طلال سلمان

على الطريق سلاح الموقف لا يقتل عن قوة أميركا

هي الحرب، إذن! الحرب الحرب التي قد تكون أعنف ما عرفنا من حروب، والتي لا يقلل من مخاطرها ونتائجها المروعة، المفترضة، ما يردده دعاتها من إنها قد تكون آخر الحروب إذ لن تخلف بعدها إلا الركام والحطام والقدر الإسرائيلي المعزز والمؤكد بالهيمنة الأميركية المطلقة والشاملة على المنطقة بكل من وما فيها!
حسناً للنظر في ما يخصنا منها نحنه في لبنان.
وأبرز وأخطر ما يخصنا هو مقفنا منها بداية لا موقفنا في نهايتها إن كانت لها نهاية يسهل تصورها في المدى المنظور.
ولنتفق إنها حرب أعدائنا مجتمعين، علينا مجتمعين، ويخطئ إلى حد الانحراف والتواطؤ من يعتبرها حرباً أميركية – إسرائيلية ضد السوريين وحدهم.
إنها الحرب ضد أي موقف عربي عملي أو محتمل برفض الهيمنة الأميركية المطلقة والاذلال الإسرائيلي الدائم والمستمر والذي في ظله يصبح احتلال المزيد من الأراضي العربية – وفي أي اتجاه – مجرد نزهة لها الطابع العسكريز
إنها الحرب لتمديد مفعول 17 أيار المشؤوم بحيث يشمل السوريين والفلسطينيين والأردنيين والعراقيين والسعوديين والخليجيين والليبيين والتوانسة والمغاربة والجزائريين والموريتانيين والصوماليين وصولاً على الجيبوتيين.
إنها حرب فرض الصلح الإسرائيلي على العرب جميعغاً وبأداة الحرب الأميركية التي لا قدرة لأحد على مواجهتها في ما يعتقد أصحابها.
والذي يهم مرة أخرى هو موقف لبنان والحكم في لبنان تحديداً منها.
الصمت ليس موقفاً، كذلك محاولة تبرئة الذات وغسل اليدين من قرار إعلانها والتأكيد على عدم المشاركة فيها أو عدم الرضى عنها.
المطلوب موقف أصرح وأكثر شجاعة وعلانية.
فهذه الحرب لا يمكن أن تكون إذا ما أعلن لبنان – رسمياً وبأعلى صوت – إنه ضدها.
وله في ذلك كامل الحق، فالمدمرات والبوارج وحاملات الطائرة الأميركية ترتاح في مياهه الإقليمية ، والطائرات تمرق في أجوائه وهي تنطلق لضرب ما تحدده لنفسها من أهداف فوق أرضنا،
والمدافع الأميركية تنطلق بالتدمير والغطاء الرسمي المعلن إنها إنما تحمي الشرعية اللبنانية وتساعد على بسطها فوق الأراضي اللبنانية التي “يحتلها” السوريون.
والولايات المتحدة ليست بمنطق القوانين والأعراف الدولية على الأقل قوة الاحتلال كما إسرائيل فلا يملك لبنان ولا يقدر أن يمنعها عن التصرف.
إن قواتها موجودة فيه بناء على طلبه ويفترض فيها أن تؤدي مهمة محددة تخضع – ولو بالمجاملة – لما تراه وتريده السلطة الشرعية اللبنانية.
وليس مطلوباً من الدولة اللبنانية أن تحارب الأميركيين – مثلاً – لتمنعهم من محاربة سوريا، لكن عليها أن تقدم الإسهام الوحيد الذي تملك بمنع هذه الحرب، ومحلياً: أي الموقف المعلن بأوضح لغة وبأعلى صوت من حرب تدخل خارجي ضد العرب في أرضهم!
فالمهم أن لا تمكن الأميركيين والإسرائيليين من تمويه صورة عدوانهم الجديد وجعلهم يبدون وكأنهم يقتلون بعضنا خدمة للببعض الآخر منا وبطلبهم.
في أي حال فإن من المؤكد إن الرئيس أمين الجميل لم يسمع في واشنطن عن لبنان بقدر ما كان يريد، ولا سمع عنه قطعاً مان كان يتمنى أن يسمعه. ووفقاً للصحف الغربية والفرنسية خاصة فإن رئيس لبنان ذهب يطلب المساعدة فإذا به لا يتلقى إلا دروساص في كيف يكون الحكم، وفي كيف تكون علاقاته مع الأطراف جميعاً.
ووفقاً لبعض العارفين بمنطق الحاكمين في واشنطن فإن الرئيس الجميل أحس فإن في الجو شيئاً مخيفاً فحاول جاهداً إثبات عدم موافقته ومن ثم عدم مشاركته في ما يدبر لسوريا تحديداً، وفي ضوء ذلك يمكن فهم تصريحات الدكتور إيلي سالم في العاصمة الأميركية بكل ما تضمنته من إلحاح على العلاقات اللبنانية – السورية، ويمكن فهم الإصرار على إبراز “الاختلافات في وجهات النظر” بين بيروت وواشنطن حول طريقة معالجة الوضع القائم في لبنان ومن حوله.
ووفقاً لبعض المتصلين بأوساط الوفد الرئاسي فإنهم في البيت الأبض طلبوا إلى الرئيس الجميل أن يقصر اهتمامه على الشأن الداخلي وحده تاركاً للأميركيين أنفسهم “ومعهم الإسرائيليون” أن يتكفلوا بالسوريين ومن معهم.
وفي كل الأحوال فإن الرئيس الجميل سمع من الأميركيين عن إسرائيل وأهمية موقعها في الاستراتيجية الأميركية وعن حيوية دورها في المنطقة، وعن سوريا وخطورة دورها التخريبي الراهن وضرورة “تأديبها” والحد من جموحها المرتبط بطموحات “العدو السوفياتي” أكثر بكثير مما سمع عن لبنان نفسه وعن احتمالات تمكينه من توفير الشروط اللازمة لاستعادة وحدته والعافية والاستقلال ومستلزمات السيادة.
ضمن هذا المنطق كان المطلب بإحياء مؤتمر جنيف “للمصالحة الوطنية” وفي أسرع وقت ممكن وصولاً إلى تشكيل حكومة الاتحاد الوطني العتيدة وكان القرار بتشكيلها لا ينتظر غير إشارة فإذا الأخوة – الأعداء جميعاً جلوس إلى المقاعد المتلاصقة في قاعة مجلس الوزراء في القصر الجمهوري في بعبدا.
وهكذا يبدو كان الزمان قد دار دورة كاملة في واشنطن بين زيارتي الرئيس الجميل: فحين ذهب قبل شهور مرتدياً لباس الحرب ضد السوريين نصحه من فيها بضرورة التفاهم مع سوريا كمدخل لحل المعضلة الداخلية والتمهيد لإقامة حكومة اتحاد وطني قوية وحين ذهب هذه المرة مفترضاً إنه مهد الطريق – مبدئياً – للحوار مع دمشق ومع الأطراف المخاصمة له داخلياً – في ضوء نتائج مؤتمر جنيف – فوجئ بريغان فوق حصان الكاوبوي مجلبباً بعدة الحرب كاملة وصيحاته بالانتقام من السوريين تطبق الآفاق.
هكذا فقد بات على الحكم أن يسحب آثار زيارته السابقة حتى لا تستخدم كتبرير لنتائج زيارته الأخيرة والتي يحاول الأميركيون أن يصوروا حربهم ضد سوريا وكأنها أولى هذه النتائج.
ولسنا من السذاجة بحيث نطلب المستحيل فنحن نعرف حاجة الحكم إلى الدعم الأميركي ولكننا في الوقت ذاته نعرف كما يعرف العالم كله قصصاً عن كثير من الحكام الذين أوردهم الدعم الأميركي مورد التهلكحة حين ورطهم بتغطيته ثم تخلى عنهم من غير أن يرمش له جفن، وبينهم على سبيل المثال لا الحصر عدنان ماندريس ودييم في فيتنام وذو الفقار علي بوتو في باكستان ومحمد رضا بهلوي في إيران وأنور السادات – إياه – في القاهرة المعز!
وما نطلبه من الحكم في لبنان يتلخص في أن يحمي نفسه وبلده في آن فيعلن موقفاً قاطعاً وصريحاً اليوم لا غداً حتى إذا تمت العملية الأميركية الإسرائيلية تمت بلا غطاء منه مباشرة أو بطريقة غير مباشرة.. وقد يكون الصمت أو التنصل الهامس أو غسل اليدين شكلا من أشكال التغطية غير المباشرة.
وفي ظل هذا الموقف إذا ما اتخذ وأعلن تتغير أشياء كثيرة على الأرض وتعطي الحرب صورتها الأصلية.
وليس لنا في ظل أوضاعنا البائسة ما نطلبه أكثر من هذا: أي أن نموت كما يجب وحيث يجب وليس بطريقة الخطأ وبين أقدام المتحاربين باسمنا وفوق أرضنا والأنكى من ذلك: بالنيابة عنا.
وإذا كان العرب قد دفعوا غالياً في فلسطين وما حولها ثمن الاضطهاد الغربي لليهود فهل من الضروري أن يدفعوا في لبنان وما حوله ثمن عقدة فيتنام التي يقول الأميركيون إنهم يعانون منها الأمرين وإنهم لا بد أن يتخلصوا منها.
المهم أن لا نحمل المأساة الجديدة بصمتنا وهذا أضعف الإيمان.
وإذا كان لحزب الكتائب أو بعض من فيه رأي آخر فهذه فرصة الرئيس لإعلان براءته منه ومنهم، وبعد تنفتح أبواب الحلول جميعاً.

Exit mobile version