طلال سلمان

على الطريق سلام نحشون!

نموذجية هي حكاية نحشون واكسمان،
ونبادر فنقول إننا، مبدئياً، ضد الخطف والاغتيال الفردي، ومع المواجهات المباشرة وبكل أنواع السلاح، تقديراً منا لشرف المقاومة وليس خوفاً من تهمة التورط في تأييد الحركات “المتطرفة” وأعمالها “الإرهابية”…
بعد هذا الاستدراك نعود فندلل على نموذجية حكاية نحشون،
نحشون أميركي بالولادة، ومقاتل إسرائيلي بالاحتراف، وهو مواطن هنا وهناك، ولذك فقد اهتزت لاختطافه بلاد المنشأ، الولايات المتحدة الأميركية، وأرض النشأة أي فلسطين المحتلة،
ونحشون الإسرائيلي أميركي إذا اختطف،
لكن نحشون الأميركي إسرائيلي متى استوطن “أرض الميعاد” وطرد أهلها العرب من أرضهم، بالخطف أو بالقتل أو بالاقتلاع والرمي في تيه الشتات،
نحشون المنتصر على العرب جميعاً، هو إسرائيلي،
فإذا ما أسر نحشون أو اختطف أو قتل فهو إسرائيل كلها والولايات المتحدة الأميركية جميعاً، بل هو النظام العالمي الجديد وقد تهدد مستقبله وبات من واجب التحالف الدولي جميعاً حمايته.
وهكذا فإن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قد نصبت نفسها قوة عظمى بمجرد نجاحها في اختطاف نحشون، إذ وضعت نفسها مباشرة في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، أي النظام العالمي الجديد برمته.
اهتز البيت الأبيض، في واشنطن، وأصدر بياناً – إنذاراً اعتبر فيه عملية الخطف “خطيرة جداً”.
وقطع الرئيس الأميركي بيل كلينتون انهماكه في إعداد الخطط لتحرير الكويت والجزيرة والخليج مجدداً من النفط والنقد والقرار، وترك الديموقراطية في هايتي لمصيرها، ليعرب عن قلقه الشديد وإدانته لعملية الخطف ومطالبته الخاطفين بإطلاق رهينتهم، بغير أن ينسى تأنيب ياسر عرفات على تقصيره في تحرير المخطوف.
وأرجأ وزير خارجيته وارن كريستوفر اهتمامه بمسار “العملية السلمية” في الشرق الأوسط، ومسار العملية الحربية ضد العراق، ليعرف عن غضبه مطلقاً بعض التهديدات المؤثرة لكل من ينطق بالشهادتين : لا إله إلا الله، محمد رسول الله!
أما القنصل الأميركي في تل أبيب فقد سعى إلى والدة نحشون (وهي نظرياً من رعاياه) يبلغها بأن الولايات المتحدة ستبقى مسهدة بالعذاب حتى عودة وليدها سليماً معافى.
ومع التقدير العميق لهذه المشاعر الإنسانية النبيلة، ولهذه الوطنية الأميركية الصادقة في الاهتمام بمصير مواطن (سابق؟!)، فلا بد من لفت النظر إلى مفارقة محددة فيهذا السلوك كانت مرشحة لأن تتبدى قاسية كالحقيقة لو اختلفت المواقع بين نحشون واكسمان وخاطفيه،
ذلك أن من حق السيد نحشون هذا، في نظر الإدارة الأميركية برئيسها كلينتون ووزير خارجيته كريستوفر وسائر الأركان في البنتاغون والكونغرس، أن يخطف من يشاء من أبناء هذه الأرض (العربية) فلا تجيئه من واشنطن إلا التهاني والتنويه بشجاعته الفائقة،
من حق نحشون أن يقتل أي مواطن فلسطيني، في غزة كما في القدس، في الخليل كما في نابلس، في فلسطين 1948 كما في فلسطين 1967 كما في فلسطين 1993،
ومن حق نحشون أيضاً أن يدخل الأراضي اللبنانية وأن يختارأي مواطن في أي مكان هدفاً لرصاصه، وان يجرب صواريخه (الأميركية) الجديدة فيأي منزل وسكانه، حتى لو كانوا جميعاً من النساء والأطفال والشيوخ العجزة،
من حق نحشون أن يتنزه فيكروم قصرنبا في قلب البقاع ليختطف منها بعض أبنائها، كما من حقه أن يهبط بالمظلة على جبشيت ليختطف منها أمام المسجد، فضلاً عن حقه في أن يطارد بمدفع الدبابة حبات الزيتون أو عناقيد العنب أو سنابل القمح في أي حقل أو بستان على امتداد الأرض اللبنانية،
من حق نحشون أن يختار لأي مواطن عربي مصيره: يختطفه، يحتجزه، يأخذه إلى معتقل أنصار – 1 أو أنصار – 2 أو إلى سجن عسقلان، يقتله أمام أطفاله، أو يقتل أطفاله أمامه،
وله أن يختار أيضاً سلاح القتل: الصاروخ، المدفع، البندقية، المسدسد المزود بكاتم للصوت، القتل حرقاً أو خنقاً أو بحسرة الإذلال،
من حق نحشون أن يقرر مصير الأمة جميعاً، من خ ليجها إلى المحيط،
فنحشون هو من صنع لأجله النظام العالمي الجديد، ولقد صنع ذلك النظام على صورة نحشون ومثاله.
إنه نظام نحشون.
والسلام الآتي هو سلام نحشون،
ونحشون هو (أو يجب أو يكون) الخاطف لا المخطوف، السجان لا السجين، القاتل لا القتيل،
وعلى الأمة جميعاً أن تنقسم قسمين: شرطة ومتهمين بل مدانين سلفاً، طالما استمرت غيبة نحشون… وفي انتظار أن نتلقى ما يدبرون،
وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولله في خلقه شؤون، مع التحيات إلى حولا وكفرحونة وسائر الرهائن والمخطوفين.

Exit mobile version