طلال سلمان

على الطريق سؤال مشروع تطرحه حرب المتمرّدين في الشرقية: هل الحكم والحكومة مع اتفاق الطائف؟

في ظل إجازة المدافع بين المقتتلين على اغتصاب السلطة والأرض في الشرقية، يبدو مشروعاً أن تطرح مجموعة من الأسئلة والتساؤلات حول موقف “الشرعية” من موضوع الصراع ومن جذره الفعلي: اتفاق الطائف باعتباره قاعدة الوفاق الوطني وإعادة تجديد الصيغة السياسية بتسوية طائفية منقحة عن تلك التي اعتمدت منذ استقلال 1943 وحتى اليوم.
إن الخلاف بين المقتتلين على السلطة في الشرقية يتمحور حول كيفية إسقاط اتفاق الطائف… ففي حين يريد “الجنرال” اغتيال هذا الاتفاق بالمدفع يفضل “الحكيم” قتله بالسم البطيء ومن دون التورط في موقف علني، والأهم: بغير أن يترك بصماته على الجثة.
وكل هذا مفهوم صدوره عن خارجين على الشرعية ومتضررين من قيام الدولة ومستفيدين بإدامة الحرب الأهلية لأنها علة وجودهما.
لكن السؤال يتركز على موقف الشرعية ذاتها برموزها كافة.
ولعله بات مشروعاً أن يتوجه أي مواطن بالسؤال محدداً إلى الرئيس الياس الهراوي:
*هل فخامتك، بعد، مع اتفاق الطائف، خصوصاً وإنك ثمرته الأولى؟!
** ولقد تتزايد النبرة الاتهامية في السؤال حين توجيهه إلى الرئيس سليم الحص – هل دولتك، فعلاً، رئيس حكومة الوفاق الوطني، حكومة اتفاق الطائف، حكومة الجمهورية الجديدة؟!
فإذا كان الجواب بالإيجابن كما يفترضن فماذا فعلت في مجال تنفيذ هذا الاتفاق؟! وبغير قصد في الإحراج أو في التشهير يمكن الاكتفاء بإيضاح سبب القصور أو التقصير أو الإهمال في إعداد مشاريع القوانين بالتعديلات الدستورية المطلوبة لتحويل الاتفاق من إعلان نوايا إلى مرتكز دستوري لهذا الحكم وأي حكم مقبل في لبنان؟!
*** أما المجلس النيابي فحسابه عسير، من حيث المبدأ، لأن اتفاق الطائف قد أحيا عظامه وهي رميم، وأعاد إليه اعتباره، وكرس مقامه كمصدر وحيد للشرعية، وأعطى نوابه ما لم يكن واحدهم يحلم به إذ جعل “السلام” في عهدته بقدر ما أدان “القادة” و”الأمراء” و”المراجع” الأخرى التي حملها مسؤولية الحرب.
*ومن حق المواطن اللبناني أن يتوجه إلى المجلس النيابي، رئيساً وأعضاء، بالسؤال ذاته: هل لا زلتم مع الاتفاق الذي تواضعتم عليه، بعد نقاش طويل ومخاض عسير، وقبله منكم العرب فاعتمدوه، وهناكم عليه العالم بأسره، تقريباً، فأيده وأعلن دعمه له؟!
*واستطراداً : إذا كنتم على إيمانكم بأن ما فعلتموه في الطائف هو لصالح لبنان فلماذا تغيبون عن بيروت، ولماذا لا تكملون مهمتكم وتحمون شرف التوقيع بالإنجاز؟!
إن كان التقصير من الحكومة فلماذا لا تحاسبون الحكومة (حكومة اتفاقكم) وأنتم المرجع الصالح؟!
وإن كان مصدر التباطؤ والتقاعس أو الإهمال انتظاركم لنتيجة الصراع على كيفية قتل الاتفاق في الشرقية، بما يخلصكم من “الورطة”، فلا بأس من تذكيركم بأن سقوط الاتفاق يجيء توكيداً لسقوطكم واندثار دوركم في الحال والاستقبال.
*ومن حق هذا المواطن اللبناني أن يتوجه على “شرعيته” مجتمعة بالسؤال الصارخ:
-هل حقاً تنتظرون نجدة من حكيم التقسيم لاستنقاذ اتفاق الطائف؟!
-أم أنكم تتوقعون من جنرال التعتيم أن “يهتدي” بعد الانتصار على جعجع فيجيئكم تائباً ومعتذراً عما تقدم من ذنبه وما تأخر في حق اتفاق الطائف وحقكم؟!
فمن أسقط الاتفاق الغاكم وجعلكم سابقين،
ومن امتنع عن حمايتكم وتأمينكم كان يتجاوز الاتفاق ويجعله سابقاً أو لاغياًز
بل إن طرفي الصراع على الشرقية إنما يقتتلان على وراثة دولة ما قبل الطائف، وكان اتفاق الطائف لم يكن.
إنهما لا يعترفان لا بالاتفاق ولا بنتائجه، ويجهران علناً بخروجهما على شرعية ما نتج عن اتفاق الطائف..
وبالتجربة الحسية فلقد كان أهون على حكيم التقسيم أن يقر بمرجعية جنرال التعتيم من أن يعترف بشرعية الياس الهراوي وحكومة سليم الحص، وكلاهما من نتاج الطائف الطيب الذكر.
مرة أخرى نطرح الصوت:
-يا هوه، يا عالم، يا عرب، يا شرعية، يا حكم، يا حكومة: من منكم بعد مع اتفاق الطائف؟
من في الداخل يتذرع بتقصير عرب الخارج، وبالتحديد اللجنة العربية العليا ودولها، وبامتناعها عن مد يد المعونة والدعم الفعلي.
ومن في الخارج يتذرع بقصور حكم الداخل وتباطؤه وارتباكه وعجزه عن مواجهة العقبات التي تعترض سيل تنفيذ الاتفاق – المعاهدة.
لكأنما طرفاً التعاقد يتنصلان من موجبات التوقيع والتزاماته.
لكأنما أهل الطائف جميعاً، في الداخل والخارج، يسلمون بتفوق “الجنرال” في القوة والقدرة عليهم، ويقرون بوجاهة المشروع السياسي لسمير جعجع.
لكأنما أهل الطائف يقبلون نظرية أن الموارنة قسمان: متمرد بالسلاح ومتمرد بالسياسة، لكنهم جميعاً ضد لبنان الذي افترضوا أنهم في الطائف قد رمموه وبعثوا فيه الروح.
لكأنما أهل الطائف، في الداخل والخارج، يسلمون بالمنطق القائل إن الدولة حيث تكون المارونية السياسية،
فإذا ما انحصرت بين كفرشيما والمدفون صارت الدولة هناك، وسقطت سائر الأنحاء (بما فيها العاصمة) سهواً!!
وبهذا المنطق يغدو الياس الهراوي والياس الخازن وادمون رزق وسائر النواب الذين كانوا في الطائف خارج الطائفة، ويصبح الهدف الأول “لنضالهم” العودة إليها عبر العودة إلى منطقة “سيادتها” المطلقة.
وبهذا المنطق يصبح مطلب الوصول إلى بعبدا و(اليزرة) عودة من المهجر القسري والاغتراب أكثر مما هو استعادة لحقوق الدولة والمواقع الرسمية للسلطة الشرعية.
الشرعية تنتظر في “الخارج” أن تقبل في “الداخل”، وشرط قبول الداخل – كما توحي الوقائع – التنصل والتطهر والتبرؤ من اقتراف جريمة الطائف.
وبعض أهل الطائف لا يجدون مانعاً من التضحية باتفاق الطائف من أجل استنقاذ “روحه” والحكم الذي جاء باسمه.
لكأنما الحكم (وأي حكم؟!) أحم من الاتفاق.
لكأنما النتيجة أهم من السبب، ولكأن المكسب الوحيد الذي تحقق من الاتفاق هو ملء السدة الشاغرة برئيس ماروني جديد للجمهورية التي تندثر.
“جيشاً” الطائفة – الدولة يقتتلان على أرض “دويلتها” الضيقة.
الدولة (الأصلية) بحكمها وحكومتها وجيشها، تتصرف وكأن الصراع “خارجها”: لا تملك أن تعتبر “الجيش” الذي هناك جيشها، ولا تستطيع الوصول إلى شعبها المحاصر بالنار (وأشياء أخرى) بعيداً عن “مداها الحيوي”،
بل هي ما زالت تتصرف وكأن بيروت ذاتها ليست عاصمتها ولا مقرها، بل مجرد “معبر” إلى دار الحكم بل إلى الحكم بذاته.
الحكم مؤجل، والصراع بين المتمردين معجل، واتفاق الطائف معلق، وأهل الطائف مشغولون في أمكنة أخرى واهتمامات أخرى.
وحدها “كرة النار” تدور فتحرق الأخضر واليابس في حين يتصرف جميع الأطراف وكأن “وقتهم معهم”، سواء في الداخل أو في الخارج، ويدخرون أنفسهم إلى حين يأتي زمن الحل.
وفي انتظار الحل – الحلم لا يتبقى للأحياء غير أن يرقموا جولات الحرب التي لا تنتهي والتي دارت بلبنان دورة فلكية كاملة جعلته غير ما كان وفي غير المكان الذي يجب أن يكون فيه.

Exit mobile version