طلال سلمان

على الطريق سقوط السلاح وصعود المسلحين في الحروب الإسرائيلية..

هل جاءت لحظة السقوط المدوي للسلاح، كإعلان عن بداية النهاية للحرب الأهلية التي طالت واستطالت حتى صارت دهراً من الظلم والظلام والتجويع والتهجير والنهب المنظم لخيرات البلد، إضافة إلى تهديدها الجدي للأمن القومي؟!
ففي الحرب على إقليم التفاح كما في الحرب على “الشرقية” من قبل، لم ينتصر سلاح هذه الميليشيا على سلاح تلك الميليشيا، بل لقد أعلن “السلاحان” وبأعنف الأصوات دوياً، افتراق الأسلحة جميعاً عن القضية، كتتويج لافتراق الميليشيات جميعاً عن الناس.
وبرغم انقسام الناس حول هذه الميليشيا وتلك وأيهما أبعد عنهم وأكثر تنافراً مع المزاج العام، فلقد كانوا بمجملهم خارج الحرب إلا كضحايا.
لا في الشرقية كانوا طرفاً، برغم حدة الاستقطاب في الولاءات وهتافات “بالروح، بالدم”،
ولا هم الآن في إقليم التفاح طرف، برغم تصنيفهم لأحد جانبي الاقتتال بأنه “وافد” و”طارئ” في حين إن الجانب الآخر “محلي” و”أهلي” ومسلم بوجوده بقوة الفراغ وافتقاد “البديل الشرعي” أكثر مما بقوة الأمر الواقع.
ثم إن “الحربين” قد دارتا في ظل “الرعاية” الإسرائيلية، المباشرة، سواء بالمخابرات والتسهيلات اللوجستية، كما في الحرب كما في إقليم التفاح.
وما يتصل بالسلاح “اللبناني” يتصل بأي سلاح آخر، سواء اعتبره البعض إيرانياً، أو كان بالفعل فلسطينياً، وسواء أكان متهماً بالتدخل أم متطوعاً للعب دور قوة الفصل.
والأمر أخطر من أن يلخص بأن السلاح الطائفي قد فقد دوره بمجرد أن تحول إلى سلاح اقتتال داخل الطائفة الواحدة،
الأمر يتصل بالوظيفة السياسية لهذا السلاح، كائنة ما كانت طائفة حاملهز
فلم يعد السلاح مصدر حماية (مفترضاً) من القوى أو الطوائف الأخرى، بل تحول هو بالذات إلى مصدر خطر ليس على شخص حامله، وإنما قبل ذلك على المشروع الذي تذرع به من قبل وخاطب به غرائز “جمهوره” ليستقطبه.
ولم يعد السلاح أداة لتحقيق السلام المرتجى، ولو بعد ألف حرب، بل تحول بوضوح إلى أداة قتل لأي احتمال بقدوم عصر السلام، مهما كان ضئيلاً وبعيداًز
وبطبيعة الحال لم يعد السلاح أداة تهديد للآخر، بل تحول إلى عبوة ناسفة لصاحبها.
في غياب الدولة، ولو كاحتمال، كان للسلاح ما يبرره.
أما مع احتمال قيام الدولة أو تجديدها فقد صار السلاح عقبة في طريق عودة المجتمع المدني،
أي إنه لا يحمي لا الفرد ولا المجموعة، لا الطائفة ولا الدين، لا المواطن ولا الوطن، بل هو مصدرخطرأكيد على هؤلاء مجتمعين.
بصيغة أوضح وأكثر فجاجة: صار السلاح “الماروني” عبئاً على الماروني (وعلى الطائفة العظمى كلها)، يفقده من موقعه ومن “حقوقه”، ناهيك بالامتيازات، ويهدده في وجوده ذاته إذ أنه السبب المباشر في تهجيره وفي هجرته القسرية هائماً على وجهه بين القارات الخمس،
كذلك صار السلاح “الشيعي” عبئاً على الشيعي (وعلى الطائفة الشيعية الطامحة كلها)، يمنع عليه الوصول إلى حيث كان يرتجي ويأمل ويتمنى.
لقد خصم السلاح من “الماروني” جدارته وأهليته بالسلطة الفعلية التي كانت تعطيه الموقع الممتاز و”الحق” بالامتياز.
وخصم السلاح من “الشيعي” أهليته لأن يكون له من السلطة ما يتناسب مع عدده ومع أهليته التي تحصل عليها عبر المجتمع المدني، والتي لا يمكن أن ينالها إلا في مجتمع مدني له مؤسساته الطبيعية.
ومن قبل كان سوء استخدام السلاح قد خصم من الفلسطيني وهج الثورة التي أطعمها الشعب من لحمه ومن دمه ومن جنى العمر فإذا به مهدد بالتلاشي والاندثار في سراب دولة تبتعد حقيقتها عنه بقدر ما تتزايد تضحياته الغالية من أجلها.
على إن هذا كله لا ينفي المفارقة التي يعيشها لبنان والتي تتمثل في أن سقوط السلاح يرافقه صعود المسلحين أو قياداتهم، في أقل تقدير…
وهو “صعود” محكوم بقوى الضغط الخارجي أكثر منه بشرعية تمثيل الناس في الداخل.
ولذا كان طبيعياً أن توصف هذه الحروب بأنها إسرائيلية،
ثم إن هذا التوصيف لم يزعج أحداً من أطرافها، ولا هو أزعج صاحب الرعاية: العدو الإسرائيلي!.

Exit mobile version