طلال سلمان

على الطريق ريغان المجنون بالقذافي

لا يريد ريغان أن ينتهي وقد تغيرت صورته في أذهان العالم من “كاوبوي” حرفته القتل وبين ميزاته الشراسة وخرق القوانين والأعراف الدولية، إلى “رجل سلام” أسهم في إرساء الأسس لعهد جديد من الوفاق الدولي الوارف الظلال بأفضال البيروسترويكا الغورباتشوفية.
لقد جاء بهذه الصورة، ويريد أن يختم عهديه في رئاسة الولايات المتحدة الأميركية بها، تاركاً لخلفه جورج بوش أن ينعم بخيرات ما تحقق في عصر “السوبرمان” و”أقوى الأقوياء في الكون”.
وريغان لا يجد مسرحاً لممارسة هوايته في القتل والرعونة والتصرفات الهوجاء إلا المنطقة العربية، عموماً، وإلا الجماهيرية العربية الليبية وقائد ثورتها معمر القذافي على وجه الخصوص.
حتى ليصح القول في ريغان أنه مجنون بالقذافي، مهووس به، مسكون به يطارده شبحه حيثما حل، وإنه يريد أن يصفي الحساب المعلق معه ولو في يومه الأخير.
من هنا فليس جديداً أو غريباً أو مباغتاً أن يقدم الرئيس الأميركي الراحل بعد أيام على حماقة جديدة، عبر عنها بتهديداته المباشرة الموجهة إلى الجماهيرية والقذافي، معلناً نيته بقصفها مرة ثانية بطائراته الجبارة بذريعة تدمير مصنع للأدوية فيها تصر واشنطن على اعتباره مصنعاً للأسلحة الكيميائية والغازات السامة.
في المرة الماضية أطلق ريغان طيرانه، مقتحماً أجواء القارات ليقصف منزل معمر القذافي في محاولة لاغتياله من الجو، فكان أن قتل عدداً من المواطنين العرب، ودمر عدداً من المنازل المأهولة وأصاب بالضرر بعض السفارات (وبالذات السفارة الفرنسية)، وخسر إضافة إلى بعض الطائرات والطيارين سمعته كقائد أمة ورجل دولة مسؤول عن سلامة العالم،
كان أشبه “بكاوبوي عصري” حصانه هذه المرة جسر جوي يمتد من بريطانيا وعبر أوروبا والبحر الأبيض المتوسط إلى ساحل شمالي أفريقيا ليقذف بالحمم الحارقة والقاتلة منازل أسر آمنة فيقتل أطفالها ونساءها ورجالها.
أما اليوم فهو يوسع إطار اعتدائه العتيد ليشمل أرض الجماهيرية كلها وشعبها بأسره.
في الوقت ذاته فإن ريغان يغادر سدة السلطة وليس على قائمة خصومه إلا بعض العرب، من سوريا إلى شعب فلسطين، إلى لبنان الجريح وانتهاء بالجماهيرية العربية الليبية، (من دون أن ننسى إيران الإسلامية)،
هؤلاء هم الإرهابيون في نظر رجل السلام والوفاق الدولي رونالد ريغان،
وإذا كان قد اعتمد مع سوريا أسلوب الحصار والضغط للتطويع، ومع شعب فلسطين أسلوب الالتفاف على انتفاضته المجيدة بفتح باب “الحوار” مع قيادة المنظمة المتعبة لابتزازها حتى تنبذ “الإرهاب”، وما “الإرهاب” هنا إلا حلم شعب فلسطين في وطن ودولة على أرضه، فإنه قد “حجر” على لبنان، وفرض عليه الكرنتينا باعتباره “الطاعون”، واستبقى للجماهيرية والقذافي الاعتداء المباشر بقوة الحديد والنار.
ومفهوم أن ريغان ما كان ليسرح ويمرح بهذه الحرية لولا التبدل المؤثر الذي طرأ على سياسة الاتحاد السوفياتي في ظل سياسة “إعادة البناء” التي تجد الكثير من تجلياتها في الانفتاح على الغرب وتغليب شروط التقارب معه ولو مجحفة، على أسباب القطيعة والبعد والصراع الايديولوجي المفتوح.
ويبدو أن بعض العرب، لاسيما الذين ما زالوا يقولون “لا” وينادون بحقهم في الكرامة والحرية والتقدم، سيفرض عليهم أن يدفعوا ثمن الـ “نعم” التي تتردد أصداؤها في أربع جنبات العالم الذي سيودع ريغان وهو يتقارب بشقيه إلى حد التطابق.

Exit mobile version