طلال سلمان

على الطريق رسالة اعتذار إلى أحمد بن بللا

بأي لسان نعتذر إليك، أيها الأخ القائد، وأي أمر من أمورنا يمكن أن يبقى خارج دائرة الاعتذار وتبرير العجز والتغطية على الخطأ بالمكابرة أو باتهام الآخرين في محاولة يائسة لتبرئة الذات؟!
*أول ما نعتذر إليك عنه عدم استيعابنا لحقيقة ما جرى في الجزائر في 19 حزيران 1964… فلقد فهمنا الأمر على أنه نتيجة مباشرة لصراع “طبيعي” على السلطة بين ثوار امتلكوها، أخيراً، وبعد معاناة ممضة ونضال مرير وشوق إلى امتلاك موقع القرار (بدلاً من الأجنبي الغاصب والمحتل).
لكن ما انتبهنا إليه متأخرين وبعد فوات الأوان هو أن خلعك كان إنهاء للثورة واكتفاء بالسلطة… والسلطة مفسدة الرجال، إذا ما انفصلت للحظة عن طموحات الشعب المشروعة إلى الحرية والاشتراكية والوحدة، وماأندر ما اتحدت السلطة والثورة في بلادنا، وما أكثر ما تناقضتا فانتصرت السلطة على الفكر والعقيدة، لأن الكلمة لليف، بعد، وللدبابة والمدفع، وأما الجماهير فلها الأناشيد والبيانات والاستفتاءات التي تقول فيها نعم!
*وثاني ما نعتذر إليك عنه هو إننا تحولنا من ثم، بوعي أو بغير وعي، إلى موافقين وقابلين باستمرار سجنك، بحجة سخيفة هي حماية النظام الذي سجنك، كأنما تبرير القمع يجوله إلى رصيد لقضية الحرية!
ولقد جاء يوم كرهنا لك فيه أن تخرج من سجنك، لأن مجرد المطالبة بالإفراج عنك كانت تعني إدانة مفاهيمنا وقيمنا السائدة، صارت حريتك عبئاً على وجداننا، فأنت مقاتل ورمز نضالي وما دمنا قد اخترنا أن “نرتاح” وأن نستمتع بدنيانا، فلماذا نطلق إذن من سيذكرنا بأن معاركنا مفتوحة كلها وغير منجزة، وإن علينا أن نكمل مواجهتنا لأعدائنا، من استعمار وإمبريالية إلى إسرائيل والصهيونية، إلى الدكتاتوريات والرجعية العربية بوصفها عدواً بذاتها، لطموحات شعبنا، وعدواً بتحالفاتها وارتباطاتها المصلحية.
*ثالث ما نعتذرإليك عنه (ولسنا ندري كيف!!)، إننا هزمنا بأكثر مما نستحق، ثم إننا ارتضينا لمناخ الهزيمة أن يلفنا فيشلنا ونستكين إليه، فإذا سألت واحدنا برر عجزه بالآخر!! فإذا سألت الكل مجتمعين قالوا لك: إن إسرائيل هي الأقوى لأن أميركا معها! فإذا التفت إلى مواقعهم وجدت أكثريتهم الساحقة في حضن أميركا (والبعض اختار أقصر الطرق فذهب إلى القدس المحتلة مباشرة، وبعض اختار استقدام أميركا شخصياً إلى أرضه على شكل قواعد وقوات احتلال وطائرات أواكس ملكية)!!
*رابع ما نعتذر إليك عنه إن في ديارنا، بعد، عدداً من الملوك والسلاطين وقد ازداد عددهم بالنفط، وازداد نفوذهم، وحولونا فعلاً من أعزه إلى إذلاء، وباعونا ولا زالوا يبيعون، ونحن صامتون صمت الراضي بما يجري أو العاجز عن تغييره، حتى لتحسب صمتنا مدفوعاً!!
*وخامس ما نعتذر إليك عنه هذه الحرب الملعونة، بين العراق وغيران، ووقوفنا منها موقف المتفرج أو شاهد الزور… صحيح إن “بعضنا” قد رفع صوته مستنكراً ضرب الثورة الإسلامية التي أنهت عصر العداء الشاهنشاهي في إيران للعرب والعروبة، لكن أكثرية من بيدهم الأمر دفعوا العراق فورطوه ليتخلصوا منه ومن الثورة الإسلامية في إيران، وهكذا يصيبون عصفورين بحجر واحد ويحققون انتصارين على الأمة العربية والشعوب الإيرانية، بل على الشعوب جميعاً، لحساب أعداء الشعوب من أميركيين وإسرائيليين ورجعيين!
*وسادس ما نعتذر إليك عنه هذا الوضع “العربي” في لبنان، إذ تتقدم إسرائيل في الجنوب كما في قلب بيروت، بينما أنظمة العرب مشغولة عنا بمناقشة ماهية القتال في لبنان وهل هي طائفية (بين مسلم ومسيحي) أم أيديولوجية (بين يساري ويميني)، فإذا كانت الأولى ادعى حكامنا الأفاضل أنهم “علمانيون” وأباحوا دم الوطنيين ومستقبل أجيالنا في لبنان، وإذا كانت الثانية برروا تحالفهم مع إسرائيل بضرورة مواجهة الكفر والملحدين!!
ولائحة الاعتذارات طويلة، أيها الأخ القائد، ونحن نحفظها غيباً لكثرة ما نرددها في محاولة لإقناع أنفسنا بالاستسلام للخنوع ولمشروع الإمبراطورية الإسرائيلية ومجموعة الدويلات الطائفية التي ستقوم برعاية الولايات المتحدة الأميركية وحمايتها.
… وللمناسبة: ألم يبلغك خبر إقدام حكام السعودية على “تلزيم” حماية الديار المقدسة، الكعبة المشرفة وقبر الرسول ومدينته، إلى “المجاهد” جيمي كارتر.
لقد أطلق فهد بن عبد العزيز دعوة مدوية للجهاد المقدس، انتهت بأن استقدم الطيارات والطيارين الأميركيين إلى أرض شبه الجزيرة العربية، فلما استقوى علينا انطلق يهدد ويتوعد كل معترض، ويوجه تهمة الكفر إلى كل من طالب بعدم تدنيس مقدسات المسلمين!!
على إننا، أيها الأخ القائد، نملك بعد بقية من إيمان بهذه الأمة، ونملك إرادة للقتال لو سمحوا لنا بالتعبير عنها وممارستها، لتغير كل شيء إلى ما تحب وإلى ما يجب أن يكون،
ولم تخل الحلبة، بعد، من مناضلين ومقاتلين وفدائيين ورجال رجالا لا يرهبهم السيف ولا الدولار ولا كاتم الصوت الذي لا يتوقف هذه الأيام عن “النطق” في طول الوطن العربي وعرضه،
وليس من شك في أن هؤلاء جميعاً قد تعلموا منك كيف يكون الصبر والتحمل، وكيف ينتصر الرجل على كل إغراءات الحياة، وكيف يصمد فلا يسقط،
وهم ينتظرونك ، أيها الأخ القائد، فما أقل القادة وما أكثر أصحاب النياشين،
وسلاماً إليك وقد عدت إلينا وعدنا إليك، وعاد إلينا الأمل بالعودة إلى امتشاق السلاح…
“والله زمان يا سلاحي اشتقت لك في كفاحي
انده قول أنا صاحي يا مصر والله زمان”

Exit mobile version