طلال سلمان

على الطريق شرط الصندوق العربي – الدولي تصحيح صورة الشرعية وحكمها؟!

… وإذا وُجد من يشتري السلام للبنان، وبالمليارات، فمن سيكون “البائع” ومن سيكون “الوسيط” وإلى أي حد ستتأثر هذه الصفقة باقتصاديات “السوق”؟!
لقد ضربت اللجنة العربية الثلاثية موعداً للبنانيين، في مطلع أيلول المقبل، رابطة ربطاً محكماً بين واجبات الأطراف المحلية وواجباتها هي (اللجنة) باعتبارها تجب الأطراف المعنية الأخرى من عربية ودولياً، واستطراداً إقليمية.
والموعد أشبه بسند أمانة، أو صك مؤجل الدفع، بلغة المصارف طالما إن الحديث عن صندوق الدنيا وملياراته، وهو لا يستحق إلا إذا نفذ الطرف المستفيد مجموعة من الشروط الواجبة الأداء،
ولقد اختارت اللجنة العربية الثلاثية أن تعلن هذا الموعد للاجتماع التأسيسي للصندوق الدولي لمساعدة لبنان، من البعيد، وفي ختام جولة لها على بعض مراكز القرار الغربية، وبالتحديد باريس والفاتيكان، ربما لكي تعلن أحد أمرين أو الأمرين معاً:
1 – إن “المبادرات” التي أطلقتها الفاتيكان ارتجالاً، والتي حاولت فرنسا من بعد أن تحتويها لتتجاوزها مقتنصة لنفسها دوراً في البازار اللبناني، قد انتهت في أرضها، وإنها بالتالي غير ذات موضوع ولن تؤثر على السءياق الطبيعي لعلاج مشكلة التمرد في مواجهة الشرعية واتفاق الطائف،
2 – إن اللجنة العربية الثلاثية هي، اليوم أيضاً، الجهة المعنية بإنجاز مشروع الحل، وإنها هي المرجعية “الدولية” بالمعنى السياسي كما بالمعنى “المالي”… فهي تختزل، في ذاتها، الدول جميعاً، العربية وغير العربية، ثم إنها هي “الآمر بالصرف” حين تجيء لحظة الدفع من أجل “شراء” مشروع الحل الممهد للسلام الوطني في لبنان.
على إن اللجنة العربية الثلاثية أوحت بطريقة جلية أن على حكم الشرعية، حكم اتفاق الطائف، أن ينفذ ما يخصه من موجبات العقد، قبل الموعد المضروب والذي يقع في منتصف الطريق إلى قمة القاهرة “التاسيسية” للمرحلة الجديدة في العمل السياسي العربي لما بعد كمب ديفيد ومعاهدة الصلح المنفرد.
ماذا تطلب اللجنة العربية من الشرعية اللبنانية، أو ماذا تتوقع منها؟!
في التقدير: إن اللجنة العربية الثلاثية لم تكن مرتاحة لطريقة تعاطي الشرعية مع ما سمي، تجاوزاً، المبادرة الفاتيكانية التي لم يبق طرف في الفاتيكان إلا وتنصل من المسؤولية عنها.
ففي رأي أوساط اللجنة أن أهل الشرعية لا يحفظون للحكم هيبته ويخرجون عن وقارهم كلما جاءهم موفد أجنبي، أو تحرك سفير عارضاً مساعيه الحميدة،
للتدليل على صحة هذا الاستنتاج تشير أوساط اللجنة إلى تداعي الرؤساء الثلاثة للقاء السفير البابوي حين قدم بمبادرته إلى الغربية، مصطحباً معه البطريرك الماروني.
ولقد كانت هناك محاولة لجمع الرؤساء الثلاثة من أجل لقاء الموفد الفرنسي فرانسوا شير، لولا إن عطلها أحدهم بالقول: – حين لبينا الدعوة الأولى فإنما كنا نكرم البطريرك نصر الله بطرس صفير الذي أسقط تقليداً سخيفاً كان يحصرعلاقته برئيس الجمهورية، فزار كلا من رئيسي المجلس النيابي والحكومة… أما مع الموفد الفرنسي (وهو أمين نعام الخارجية) فلا حاجة إلى حشد الرؤساء لاستقباله، مهما كان التقدير لدور فرنسا ونفوذها “التاريخي” في لبنان،
وفي التقدير: إن أوساط اللجنة العربية الثلاثية منزعجة من أسلوب الشرعية في إدارة “الصراع” مع “الضابط المتمرد” ميشال عون، ومن إدارة “الحوار” مع “القوات اللبنانية” وقائدها سمير جعجع،
ولعل ما سمي بالمبادرة الفرنسية كان مناسبة للتعبير عن هذا الانزعاج، خصوصاً وإن اللجنة كانت في طريقها إلى فرنسا، وربما فاجأها فرانسوا شير ببعض ما سمعه أو ما طلب منه في بيروت.
وفي التقدير: إن اللجنة العربية الثلاثية، وغيرها من الجهات، تفتقد لدى الشرعية اللبنانية خطتها وتكتيكها وإلى حد ما قرارها.
وأخطر ما تأخذه اللجنة وسائر الجهات العربية والدولية على الشرعية إنها قصرت أو تقاعست قفي وضع اتفاق الطائف موضع التنفيذز
ولا يستطيع أي مسؤول لبناني أن يقنع المعنيين في الخارج وبأسباب التأخر في إقرار التعديلات الدستورية، سيما وإن من يصورون ممانعين أو معرقلين لإقرار هذه التعديلات قد سارعوا – في أول فرصة – لاحتلال مقاعدهم الوزارية من غير أن يلتزموا بالتضامن مع مجلس الوزراء (ومع زملائهم النواب) بالإسراع في إقرار التعديلات.
ولقد نشأت مفارقة طريقة، في الفترة الأخيرة، إذ بينما بدا وكأن ميشال عون، المقاتل لإسقاط الطائف قد خفف تحفظاته واعتراضاته فإن الذين “طردهم” من “الشرقية” و”أسقط” عنهم نيابتهم بسبب هذا الاتفاق يهربون الآن من توكيد التزامهم به واعتماده صيغة دستورية لحكم “جمهورية الوفاق الوطني”!
وفي التقدير: فإأن أوساط اللجنة العربية الثلاثية، والحكومات العربية عموماً، تريد أن تسمع أخيراً من الشرعية خطتها لحسم الوضع الداخلي.
وثمة من يرى إن الشرعية قد قصرت أو تقاعست فلم تلعب دورها الطبيعي في “تنظيم” العلاقات بين الدور السوري الحيوي جداً لها، وبين دوراللجنة العربية الثلاثية، ومن هنا تنشأ بين الحين والآخر فجوة وتنعكس بالسلب على صورة الشرعية،
وثمة من يقول إن اللجنة العربية ليست مؤهلة، في ضوء الواقع، لتنظيم العلاقة اللبنانية – السورية، ولا يجب أن يتوقع منها ذلك، بل لعل المطلوب أن تنظم الشرعية العلاقة بين دمشق وبين اللجنة وفق خطتها وما يتناسب مع مصالحها وتوجهاتها لبسط سلطتها على كامل التراب الوطني.
على هذا فالشرعية هي المولجة والمعنية بأن تنسق وتنظم وترتب وتتوافق مع دمشق على خطة “الصراع” مع ميشال عون و”الحوار” مع سمير جعجع، فإذا ما تخلت عن هذه المهمة لم يستطع أي طرف آخر تعويض النقس، وإن كان الباب سيفتح على مصراعيه لأدوار غير مطلوبة ولمبادرات غير مجدية كالمبادرة البائسة للسفير البابوي الذي يقول عارفوه إنه نادم أشد الندم لتورطه في أمر لا يعرف ما يكفي من أسراره وألغازه وخباياه.
لقد ضربت اللجنة العربية الثلاثية للشرعية موعداً بعد شهرين من الآنن وقبل شهرين من القمة العربية الفعلية في القاهرة،
وتفترض اللجنة إن هذه المدة يجب أن تكون كافية لكي تحسم الشرعية أمر تمرد عون، بأي أسلوب تراه، ودائماً بالتنسيق مع سوريا، تاركة للجنة ما تفترض إنها قادرة على إنجازه،
كذلك تفترض اللجنة إن هذه المدة يجب أن تكون كافية لكي تنظيم الشرعية علاقتها مع الطرف الماروني الآخر، “القوات اللبنانية”، بما يحفظ الحكم هيبته ويبقيه مرجعاً وليس طرفاً أو نداً لأي ميليشيا، وبما يقويه على الميليشيات الطائفية الأخرى،
وأخيراً، فإن اللجنة تفترض إن هذه المدة يجب أن تكون كافية لكي يعيد الحكم صياغة نفسه فيحسن صورته في الداخل والخارج، ويستعيد الاعتبار الذي فقد بعضه عبر الحكايات والروايات والسوالف (الصحيحة أو المبالغ فيها) عن مباذل الوزراء ونهب المال العام والخلافات التي تفتقد إلى أي تبرير سياسي.
وباختصار: لكأنما شرط الصندوق أن يصحح الحكم خطه وخطته وصورته بحيث يمكن اعتماده ممثلاً شرعياً للطائف كاتفاق عربي – دولي لتجديد الجمهورية في لبنان.

Exit mobile version