طلال سلمان

على الطريق صائب سلام وبيروت

عودة صائب سلام هي بذاتها الحفل والاحتفال،
فصائب سلام هو بعض صفحات التاريخ السياسي للبنان بجمهوريتيه:
*الأولى، جمهورية الصيغة والميثاق، الاستقلال والهوية المضيّعة والتي كانت ثورة 1958 حركة اعتراضية عليها على افتراق لبنان – الحكم عن أمته ملتحقاً بمشروع أجنبي مشبوه،
* والثانية جمهورية ما بعد الحرب – الحروب الأهلية، اللبنانية والعربية والدولية، جمهورية اتفاق الطائف والدستور الجديد والحكم بالمؤسسات لا بالرجل الفرد، وتحديداً بـ “مجلس الوزراء مجتمعاً”،
وصائب سلام هو بعض معالم بيروت وبعض ملامحها الأصلية، ببيته ومسلكه وصلاته وروابطه المتشعبة والمتعددة ودوره الشخصي في صنع التحالفات والاشتباكات والمعارك السياسية الصاخبة، وهي جميعاً بعض تراث العمل الديموقراطي في لبنان بعجره وبجره، بفولكلوره الطريف كما بحرارته وصدقه عند المتشوقين لأن يحققوا ذاتهم فيكونوا عبر الإقرار بهم وإشراكهم في صنع القرار.
ولقد اختار صائب سلام طريق عودته وموضوعها، فبدا وكأنه جاء للمشاركة في احتفال، أو ليحول الحفل الخاص المطعون في شرعيته إلى حفل عام وإن ظلت مسوغاته تنبع من خارجه.
لذا فإن لافرحة بعودة صائب سلام ناقصة أو مبتسرة أو أنها مختلسة، تماماً مثل العودة،
صائب سلام يستحق أكثر من هذا،
وبالتأكيد فإن بيروت كانت مستعدة لأن تفيه حقه ويزيد، ومثلها سائر لبنان.
كانت بيروت ستسعد بأن تفتح له قلبها وذراعيها وأوسع أبوابها، وفاء منها لتاريخها وللذين ساهموا في صنعه، بغض النظر عن التقييم النهائي للصح والغلط فيه. فالفرح يجيء قبل النقد، والمراجعة تتم بغرض الترشيد والتصحيح وليس بقصد التشهير أو التهشيم، وأهميتها أن تكون “حضوريا” وليس بحكم غيابي.
عومل صائب سلام، أمس، وكأنه جزء من ذلك الاستثمار العقاري المهوّل الذي اسمه الشركة العقارية لوسط بيروت،
واستغلت لهفته الطبيعية والصادقة لإعادة إعمار ما هدمته الحرب في بيروت، من أجل توظيفها كعنصر ترويج لسوليدير، التي هي موضع منازعات وموضع خلاف واختلاف بين اللبنانيين وفي الطليعة منهم أصحب الحقوق من أهل بيروت، ملاكاً ومستأجرين ومستثمرين.
وأبرز دليل على أن الاحتفال الذي حُمل إليه صائب سلام حملاً من جنيف، وبالطائرة الخاصة لصاحب المشروع العقاري المهول، قد غاب عنه نواب بيروت جميعاً (ما عدا بعض نواب الأرمن الذين لا يغيبون عن أية مناسبة رسمية، خصوصاً متى كانت برعاية رئيس الجمهورية وحضوره)…
ألم يلفت نظر صائب سلام، وهو أحد دهاقنة السياسة، غياب وجوه بيروتية شرعية وأصيلة مثل رشيد الصلح وسليم الحص وأسامة فاخوري ومحمد قباني ومحمد يوسف بيضون وجوزف مغيزل ونجاح واكيم وبشارة مرهج وأسمر أسمر، ومعهم غياب ممثلي قوى شعبية ذات وهج كمثل “الجماعة الإسلامية” و”حزب الله” و”جمعية المشاريع الخيرية – الأحباش” وهي قد انخرطت في اللعبة السياسية الديموقراطية فدخلت الانتخابات ووصلت إلى مجلس النواب؟!
ألم يلفته أنه كان “الوجه البيروتي” الأصيل الوحيد، وربما بسبب وجوده حضر شفيق الوزان، وأنه لو غاب هو أيضاً لصار الحفل هجيناً و”خارجياً”؟!
ألم يلفته أن الاحتفال كان بارداً برسميته، وأن عشرات الألوف من المعنيين بالمناسبة والمكان ومستقبل بيروت قد غابوا أو غيبوا عنه؟!
شرف بيروت إنها لم تكن في تاريخها الحديث “بيروتية”، بل هي كانت نوارة العرب ومنتداهم الفكري وجامعتهم وكتابهم وصحيفتهم وشارعهم الوطني.
كانت واحة الديموقراطية، فيها تتصارع الأفكار والتيارات والاتجاهات المعبّرة عن الطموح العربي المشروع إلى غد أفضل،
أما بيروت شركة سوليدير فلا هي رمز للديموقراطية، ولا هي المنتدى الفكري الأمثل، ولا هي الامتداد في التاريخ عبر التجدد والتجديد. إنها رمز القطع مع الماضي للاندفاع قدماً على طريق التهجن والهجانة. إنها مدينة للأغنياء والمستثمرين والباحثين عن ربح سريع، للوكالات الأجنبية، ومكاتب التمثيل ومروجي الصناعات والسياسات الغريبة.
إنها مدينة ستطرد أبناءها الذين لن يستطيعوا غداً أن يقيموا فيها.
إنها مدينة بلا قلب وبلا شعب.
ولا مجال في مدينة كهذه لصائب سلام (التاريخي).
مع ذلك: أهلاً بالعائد إلى داره وأهله ومدينته (القديمة) وتاريخها. أهلاً بصائب سلام.
ومرة أخرى: صائب سلام يستحق أكثر من هذه العودة المركبة، وبيروت أيضاً.

Exit mobile version