طلال سلمان

على الطريق رسالة مفتوحة إلى اللجنة العربية: اعطونا في لبنان ما تريدونه لأقطاركم غداً!

الأخوة اللجنة العربية السداسية المعنية بالمسألة اللبنانية.
الأخ الرئيس / الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.
الأخ المنسي الأمين العام لجامعة الدول العربية الشاذلي القليبي.
تحية الجرح العربي المفتوح في لبنان وبعد،
البداية اعتذار: فقد تخرج هذه الكلمات عن أصول المخاطبة البروتوكولية، فتغفل بعض الألقاب أو تخطئ في بعضها الآخر، وهي كثيرة جداً قد تعطل التواصل والمباشرة بتناول المسألة ساخنة كما الدم المراق في ساحاتها أو على الجنبات، ثم إن الشكليات مصدر للشعور بالغربة والبعد ونحن إنما نبحث عن صلة الرحم والقربى لنحتمي بها.
… وقد تخرج هذه الكلمات، أو هي قد تخرجكم عن أو على سياق بحثكم الرصين، الهادئ، المنسق والمبرمج والممنهج والمرتب في أضابير تضم محاضر بتواقيع وأختام، مستهلها وخاتمتها اسم الله العلي القدير وما بينهما ما يدبر “العبد” وما قد يرى بإذن الله وبعونه، والأمر لله من قبل ومن بعد!
لكن هذه السطور
لكن هذه السطور قد تكون مفيدة، إذ أنها تجيء من خارج دائرة عملكم المحكوم بضوابط عديدة، مؤذية هي وإن كنتم ترون إنه لا بد منها.
ثم إنها قد تكشف جوانب مطموسة أو خفية أو مهملة، غابت عن مدى بصركم المتعب بالتفاصيل، ولا يملك أن يتوقف أمامها الرسميون من ذوي المناصب، ويتعفف عن الإشارة إليها الروحيون من أصحاب المراتب، ويتحرج من ذكرها “الفعاليات” والقادة الأفذاذ من ذوي المخالب، ويخاف من مجرد تذكرها النواب والسياسيون من ذوي الوجاهة بالتقادم أو بالتناوب أو بالتجاذب أو بالمواهب، لا فرق…
أيها السادة – اللجنة
أود أن استغل الصداقة الشخصية التي تربطنا بمعظمكم لأقرر حقيقة بسيطة مفادها:
إننا لا نريد منكم حلاً لنا في لبنان، بل نريد لكم جميعاً في أقطار الأمة العربية كلها حلاً صحيحاً وصحياً عبر الجرح العربي في لبنان وبفضلة!
وبصراحة جارحة: فإننا لا نريد لأنفسنا هنا ما لا تعطونه لرعاياكم في أقطاركم، ولا نريد لدولتنا أن تكون ما يتعذر على دولكم أن تكونه، اليوم، أو غداً، وغداً بالذات.
لقد اتخذ بعضكم من لبنان، شعباً ودولة ومؤسسات، القدوة في ما مضى، على خطورة ما كان يعتور نظامنا ونمط حياتنا من تشوهات وعلل ووجوه خلل، فلم تنجحوا في النقل ولا أفاد المقتبس، وبدل أن تعترفوا بالخطأ رأيتم العلة فينا لا في أنكم لم تأخذوا إلا تلك التشوهات ووجوه الخلل إياها!
كنا، وما زلنا، نطلب منكم عروبة صحيحة تشعرنا بالأمان وشرف الانتماء القومي وتصهر الفئات المختلفة الموحدة بتاريخها ومستقبلها ومصيرها ووجدانها في بوتقة الوطن الواحد، موفرة لها من “الضمانات” الطبيعية ما يساعدها على تجاوز ترسبات عصور القهر الاستعماري، الغربي والعثماني، وأبرزها التمايز الطائفي بوجهيه القبيحين: الخوف المستخدم ذريعة للامتياز واحتكار السلطة والغبن المحرض على الثورة المدموغة بشبهة التعصب الديني!
إن المرض في لبنان دليل على اعتلال أوضاع الأمة، بقدر ما إن سلامته شاهد على عافيتها وعلى وعيها لطبيعة مكوناتها وحيويتها في تحصين أبنائها ضد الأوبئة الوافدة أو المستوطنة.
وعلى سبيل المثال: فإن الديموقراطية في لبنان شهادة للأمة، وغيابها شهادة ضد حكامها والأنظمة القائمة بالأمر فيها،
وبديهي أن أحداً (من هؤلاء الحكام) لم يعن بحماية الديموقراطية، وبين رموزها حرية الكتابة والتعبير، والصحافة عنوانها، بل لقد اتجهوا إليها بحرابهم خوفاً من عدواها في الأقطار الأخرى،
وفي غياب الديموقراطية، ومع التعطيل القسري لأدواتها ومنابرها، كان طبيعياً أن تستشري الطائفية وأن تشكل قميصاً واقياً لكل الطغاة الصغار الذين قلدوا الكبار في حربهم على الحريات جميعاً وفي مقدمها الصحافة وحرية التعبير،
إن أحداً منكم أو منهم (في الداخل) لم يعترض على الاقتصاد الحرب إلى حد التسيب، ولم يفكر للحظة بالطعن في قانون سرية المصارف، مثلاً، ولا هو أثار ضجة حول زراعة الحشيش والأفيون، أو حول شبكات تهريب المخدرات (والأشياء الأخرى…).
كذلك فإن أحداً منكم (أو منهم في الداخل) لم يطالب بالاقتصاص من سمسار خطير دوره ومشبوه أو بمحاكمة سارق من أصحاب الصفقات المريبة، بل ما زال هؤلاء مقربين في الداخل والخارج، يستقدمون للاستشارة أو للوزارة أو لتطوير الإدارة، ويعطون فوق ما عندهم مقابل “خبراتهم” الضرورية في ما يبدو لأهل الحل والربط!
هل نكمل أو نتجاوز عن أولئك الذين لهم علاقات وثيقة بالدول الأجنبية وسفاراتها ودوائر استخباراتها، ممن كانوا دائماً مطعونين في وطنيتهم ومنبوذين فصاروا الآن قاب قوسين أو أدنى من سدة السلطة أو من شاغلها بحق الوراثة أو بقوة السلام؟!
ما علينا، لنعد إلى الموضوع،
إن أعظم رزايانا ومنبع الخطيئة والخطأ في أوضاعنا هي الطائفية، فهل لديكم العلاج الشافي من هذا الورم الخبيث؟!
… ومعظم من ستلتقون إنما يشغلون مناصبهم أو مراتبهم بفضل الطائفية، أو هم يشحذون بها مخالبهم، فهل تتوقعون أن يطلبوا إليكم المساعدة على إلغائها أو ضربها وإسقاط أسباب زعاماتهم وشطب مواقعهم الممتازة ومنافعهم التي لا حصر لها؟!
بالله عليكم كيف يمكن أن تتعايش الدولة والطائفية؟1
لقد كانت الجمهورية اللبنانية نموذجاً فاضحاً لضعف الدولة وعجزها عن مجابهة العدو الطامع، واسمه الإسرائيلي،
وكانت هذه الجمهورية مزرعة لمجموعة من النافذين والمستغلين والمحتكرين و”الزعماء” التاريخيين، يتقاسمون خيراتها في ما بينهم، فإذا ما تحولت الشكوى إلى تململ وأنذر غضب المحرومين بتحرك مؤثر، عمدوا – بالتكافل والتضامن – إلى استخدام الطائفية وسيلة لبعثرة الناس وتشتيتهم ثم في فترة لاحقة إلى تهيئة الأسباب لاقتتالهم… في حين يستمرون “هم” في مواقع السيطرة والنفوذ، يرمون للنار وقوداً كلما هدأت حتى لا تخمد!
وكان اللبنانيون “رعايا” ولم يمكنوا أبداً من أن يصيروا مواطنين،
ظلت تبعيتهم لطوائفهم، عبر الزعماء، وعبر كوتا المناصب والمراتب، وعبر “الحقوق” والامتيازات والضمانات ومقابلها الإهمال والحرمان والغبن الأبدي.
فالدولة “وقف” ذري، لكل طائفة منها نصيب، و”المواطن” وحده خارجها،
ظلت تبعيتهم لطوائفهم، عبر الزعماء، وعبر كوتا المناصب والمراتب، وعبر “الحقوق” والامتيازات والضمانات ومقابلها الإهمال والحرمان والغبن الأبدي.
فالدولة “وقف” ذري، لكل طائفة منها نصيب و”المواطن” وحده خارجها،
الرئاسات الطائفية الممتازة، و”الخدمات” للطوائف التابعة… فكيف يكون الوطن للجميع؟!
ولأن الكيان مقدس، ولأنه مفصل على مقاس الطائفة الممتازة وملحقاتها، فالنظام لا يُمس حتى لو بدت عوراته لكل ذي بصيرة أو حتى لكل ذي عينين،
ولأن “الرئيس” هو ابن الطائفة الممتازة فله الصلاحيات جميعاً والحساب عن أخطائه على غيره، إنه في منزلة المعصوم ولو كانت خطاياه مميتة، ممنوعة مساءلته وممنوعة محاسبته وممنوع عقابه بتقصير ولايته (بالوسائل البرلمانية المشروعة)، وممنوع بطبيعة الحال التفكير بخلعه… لأن الرئيس هو الرئاسة، والرئاسة هي الطائفة المقدسة، والطائفة هي النظام والنظام هو الكيان والكيان إرادة دولية، إرادة القوى العظمى فمن اقترب منه احترق بنارها،
كيف، إذن، يكون النظام ديموقراطياً وهو يحدد موقع الحكام ومنزلة الوزير ويقرر لك – منذ الولادة – دور الخفير، فإذا ما اعترضت كفرت والله المجير!
ومن أين تأتي العدالة والمساواة إذا كانت خانة “المذهب” وليس الدين فحسب، هي التي تقرر معارك تقدمك في الوظيفة ومدى حقك أو نصيبك في “دولتك” التي ترفضك مواطناً مهماً حسن سلوكك؟!
وكيف يكون للإنسان حقوق الإنسان البسيطة والطبيعية طالما إن “العرف” يغيب كفاءاته وخبراته وعلمه ووعيه وقدرته على توظيف ملكاته ولا يأخذ منه إلا ما يتناسب مع “كوتا” مذهبه مما لا يخدش حصص المذاهب والطوائف والأديان الأخرى…
لماذا أمين الجميل هو رئيس للجمهورية وليس سليم الحص؟! لماذا بشارة الخوري وليس رياض الصلح؟ ولماذا لا يجوز لرجال من نوع كمال جنبلاط أو رشيد كرامي أو نصري المعلوف أو فؤاد بطرس أو ألبير مخيبر أو خاتشيك بابكيان أن يفكروا بالرئاسة؟
فإذا ما سلمنا بالرئاسة كضمانة (!!) فلماذا ميشال عون هو قائد الجيش وليس الضابط الأكفأ لأية طائفة انتمى؟! ولماذا سيمون قسيس هو مدير المخابرات؟، لماذا لا يكون الأقدر وإن كان أرثوذكسياً أو كاثولياً حتى لا نقول مسلماً؟! هل اشتهر عن الموارنة وحدهم الكفاءة في هذا المجال؟!
ومدعي عام التمييز، ورئيس مجلس الشورى، ورئيس مجلس القضاء الأعلى؟! هل من ضمانات الرئيس الممتازة طائفته أن يكون القضاة من لونه حتى لا يحاسبوه إن أخطأ أو ارتكب واحدة من الكبائر؟!
لقد كان أخوتنا الموارنة يعتبرون إن رئاسة الجمهورية واحدة من ضماناتهم، فثبت إنها لا تضمن لهم شيئاً، وإنها قد تكون مجلبة للويل وسوء السمعة، كما حصل لهم بالتجربة المرة… ثم إنها شغرت فلم يزد وضعهم سوءاً عما كان،
كذلك فإنهم كانوا يرون في الرئاسات والقيادات الأخرى ضمانات إضافية، وكانوا يصرون على دمغ الجيش خاصة بدمغتهم، فما نفعهم الجيش ولا أغناهم عن إقامة ميليشياهم الممتازة لتكون ذراعهم العسكرية.. وها هم الآن يدفعون ثمناً باهظاً للصراع بين “العسكرين” الذي كاد يجرهم إلى انتحار جماعي!
وكانوا يقولون بالتميز، وينادون بالتعدد الحضاري، ويصورون أنفسهم أرقى من سائر فئات شعبهم، وها هو البطريرك الماروني يجيئكم كسيف البال مكسور الخاطر، لأن الموارنة أثبتوا إنهم جاهليون في عروبتهم، وإنهم مثل الباقين من اللبنانيين سواء بسواء… بل إن إغراقهم في الطائفية قد حجب عنهم ما كانوا – كمواطنين – يستحقونه بحكم الكفاءة والسبق في التحصيل العلمي ومعرفة الدنيا… هذا إذا ما تناسينا أن حروب الطوائف على أرضنا قد شردت من شعب لبنان نصفه، وبين هذا العدد الضخم ثلث الموارنة وفيهم نخبة من المؤهلين والعقول والأدمغة رفض أصحابها أن يكونوا مجرد رعايا معدين للذبح في الحروب ضد الآخرين أو ضد الذات.
أيها الأخوة أعضاء اللجنة العربية،
لقد تركز الحديث عن الموارنة لأنهم الطائفة الممتازة، ولأنها ترى إنها الأولى بالرعاية والضمانات،
فإذا كان هذا هو حال الطائفة الممتازة فكيف بحال الآخرين؟!
إن الطائفية لا تضمن حقاً، بل هي تضيع الحقوق على أصحابها.
إن الطائفية لا تبني وطناً بل هي تدمرأوطاناً،
إن الطائفية لا تخلق مواطناً بل هي تخنق حس المواطنة عند الإنسان،
إن الطائفية لا تحقق ديموقراطية بل هي المنبث المثالي للفاشية والدكتاتورية والطغيان والاستنثار بالسلطة والمغانم.
… وهي هي مصدر الحرمان والغبن والثورة التي لا بد أن تتحول، طالما إنها محاصرة بالمستنقع الطائفي، إلى حرب أهلية.
إن الطائفية تخرج ميليشيات تمتهن القتل على الهوية، وتغتصب الكرامات والحقوق، وتنتهك الحرمات والقوانين والأعراف جميعاُ، بل هي أداة القتل والاقتتال،
ولقد تجرعنا مراراتها في مختلف أنحاء لبنان، طائفة طائفة، بالتناوب ، ودفعنا ثمن الخطأ من دمائنا في كل مدينة وكل حي وكل قرية وكل دسكرة ومزرعة وصولاً إلى كل بيت.
لقد خسرنا جيلاً بأكمله على الأقل، وخسرنا قبله بلادنا الجميلة، التي كانت منارة للعلم والأدب، ونوارة في العمران والتقدم والحداثة، وكانت منتدى ومنبراً وشارعاً قومياً يعلي كرامة الأمة، من خلال توكيد وحدتها وتضامنها مع القضايا المحقة للشعوب المقهورة في أربع رياح الأرض،
كنا لسان الأمة وقلمها وكتابها ومطبعتها،
… حتى اجتاحنا العدو الإسرائيلي، وكان مدخله إلينا الطائفية وصراعاتها القاتلة وحروبها التي دمرت الدولة والشعب،
ومؤكد إن حصر النضال الفلسطيني، بكل أعبائه الثقيلة، في لبنان خلال السنوات الماضية، قد أجج الصراعات (المحلية بأسبابها الأولى)، ووظف لتسعير الخلافات ولاستئثار الغرائز الطائفية، واستخدم – بالتالي – ذريعة لتوجه بعض القوى والفئات نحو الكيان الصهيوني،
ومؤكد إن التخلي العربي العام عن أشقائنا الفلسطينيين، قبلنا، ثم عنا، قد ازاد اتساع دائرة النار في لبنان.
ومؤكد إن العجز عن مواجهة العدو الصهيوني قد زخم اندفاع العديد من الأطراف العربية نحو الاقتتال طالما إنهم هاربون من الميدان الصحيح للقتال الحق والواجب شرعاً ووطنية،
على إن ذلك كله ما كان ليترك مثل هذه النتائج المدمرة لولا سرطان الطائفية التي استخدمها كل (في الخارج والداخل) لغرضه الخبيث،
أيها الأخوة أعضاء اللجنة العربية،
لسنا نريد أن نثقل عليكم وأنتم في زحمة الانهماك بمعالجة المعضلة اللبنانية الشديدة التعقيد، لأنها باتت مجمع أمراض الأمة العربية كلها،
ولكننا نتوجه إليكم بالرجاء، أن تراعوا الاعتبارات الآتية:
1 – في ما يخص من ستلتقون من مسؤولي لبنان وأعيانه وقياداته:
*الحق الحق أقول لكم إنهم، مع الاخترام لأشخاصهم، ليسوا بمجموعهم أرقى من في لبنان وأفضل من يمثله.
وإذا كنا نمتنع عن الطعن بأهليتهم، إذ قل بينهم المنتخب والممثل الفعلي لإرادة الناس، اليوم، لاسيما أولئك الذين لم يحملوا السلاح أو إنهم هجروه حين رأوه يرتد إلى الداخل وقد حملوه دفاعاً عن القضية القومية الأقدس،
… فلا أقل من أن نعلن إن العديد منهم مستفيد من الوضع الراهن لا يريد فيه تبديلاً أو تغييراً،
ولا أقل من أن نقرر إن طموحات شعب لبنان الممزق والمشرد والمطعونة كرامته، تتجاوز قدرتهم، ونواياهم وتمنياتهم ذاتها.
** إن “أبطال” الحرب ليسوا هم أصحاب الأهلية لصنع السلام.
فإذا ما افترضنا أن الحرب إلى انتهاء، بحكم المتغيرات والتحولات الهائلة في الدنيا كلها، فمعنى ذلك، إن على هؤلاء السادة، بأكثريتهم أن يتقاعدوا فيريحوا ويرتاحوا،
*** إنهم، بالقطع، لا يصلحون لإعادة بناء الدولة التي ساهموا في هدمها ثم نهبوا، وما زالوا ينهبون، ما تيسر من مواردها…
وإذا كان العماد ميشال عون قد ذهب، نتيجة للخصومة مع “القوات اللبنانية” إلى حد فضح ما تنهبه من الدولة والشعب، فمن نافلة القول إن الميليشيات الأخرى تأخذ ما تطال يدها الطويلة، إلى جانب كونها شريكة “القوات” في بعض المجالات والمصالح المشتركة!
2 – في ما يخص مطالبنا من الأخوة المسؤولين العرب:
أ – نتمنى علبكم ألا تعيدوا تصدير المأساة معكوسة إلينا، فتعطونا ما لم ينفع أقطاركم، لا في مجال ممارسة الحريات السياسية ولا في مجال العدالة الاجتماعية أو التقدم في اتجاه العصر.
ب – إننا لا نرضى أن نستقوي بكم فئة على فئة، وبصراحة فلسنا نريد سيوفكم للمسلمين كي يقتصوا بها من المسيحيين… ولكننا نتمنى أن تتذكروا أن اللبنانيين جميعاً أبناء بلد واحد (إضافة إلى كونهم جميعاً أبناء حواء وآدم وأبناء تسعة)، أي إنهم من حيث المبدأ والواقع والحقوق متساوون، وما تسلم به فئة لفئة هو تناول يستهدف استيلاد الطمأنينة وطرد الخوف الموروث من عصور القهر الاستعماري، وليس امتيازاً موروثاً من تلك العصور عينها.
من داخل القومية، من داخل الوطنية، يكون العطاء، وباسمها ولأجل تثبيتها كنهج وكعقيدة يكون الأخذ.
ج – نريد منكم ما ينفع العروبة لا ما ينفع الأنظمة، وما يحميها في لبنان وفي أقطاركم وليس ما يحمي الحكام وأنظمة الظلم والظلام..
فإذا ما تذعر عليكم أن تعطونا فرجاء ألا تأخذوا منا ما تبقى من روابط وعلائق مع حرية التعبير، كالصحافة التي تعيش أبأس أحوالها ولكنها ما زالت دليل عافية فينا وفيكم. حتى لو أزعجت بعض ظلال الله على الأرض في بعض الحالات فعاملته كعامل مسؤول ينفعه النقد، إذا كان مخلصاً، وينفع شعبه فيتذكر إن إرادته هي الأعلى وهي الأبقى.
د – إن نجاحكم في لبنان بشارة خير لأخوتنا في أقطاركم، فها هنا ترسمون وجهة سيركم مستقبلاً،
ولعلكم تنتصحون فتقرأوا جيداً مسار الريح وتلتزموه،
بل لعلكم تتذرعون بتغير العالم لتعدلوا ما يستوجب التعديل في أقطاركم الشقيقة.
إننا نريد لكم الخير بقدر ما نريده لأنفسنا،
ونحن ندرك إنه لن يأتينا من الخير إلا بعض ما يتحقق لكم،
فعساه يكون عميماً، هذا الخير العربي، وشاملاً لكل أبناء الأمة في مختلف أقطارهم.
وتبقى كلمة أخيرة وشخصية ثم نختم هذا الخطاب الذي قد يكون ثقيلاً على بعض الآذان والنفوس،
كلمة في أذن الشيخ صباح
… أتذكر؟! لطالما أتهمتني بالتطرف، أنا الذي لا أملك من حطام الدنيا ومن أسباب القوة إلا رأيي، وهو بقدر رؤيتي، واجتهادي وهو بقدر علمي، وقلمي ومداده اعتزازي بأمتي وإيماني بحق الإنسان العربي في غد أفضل، يليق به فيشرفه،
هل ما زلت تجدني متطرفاً ، يا صاحب المعالي؟
ومن المتطرف القومي أم الطائفي؟! الوطني أم المذهبي؟! الكاتب والصحافي وصاحب المنطق والحجة أم المسلح بالرصاص الطائش والغريزة الطائشة والمصلحة التي طريقها الحرب والاقتتال الطائفي؟!
ومن هو المتطرف؟!
المطالب بأعمال الفكر لابتداع حل صحي وصحيح لمشكلة معقدة ومزمنة، فجرها التعنت والتعصب في الداخل، وفاقمها التخلي والإهمال وهرب الأشقاء من مواجهتها ومعالجتها منذ اللحظة الأولى،
أم هو ذاك الذي كان يذهب إليك فيستعديك على أخيه، ويذهب إلى العدو فيرجع منه بالمال والسلاح والتحريض، ثم لا يجد غضاضة في ادعاء إنه هو من يمثل “العرب” في لبنان وليس خصومه وخصوم اتفاق 17 أيار (من باب التذكير بما كان)؟!
.. ويا الشيخ صباح.
إنكم تواجهون مسألتنا في لحظة مناسبة تماماً،
فلكل الأطراف مفلسون، لا يملكون حلاً ذاتياً لا لطوائفهم ولا لمناطقهم ولا للبنان بكل أرضه وبكل مواطنيه،
كل الطوائف الآن في الهم سواء،
كلهم ارتطم بجدار التعصب فارتد إلى الانتحار الجماعي،
وكل الرموز الطائفية مثقلة بالعجز وبالخوف من مواجهة الناس، ولهذا فهي تهرب إلى إدامة الحرب ليدوم الانتفاع،
ونحب أن نفترض إنكم تمثلون (في من تمثلون) الضحايا، أو المقتولينو، على حد تعبير الراحل الكبير تقي الدين الصلح،
فتصرفوا بما يليق بكرامة الأمة لا بما يحمي كرامات الزعماء ومواقعهم،
ارحموا أقطاركم فينا، فليس من الضروري أن تتصرف الأقطار العربية كما تصرفت الطوائف اللبنانية: تجرب كل منها السلاح الفاسد نفسه حتى إذا أذاها أقرت بفساده،
لا تخذلونا، وادخلوا بنا التاريخ،
إنكم قادرون، لو أردتم وطبعاً لو ساعدكم اللبنانيون على ذلك،
ومما يزيد في قدرتكم إن العدو الإسرائيلي مشغول بمشكلاته الخطيرة التي راكمتها سياسته القائمة على القوة وعلى القهر، ثم فاقمتها الانتفاضة المجيدة لشعبنا العربي في فلسطين،
ومما يزيد فيها أيضاً إن الإدارة الأميركية الجديدة التي تريدونها أن تسمع وأن تستجيب، بحاجة فعلية إلى نصائحكم الثمينة لأنها لا تدري، من أين تبدأ وكيف ترسم خط سيرها في الرمال اللبنانية المتحركة.
ثم إن ما يزيد في فرص نجاحكم إن الشقيقة سوريا تتعجل حلاً للمشكلة اللبنانية يطمئنها ويعفيها من بعض الأعباء الثقيلة التي تربك قدرتها على مواجهة العدو الإسرائيلي،
إن الظرف مؤات، وأنت أحد أهم الخبراء في سياسة أعالي البحار، فهيا إلى العمل،
وليكن التوفيق حليفكم بقدر ما تريدون الخير لأقطاركم عبر الجرح اللبناني وبفضله،
وسلام على من أتبع الهدى،

Exit mobile version