طلال سلمان

على الطريق سلام الجليل في غاليري سمعان!

دخلت محلة “غاليريسمعان”التاريخمرتين: مرة بالطريقة الخطأ، على امتداد سنوات الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي، ومرة بالطريقة الصحيحة عندما تحولت بعد الاجتياح إلى مصيدة لقوات الاحتلال الإسرائيلي، على غرار ما حصل بالأمس (تدمير آلية ومقتل ثلاثة جنود إسرائيليين وإصابة عدد آخر منهم بجراح… أبرزهم وأهمهم “معنويات” الجيش الذي لايقهر!).
من قبل، كان الأخ يتربص لأخيه عند غاليري سمعان، بوصفها محطة على خط التماس بين من كان يفترض فيهم أن يكونوا معاً ضد العدو الواحد، ثم فرقتهم الأيام والأحداث وقصر النظر والتعصب.
أما اليوم، وبرغم إن جراح الحرب الأهلية لما تلتئم، فقد استطاع فتية يعمر صدورهم الإيمان بالوطن وقضيته ووحدة شعبه، وتصلب زنودهم إرادة الحياة الكريمة ورفض ذل الهيمنة والاستعباد، أن يجدوا الطريق لضرب العدو الحقيقي الذي يلغي وجوده فوق أرضنا جدارتنا بشرف الحياة والانتساب إلى أمة مجيدة.
على إن “عملية غاليري سمعان” لا تبدو في حجمها الحقيقي وفي موقعها الصحيح إلا إذا نظر إليها باعتبارها نتاج إرادة شعبية عارمة.
فمن رفض التعامل إلى الاعتصام إلى الإضراب إلى رفع الرايات السود إيذاناً ببدء مرحلة أكثر تطوراً من مراحل مواجهة الاحتلال وقمعه، إلى حركات التمرد المتواصلة في معتقل أنصار، إلى العمليات المتزايدة لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، كان شعب لبنان العربي يؤكد تمسكه بأرضه وبحلم الوطن، متجاوزاً – ما أمكنه – مزالق الفتن الداخليةن مواجهاً عملية الترغيب والترهيب بما ملكت يمينه من وسائل الصمود المتيسرة (وما أقلها في غياب الغائبين بالرغبة أو بالعجز أو بالرغبة في ادعاء العجز ناهيك بالتواطؤ الذي لم ينقطع مع قوات الاحتلال)…
بهذا المعنى تبدو “عملية غاليري سمعان” الرمح الذي رفعت فوقه الرايات السود،
فإذا كانت الراية السوداء تشهر الحداد كموقف ضد الاحتلال، وما نتج عنه (مثل “الاتفاق” الذي بالقهر كتب وبالقهر وقع وبالقهر سيبرم) فإن استخدام رمحها ضد جنود الاحتلال هو التعبير العملي المحسوس عن ذلك، الموقف المبدئي الذي التفت حوله جماهير الجنوب وإقليم الخروب وبعلبك البقاع – وما حولها – وطرابلس الشمال وما أحاط بها.
فالذين ضربوا هنا هم أبناء أو أشقاء أو أبناء عمومة الذين أضربوا هناك وهنالك، وبالذات حيث يطحن الاحتلال بوطأته الناس الطامحين إلى حياة كريمة في وطن يسوده مناخ الحرية ويعزز وجوده انتماؤه الصريح إلى محيطه وأهله، بغض النظر عن واقعهم التعيس الراهن.
… ولا يهم أن يحتفل بعض الأغبياء أو بعض قصار النظر ممن حبسوا أنفسهم داخل غرائز التعصب والكيد والنكاية بأخوتهم، بالذكرى السنوية الأولى لعملية “سلامة الجليل”ز
فها هو محتل الجليل يموت موتاً في ضواحي بيروت التي “حررها” كما حرر الجليل من قبلها، وكما يحرر “اليهودية والسامرة” الآن!!
ولا يهم أن يزدحم النواب الممدة شرعيتهم بمراسيم السلاطين في القاعة الضيقة للمبنى المستعار ليكون مجلساً لهم، لكي يقروا “الاتفاق” بحجة إن لا بديل له،
فها هم ناخبوهم ومصدر شرعيتهم القديمة الممددة يحددون – بالدم – موقفهم ممن كلفنا “تحريرهم” لبنان بعسكرهم أن نشرع لهم ما يكفل استمرارهم في استعبغاد لبنان وإذلاله وفقاً لمنطوق “سيادة القانون” المبرم بالإجماع أو ما يماثله، أو ما يدانيه أو ما يوازيه أو ما يقاربه أو ما يمكن تقديمه للناس وكأنه كذلك!!
للمناسبة: إذا كانت “سلامة الجليل” تبدأ في نواحي البترون أو بعبدات، مروراً بغاليري سمعان، وصولاً إلى القرعون وكامد اللوز الباسلتين فأين تراها تبدأ سلامة لبنان؟!
… وإذا كانت “سلامة الجليل” قد بررت للعالم (بالمنطق الإسرائيلي) اجتياح لبنان واحتلال ما يزيد عن ثلث مساحته، فأين تراها الحدود التي تضمن سلامة “الاتفاق” بوصفه ثمرة الاجتياح؟!
ثم أين نراها حدود سلامة سلام “الاتفاق” الذي يضمن سلامة “سلام الجليل”، الذي يضمن سلامة السلام الإسرائيلي المؤكد لسلامة السلام الأميركي فوق الأرض العربية؟!
وماذا يتبقى من لبنان إذا ما اضطررنا لتقديم ضمان لسلامة سلام كل أنماط السلام المدرجة أعلاه والتي لا شيء فيها يضمن للبنان السلامة أو السلام؟!
… وسلاماً أيتها الرايات السود، ويا أيها “الرماح” الذين أنقذوا شرف لبنان، في غاليري سمعان، كما في الإقليم وصيدا وصور، والنبطية، وسائر القرىن كما في بعلبك البقاع وطرابلس الشمال كما في الضاحية الجنوبية وبعض بيروت.
سلاماً فأنتم الذين تصنعون لنا السلام!

Exit mobile version