طلال سلمان

على الطريق شقيقة كبرى أم سعودية صغرى؟!

في سياسة حكام السعودية، ومنذ أيام “المؤسس” عبد العزيز، أن تبقى حدود مملكتهم مفتوحة بحيث يمكن توسيعها على حساب “الجيران”، كلما واتت الظروف وسمحت موازين القوى والمعادلات الدولية.
وليست مصادفة أن تكون حدود هذه المملكة باقية بغير ترسيم مع اليمن (الذي يتهمها بأنها قد اختلست منه مساحات هائلة، عبر السنوات الأخيرة، لاسيما في المناطق المحاذية لمواقع اكتشاف النفط في شماله وجنوبه، إضافة إلى جيزان ونجران وخميس مشط وغيرها من الأرض التي ما زال اليمنيون يعتبرونها أرضهم المغتصبة).
… وأن تكون قيد الدرس والترسيم مع سلطنة عُمان،
… وأن تكون قد “أقفلت على زغل” مع دولة الإمارات العربية المتحدة، خصوصاً وإن حكاية الخلاف على “واحة البريمي” التي علقت ولم تحل تماماً، شهيرة يعرفها القاصي والداني،
… وإن بين السعودية والعراق “منطقة محايدة”، في انتظار الاتفاق على ملكيتها لاحقاً. والكل يذكر أن زيارة الملك فهد لبغداد، مباشرة بعد وقف حرب الخليج الأولى، كان هدفها الأوحد إلزام الحكم العراقي بترسيم الحدود وفقاً للتصور السعودي.
… وإن بين السعودية والكويت “منطقة محايدة” أيضاً،
والمنطقة المحايدة “قنبلة موقوتة” يمكن تفجيرها في أي وقت.
كذلك فلم تكن مصادفة أن يقدم حكام السعودية، وقبل حوالي السنة، على “تقديم” حدودهم المشتركة مع كل من قطر والإمارات المتحدة، بحيث قطع الاتصال البري بين القطريين وأخوانهم في دولة الإمارات، وكانوا يعبرون كمن يتحرك داخل أرضه، فصار لزاماً عليهم أن يدخلوا – رسمياً – إلى المملكة السعودية فيقطعوا في أرضها مسافة طويلة جداً قبل أن يعبروا حدودها مرة أخرى ليدخلوا الإمارات،
لولا هذا كله لأمن اعتبار ما وقع، أمس، في مركز الخفوس القطري، مجرد حادث حدودي بين دولتين شقيقتين وجارتين يمكن أن ينتهي برسالة اعتذار من المعتدي – بطريق الخطأ أو سوء الطالع – إلى المعتدى عليه.
لكن سياسة السعودية في ما يخص حدودها مع جيرانها تضفي ظلالاً من الشك والريبة على كل تصرف، وتعطي لأي حادث حدودي أبعاداً خيرة قد لا تكون له أو قد لا تعطى لمثله لو وقع بين أي بلد آخر وجاره.
في أي حال، لا أحد يتمنى أن يكون هذا الحادث الحدودي مقدمة لمصيبة عربية جديدة، إذ يكفي العرب ما فيهم من جراح نازفة تكاد تستهلك حيويتهم وقدرتهم على الفعل، وتعجزهم عن مقاومة عدوهم القومي والأجنبي الطامع في خيراتهم والعامل على إذكاء الفتن فيما بينهم ليتأكد دوره باعتباره “الحامي” لجميعهم والحامي الخاص لكل منهم من اعتداء أخيه الأقرب، وهو دائماً احتمال قائم، كما يريدنا الأميركي أن نصدق.
وبديهي أن تكون قطر في غير وارد التفكير بشن الحرب على السعودية،
تماماً كما أن الإمارات في غير وارد إعلان الحرب على جمهورية إيران الإسلامية لتحرير جزيرة “أبو موسى” ومعها “طنب الكبرى” و”طنب الصغرى”.
لكن هذه “الحوادث” التي تجيء متزامنة تطرح الكثير من التساؤلات عما يعد للخليج بعد الكارث السابقة التي تسبب فيها النظام العراقي.
إن السعودية تسلك منذ ما بعد “عاصفة الصحراء” مسلك من يريد أو يحاول الانتقال من الموقع الدفاعي إلى الموقع الهجومي… وهي تفعل ذلك في السياسة (وقد تبدى في قمة عدم الانحياز بجاكرتا وفي الأمم المتحدة) وفي الإعلام، وأخيراً في بعض التظاهرات العسكرية على حدود اليمن، وكذلك في الاقتصاد (على هامش لقاءات منظمة الأوبك وخارجها).
ثم إن السعودية التي تعطي نفسها موقع “الشقيقة الكبرى” تفوض نفسها حق التدخل في الشؤون الداخلية لشقيقاتها من حولها، “فتنصح” هذه بصرف النظر عن الانتخابات، وتضغط على ثانية حتى تؤخر إقامة مجلس الشورى، وتغذي في ثالثة (كما في اليمن) نار الفتن والخلافات الداخلية مستخدمة بعض من تشتري ولاءهم بالريال ومعه التحجر السلفي.
لهذا كله تتزايد الأسئلة حول دلالات الحادث الحدودي مع قطر، خصوصاً وإن المملكة أعربت عن عدم رضاها على السياسة المتوازية التي اعتمدتها هذه الإمارة في علاقاتها مع جيرانها عموماً، ومع إيران على وجه الخصوص،
ومعروف طبعاً أن السعودية ناصرت على الدوام إمارة البحرين في الخلاف الحدودي مع قطر على جزيرة “حوار”، وهو الخلاف الذي وصل ذات يوم إلى حد الحرب بين الإمارتين الشقيقتين، والذي يحاول القطريون بكل جهدهم حله حبياً وعن طريق الاحتكام إلى القانون الدولي وأمام محكمة العدل الدولية.
وبرغم الاعتراض على سياسة المملكة السعودية عموماً، فإن أحداً لا يريد لها أن تتورط في صدامات عسكرية مع أخوتها الجيران، أو تلجأ إلى سياسة تحريض الواحد على الآخر بحيث يضعف الكل، وتزداد قدرتها على التحكم بهم جميعاًز
إن هذه سياسة الضعيف لا القوي، وسياسة الأصغر لا الأكبر، حيث اللجوء إلى المكر والخديعة والوقيعة تعويض عن القوة المفتقدة.
ترى متى تكون “السعودية” شقيقة لمن حولها، وشقيقة كبرى على وجه الخصوص، بينما مسلكها دائماً ينزلها في مرتبة “الدولة الصغرى”؟!

Exit mobile version