اللجنة الثلاثية، وهل انتهت إلى لا شيء كل تلك الجهود المكثفة التي بذلها الموفد العربي النشيط والمنظم والكتوم الأخضر الإبراهيمي؟!
وبعض الناس يتساءلون : هل تبدلت أو تحورت مهمة اللجنة الثلاثية بحيث افترقت عن طبيعتها كما حددها قرار قمة الدار البيضاء؟!
التساؤل الأول مبني على عدم الوصول إلى نتائج فورية حاسمة تحقق هدنة، مجرد هدنة طويلة، برغم مبادرة فتح المعابر وإعادة وصول ما انقطع بين الأهل في مختلف المناطق اللبنانية واقتسام ما تبقى من خبز وبؤس وسوق سوداء،
أما التساؤل الثاني، وهو الأخطر، فيتركز على المعطيات الآتية:
1 – إن قرار القمة قدم الصراع الداخلي، بأبعاده العربية، على موضوع الاحتلال الإسرائيلي ولم يشر إلى القرار 425 الخاص بهذا الاحتلال لبعض الأرض وبعض الإرادة العربية في لبنان، إلا في سطوره الأخيرة.
لكنه على أي حال ذكره واعداً بأن تسعى القمة بملوكها ورؤسائها والأمراء لاستدرار عطف الكبار من أجل بذل مساعيهم الحميدة مع إسرائيل لعلها “تكارمهم” فتنسحب طوعاً من جبل عامل وبعض أنحاء البقاع الغربي،
2 – في التوضيحات التي أعلنها الملك الحسن الثاني في مؤتمره الصحافي غداة انتهاء القمة، طار أي ذكر للقرار 425 وللاحتلال الإسرائيلي، واحتل الصدارة موضوع الخلاف أو النزاع العراقي – السوري حول لبنان،
3 – حدد التحرك الأول للجنة الوزارية الثلاثية طرفي الصراع في ضوء التوجيه الملكي دمشق – بغداد، مع “لجنة استماع” للأطراف اللبنانية قوامها الأخضر الإبراهيمي.
وعبر هذا التحرك المركز تم “تهميش” الدور الإسرائيلي في لبنان، ودفعه إلى الخلف، مع تقديم مطلق للصراع العراقي – السوري، واعتباره منطلق “الحرب” وسببها فإن هو حل توقفت، وإن هو استمر استمرت.
وغني عن البيان إن الأخضر الإبراهيمي، على كفاءته، لا يستطيع حل هذا النزاع “التاريخي” المتعدد الأسباب والجوانب العقائدية والسياسية والشخصية الخ.
4 – حتى جولة الوزراء الثلاثة على عواصم الدول الكبرى قدمت، كما توحي نتائجها، النزاع العراقي – السوري على كل ما عداه،
فنتيجة لهذه الجولة جاء نائب وزير الخارجية السوفياتي بسمترنيخ إلى كل من بغداد ودمشق، في مهمة خاصة بلبنان،
ونتيجة لها صدر عن واشنطن كلام رسمي، هو الأول من نوعه، يشير إلى دور عسكري، للعراق في لبنان.
ونتيجة لها وجه وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر رسالة إلى الرئيس حافظ الأسد قدّر المتابعون إنها تتصل بالتطور النوعي الذي شهدته “الحرب” في لبنان بفضل الدعم العسكري المفتوح الذي يقدمه الحكم العراقي للعماد عون.
5 – في قمة وهران وما بعدها تم تغييب العامل الإسرائيلي نهائياً، ولم يعد للعالم من كلام عن الحرب في بلادنا إلا على إنها حرب يشنها صدام حسين ضد الوجود السوري في لبنان. وتركز الجهد على الحصول على تعهد من صدام بوقف شحن الأسلحة إلى حليفه الخطير المتحصن في ملجأ القصر الجمهوري ببعبدا متفرغاً لحرب التحرير!!
6 – ثم جاءت حكاية الصواريخ لتغطي على كل ما سبقها،
وبها تم تعميد العماد كطرف في محور عربي، وكاد يمنح صك براءة لم يطلبه من شبهة التعامل أو تبادل الخدمات مع العدو الإسرائيلي،
وفي ظل حديث الصواريخ ومداها وطاقتها التفجيرية طمس نهائياً الجانب المحلي من الصراع. فلم يعد ثمة مجال لأي كلام عن الاصلاح السياسي وبالتالي عن ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية وقيام حكومة مركزية قوية الخ.
لقد خرجنا أو أخرجنا من الجمهورية لندخل العصر النووي وتوازن الرعب النووي فمن باله في الاصلاح والانتخاب ودعوة النواب والتوافق على صيغة لبنان المستقبل؟
هل يمكن في ظل هذا التحوير لطبيعة الصراع الحديث عن حل “فصل” على مقاس معطيات مختلفة تماماً؟!
لقد أضيفت عوامل جديدة وإمكانات جديدة للتصعيد العسكري ووضعت بتصرف العماد عون، لكي تحصنه وتستبقيه عقبة في طريق الحل ولو كان جزئياً ومحدوداً وأقرب إلى الهدنة منه إلى الخلاص المرتجى.
لكأننا، بعد الصواريخ العراقية للعماد اللبناني الأرعن، قد ابتعدنا كثيراً عن السياق المؤدي إلى تسوية، واندفعنا نحو حرب مفتوحة كل ضحاياها من العرب وكل المنتفعين بها من أعدائهم.
ولكن،
أين ثقل اللجنة الملكية،
وأين، على وجه التحديد، ثقل الملك فهد بن عبد العزيز الذي تفاءل الناس، عموماً، بمشاركته في اللجنة واعتبروا مجرد مشاركته فيها دليل جدية في السعي إلى وقف لطور من أطوار الصراع المسلح (العربي – العربي) في لبنان، تفرغاً لمعالجة الأطوار الأخرى في زمن آت.
ولا يتوقع أحد أن تحسم الخلافات المتراكمة والمزمنة والمعقدة بين دمشق وبين بغداد فوراً وبسحر ساحر، حتى لو كان الملك فهد.
ولكن ثمة من يأمل في أن تنجح المساعي في إقناع النظام العراقي بأن يوقف حربه على لبنان واللبنانيين تحت ذريعة التصدي لسوريا التي لم تقف معه في حربه ضد إيران وثورتها الإسلامية.
وبعض الذين كانوا قريبين من قمة الدار البيضاء يروون إن الرئيس الأسد قد قال لصدام حسين ما مفاده: إن كنت تريد حربي فإن بين وبينك أكثر من ألف كيلو متر من الحدود المشتركة، وأنت تعرف ما عندي وأنا أعرف ما عندك، فلماذا تتسبب في حرب يذهب ضحيتها لبنان الممزق وأخوتنا البائسون فيه؟!
ومع إن الحرب العربية – العربية مرفوضة سواء أوقعت في لبنان أو في أي مكان آخر، فإن هذا الجيل، ومع الأسف، لم يشهد إلا سلسلة من الحروب العربية – العربية في العديد من نواحي المشرق والمغرب،
وهي حروب تغطي على العدو الحقيقي وتمنحه انتصارات مجانية وتكرس صورته كقدر لهذه المنطقة بمختلف أقطارها… بما فيها عراق صدام حسين.
وماذا ينفع صدام حسين إذا هو خسر لبنان وربح ميشال عون؟!
ثم ماذ اينفع الملك فهد، وسائر أعضاء اللجنة، إذا خسر لبنان عروبته وربحوا منه نظامه الفاسد مع التشوهات التي حملتها إليه الحرب المتعددة لاأطوار والأسماء والأسلحة وصولاً إلى الـ “فروغ” الذي أدخلنا العصر النووي بعدما أخرجت إسرائيل العراق ذاته منه؟!
يأتي الأخضر الإبراهيمي أو لا يأتي؟
تبقى اللجنة الثلاثية (الوزارية أو الملكية) أم لا تبقى؟
تبقى مقررات قمة الدار البيضاء أم تتبخر ليصيبها ما أصاب من قبل القرار 425، حتى لا نذكر ما سبقه وما لحقه من قرارات تخص لبنان والمنطقة؟
كل ذلك مربوط الآن بذيل صاروخ عراقي يلوح به ضابط أرعن في لبنان، بينما الكل يتفرج من واشنطن حتى تل أبيب…
ثم يحدثونك عن الحصار البحري وكأنه الأزمة ورفعه الحل؟!
أهذا كلام ملوك؟!
متى تراه يبدأ الجد؟!
ذلك هو السؤال الحقيقي الذي يردده “الضحايا” في يوم عيدهم،
… وكل عام وأنتم بخير.

Exit mobile version