طلال سلمان

على الطريق شرق لا تهمة

من حق السيد اسماعيل فهمي أن يستدعين بوصفه وزيراً للخارجيةن سفير مصر لدى بريطانيا، أو لدى غيرها من الدول، وأن يناقشه أو يحقق معه في ما جهر به من آراء حول الوقائع العسكرية لحرب رمضان المجيدة مقارنة بنتائجها السياسية المفجعة…
ومن حق الحكومة المصرية، بطبيعة الحال، أن تتبع الاستدعاء بمحاكمة للشاذلين مثلاً، والمحاكمة بقرار فصل من الخدمة، أو حتى بالسجن لخروجه على السياسة الرسمية.
ذلك شأن الحاكمين في مصر، ولا يحتاج الفريق أول سعد الدين الشاذلي محامياً ليتولى نيابة عنه مهمة الدفاع ودحض الاتهامات، وتأكيد حقوقه كقائد عسكري لعب دوراً أساسياً في الحرب، وكمسؤول سياسي بحكم المنصب الذي منحه بعد عزله من الجيش، في أن يقول مثل ما قاله أمام الطلاب العرب في بريطانيا.
أما ما ليس من حق اسماعيل فهمي، فهو أن يحاول، مداورة أو مباشرة، طمس القضية الأساسية وتزوير وقائعها، ومحاولة حشر أطراف أخرى فيها ليمكن له بالتالي تصوير قضية الشاذلي وكأنها “رزالة عربية” موجهة ضد مصر،
فلقد سربت “مصادرمأذونة” في القاهرة منتصف ليل أمس الأول خبراً إلى إحدى وكالات الأنباء الأميركية يفيد بأن “الليبيين” هم بشكل أو بآخر وراء تضخيم أقوال الشاذلي و”تشويهها”!
ونشرت الوكالة، نقلاً عن المصادر المأذونة، قصة بوليسية عن طالب ليبي سجل حديث الشاذلي في لندن، وبعث به إلى حكومته في طرابلس الغرب التي سلمته بدورها إلى جريدة “السفير” في بيروت فنشرته هذه محرفاً ومجتزءاً فكان ما كان من ضجة واستدعاء وتحقيق.
فكان السيد اسماعيل فهمي يريد إيهامنا أن الحكومة المصرية ليس لها أجهزتها، وأن هذه الأجهزة يمكن أن تغيب عن مؤتمر مهم كمؤتمر الطلاب العرب في بريطانيا، وبالتحديد عن لقاء يتم بين سفير مصر مع هذا المؤتمر، وأن هذه الأجهزة يمكن أن تغفل عن إرسال كلام خطير كالذي قاله الشاذلي إلى “من يهمه الأمر”، أو يمكن أن تسكت عن مساءلة الشاذلي في ما قاله، على خطورته وأهميته ومخالفته للخط الرسمي المعتمد في سياسة مصر الخارجية..
ومن حيث المبدأ، فإن ليشرف هذه الجريدة الفنية أن تكون باتت المرجع الأساسي للحكومة المصرية في معرفة ما يجري في العالمن وبالذات في معرفة ما يقوله سفراؤها… غير إننا أرجح عقلاً من أن يركبنا الغرور، بل الهبل، فتجوز علينا خدعة منحنا هذا الشرف الذي لا ندعيه ولا نستحقه في آن واحد، بقصد الاساءة إلى رجل نقدره كما تقدره الجماهير العربية كسعد الدين الشاذلي، وإلى القيادة الثورية للجمهورية العربية الليبية، إضافة إلى جريدة “السفير”.
ونحن أكثر احتراماً للشاذلي من أن نتصور أنه كان “يخاف” من أن تعرف حكومته رأيه، كما إننا أكثر احتراماً لأنفسنا ولمهنتنا ولقضية أمتنا من أن نتعامل مع الكلمة بخفة، ناهيك بالتحريف والاجتزاء.
ولو إن السيد اسماعيل فهمي يحترم عقول الناس ويصدق هذه المزاعم التي سربتها مصادره إلى الوكالة الأميركية، لما كلفه الأمر أكثر من اتصال هاتفي بسفير مصر في لندن يطلب إليه فيه تكذيب “السفير” أو تصحيح “ما حرفته” من حديثه إلى الطلبة العرب…
ولو إن الشاذلي شخصياً وجد في ما نشرته “السفير” ما يستحق التوضيح لبادر إلى توضيحه، فهو المسؤول الأول عن كلامه..
أما أن يكذبنا السيد اسماعيل فهمي مداورة، وعلى لسان أصدقائه الأميركان، فهذه خطيئة جديدة لا تغطي الخطايا السابقة بل تعريها.
وأنها لقسمة عادلة أن يكون السيد فهمي والأميركان في جانب، أن نكون والشاذلي في جانب آخر، وأن يتهم السيد فهمي كلا منا،
فليس أشرف من هكذا اتهام يصدر عن هكذا مدع في هكذا قضية!

Exit mobile version